الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تغيير ولكن بطريقةٍ غير متخلفة

بدرالدين حسن قربي

2007 / 5 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


قد تتفق مع الرئيس الفرنسي السابق وقد تختلف، ولكن يبقى جاك شيراك في الكثير من أحواله ومشاهده رئيساً مثيراً للجدل، ولاسيما لمتابعيه من العرب وفي الشأن العربي تحديداً. سواء في ذلك موقفه المتشدد في إقرار المحكمة الدولية المتعلقة بمقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري ودوره البارز في هذه القضية، أو موقفه في استقبال الرئيس بشار الأسد على أبواب الاليزيه يوم كان الأخير يحبو على معارج الرئاسة السورية عندما كان والده يعدَه ويقدمه لزعماء الدول بطريقته الخاصة التي يفهمونها على أنه الرئيس القادم للدولة ووريث العهد والدولة والسلطة (التأبيدة) إنفاذاً لشعارٍ رفعه على سُقُف المؤسسات وجدران المباني من مثل: حافظ الأسد إلى الأبد أو مع الأسد للأبد.
وسواء اتفقنا أو اختلفنا على مواقف الرجل، فإن مما لاخلاف فيه فيما نعتقد أنه جاء إلى قصر الاليزيه وخرج منه بطريقةٍ مميزةٍ وملفتةٍ للنظر وتستحق الإعجاب ولاسيما من مواطني دولٍ متخلفة.
بالأمس انتهت ولاية شيراك لتبدأ ولاية الرئيس المنتخب الجديد المسيو ساركوزي، وبعملية تسليمٍ من الأول واستلام من الثاني كان مشهداً درامياً في الجمهورية الفرنسية، بدأ بقدوم ساركوزي إلى قصر الاليزيه وعبور السجاد الأحمر الممدود لهذه المناسبة، والمدفعية التي تطلق قذائفها ترحيباً بالقادم الجديد، والرئيس شيراك في باحة القصر يستقبله ويدعوه مصافحاً ومباركاً، وليدخل الخلف والسلف المكتب الرئاسي على وقع الابتسامات وفلاشات كاميرات الإعلام، ثمّ يكون اجتماع الوداع مع التسليم والاستلام، فيصبح الأول رئيساً سابقاً ويصبح الثاني رئيساً حالياً، ثم ليعود الإثنان إلى ساحة القصر، ويتصافحا طويلاً مع الطيّب من الكلام والضحكات. ومع تصفيق الحضور يركب الرئيس شيراك سيارته مغادراً وللمرة الأخيرة قصر الاليزيه، وهو يلوَح للجميع بيده إلى موقعٍ آخر من مواقع العمل والبذل كمواطن فرنسي يحمل لقب رئيس سابق.
لاشك أن مواطني الدول المتخلفة في أنظمة القمع والفساد الجمهورية افتقدوا في مشهد التسليم والاستلام بلاغات الرقم واحد، وإعلان حالة الطوارئ والاستنفارات العسكرية والأمنية، وتحرك الدبابات والمدرعات، وافتقدوا منع التجول والاقتتال بين أنصار السابق ومؤيدي القادم.
مقاعد السلطة والرياسة لاشك وثيرة ومغرية، ولها في النفس مالها من الحظ الوفير استوجبت وتستوجب القتل والاقتتال والبطش والظلم، ولكن مما لاشك فيه أن النظم الديمقراطية وناسها وخلقها استطاعوا أن يجعلوا منها بفهمهم ووعيهم وتجربتهم مقاعد مؤقتة عليها يتداولون، يجلس عليها من يجلس إلى أجلٍ للناس معلوم، ويرحل عنها من يرحل بأمر من الشعب محسوم.
تسليم غاية في اللياقة واللباقة والأناقة، واستلام غاية في التحضر والرقي والوعي، ووداع لطيف ومؤثر بعيد عن العنف والاقتتال والتخريب، فيه من الذكرى والعظة والعبرة الكثير الكثير لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
غادر الرئيس شيراك السلطة، وقد رأى النظام السوري في مغادرته متنفساً له لأنه كان الأشد والأقوى والأعند في متابعة المحكمة الدولية التي تشكل الهاجس الأكبر في تاريخه على رغم عدم تعلقها به كما يزعم. وسيغادر من بعده وقريباً جداً رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير ليأخذ النظام السوري نَفَسه الثاني. ولاشك أن النظام السوري ينتظر رحيل الرئيس الأمريكي بوش أيضاً ولكن هذه لن تكون على مايبدو قبل أن يلفظ نفسه الأخير ويشهد الناس أجمعون نهايةً من نهايات الظالمين والمستبدين والفاسدين، وهو أخشى مايخشاه النظام وهو يرى حبل المشنقة يقترب من رقبته رويداً رويداً قصاصاً عدلاً للمئات وعشرات الآلاف من الناس ضحايا قمعه واستبداده الذي طال عليه الأمد وامتدّ به العهد، وظنَ أنه مانعتُه حصونُه من المحكمة الدولية.
يعتقد النظام السوري على طريقته أن مشكلته مع شيراك أو مع بلير أو مع بوش هي قضية شخصية، ويمكن أن تنتهي برحيلهم. والكل يعلم أن هؤلاء قوم يعملون وفق استراتيجيات تخدم بلادهم، والبعد الشخصي في قضاياهم قليل التأثير، وأن مشكلة النظام السوري أساساً ليست مع الآخر بل هي مع نفسه وفيه نَفْسه. ويعجب المرء من نظامٍ يحوي كل هذا الكم من الفساد والاستبداد والقمع والقتل والنهب، ثم يقرأ على الناس مزامير التآمر والمؤمرات فيُوصّفها كما يشاء ويجنّسها كما يشاء بل ويرى في رحيل شيراك وغيره حلاً لمشكلاتٍ بعيدة عن العالَمِين، وهي مرتبطة بنيوياً بتركيبة النظام فساداً واستبداداً.

قال لي مبتسماً: رحل شيراك رئيس الجمهورية الفرنسية على وقع التصفيق ومحبة جماهيره له، فلم يُعتَقل ولم يُقْتل ولم يَعْلَق على كرسي الرئاسة ولم يوّرثه.
قلت: لعل ليس له ولد يُورّثه كما في جمهورية الياسيمن، أم لعل كراسيهم مصنوعة من (التيفال) الأصلي الذي يمنع الالتصاق، ولايسمح في أي حال بأن يتحد المُقعَد والقاعد عليه.
قال: لاهذا ولاذاك، بل هي عقبى الذين عملوا ويعملون لمصالح ناسهم وشعبهم ومواطنيهم، ويتركون كرسي الرياسة وهم فخورون بأداء واجبهم وتسليم مهامهم الدستورية إلى من بعدهم طوعاً لإكمال بناءٍ بدأ منذ أمدٍ بعيد، وليس لتدميره وخرابه، والأهم من كل ماسبق، أن شيراك يعتقد جازماً أنه لم يرث الجمهورية الفرنسية تركةً أو مزرعةً عن المرحوم والده، وإلا فإنه لن يتركها إلا بحرق الأخضر واليابس وإشعال حرب لاتبقي ولاتذر. جاءها خفيفاً عبر صناديق الاقتراع الحر والديمقراطي وليس على دبابةٍ أياُ كانت جنسيتها لأنها مظهر بدائي ومتخلف وغير حضاري وشكل من أشكال التغيير القميء حتى ولو كانت الدبابة وطنية فضلاً عن أن تكون غير ذلك. ثم ليخرج منها على أحسن ممّا جاء.
مانسمعه ليس حكاياتٍ من نسج الخيال، وليس قصصاً نقصّها من أنباء الغيب عن أقوام لانعرفهم ولم نرهم، بل هي عن بشرٍ ممن خلق ربي، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، ماضيهم ليس كماضينا ولكنّ حاضرهم غير حاضرنا.
قد يستطيع كهول السوريين أن يتذكروا مشهداً من مشاهد الاستلام والتسليم في الجمهورية السورية بطريقة ديمقراطية متحضرة ولكنه بالتأكيد ليس في عهد الفساد والاستبداد وزرّاع (اليأسمين).










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس حماس في الضفة الغربية يدعو الأردنيين لـ-مواجهة مشروع ضم


.. الموريتانيون يدلون بأصواتهم في الجولة الأولى من انتخابات الر




.. إيران.. جولة إعادة لانتخابات الرئاسة بين بزشكيان وجليلي


.. موفدنا يرصد الأوضاع في بلدة عيتا الشعب المحاذية للحدود مع إس




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات بعد عودة جيش الاحتلال لمنطقة الش