الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خبز و نبيذ / صفحات من مفكرة كاتب مغمور

عبدالقادر حميدة

2007 / 5 / 26
الادب والفن



الصفحة الأولى:
".. ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.." إنجيل لوقا 4 – 4

الصفحة الثانية:
".. لقد وجدتُ عنواناً آخر أفضل من "أيام بلا خبز" (Jours sans pain)، وهو Le pain nu أي "الخبز الحافي" بلغتنا الدارجة. سأخبرك قريباً عن تاريخ صدور الكتاب. أظن أنه سيصدر في أوائل 1980.... كيف الحال؟ شتاء وبنات طنجة؟ هل تكتب؟
سلم على الأصدقاء وأخبرنا عن حالك. مع الصداقة الحارة. الطاهر".
من رسالة نشرها ياسين عدنان في مقال بعنوان "هل مات شكري حقا ؟ .."
و صاحب الرسالة هو مؤلف "ليلة القدر" الروائي الطاهر بنجلون.. أرسلها لمحمد شكري حين كان منهمكا في ترجمة "الخبز الحافي" يخبره فيها بأنه وجد عنوانا أفضل..

الصفحة الثالثة:
كنا نتحدث.. أنا وصديقي علي عن رواية الطيب صالح، و الراوي ومصطفى سعيد، و أخبرته بالمناسبة أني وجدت راويا ثالثا في هذه الرواية لم ينتبه له النقاد..
سألني: من هو ؟
فقلت: الزمن..
و لست أدري كيف جرنا الحديث لطرق موضوع الاغتيالات التي شهدتها الجزائر.. و لا لماذا تطرقنا لاغتيال عبدالقادر علولة.. صاحب مسرحية "الخبزة"..

الصفحتان الرابعة و الخامسة:
هواجس الكتابة الجديدة، مرافئ الأحلام العتيقة، الطفولة التي لم تنته بعد، اللعب، لحظات البراءة، سذاجة المعنى، دفء الانغماس والتوحد مع شمس الصباح، نسمات الظل المنبعثة خيوطا أزلية، الخيمة وألوانها، البيوت الحجرية و الطينية الواطئة، القرميد الأحمر القديم، الحطب البالي، الأحصنة المتعبة، بغل عمي سرور، المازوت المندلق في الشارع وأمام الأبواب الخشبية، الطلاء القديم المقشر، سقيفة الحظ، حيث تسكن العجوز سكرة، بعر الأغنام و البقرات القليلة التي يملكها رجل واحد، أبيض من أصل اسباني، النوافذ المسيجة بمعدن رخيص، تطل منها نباتات مختلفة، الستائر المزركشة التي تخفي رواءها صبايا في عمر الزهور، العمر المنفلت، الوقت الضائع، البضائع الكاسدة، دكان عمي الجدري، المجلة البورنوغرافية التي كان يريها خلسة لمن يدفع الثمن، خفية عن عيون الاباء، ساعات الرياضة الطويلة، كرة القدم المنتفخة، ذلك الهواء الذي نظل نجري وراءه و نركله بأقدامنا و نضربه برؤوسنا حتى يحل المساء، حلقات الحكايات الغريبة مع دقمان وعطية و الدينامو، حكايات ناجي في الخدمة العسكرية، الجنس الطفولي الدافئ، غرابة الحكاية و الحكي والمحكي، هتافاتنا في الشارع، أناشيد فضائحية، تذم العسكر و تقدس الجنس، نحفظها، نتغنى بنا، ننسى اللوح و ننشغل بالنظر، الفتيات المتمنعات، الراغبات، الضاحكات، أول قبلة ذات صباح خريفي، ثان قبلة في صباح ربيعي، قبل متتالية و تمرغ على الحشيش الأخضر، خلف سور المدرسة، أول زيارة للعجوز سكرة، غرابة الموقف، الخوف، الارتباك، قلة الخبرة، جلال الكشف، متعة تسلق الجسسد الأبيض، السفر إلى بلاد أخرى، غربة أخرى، برودة، غثيان، احساس بلوعة ما، أمنيات أخرى، أحلام بالعودة، سكون، استمناء، تمني، اكتشاف الورقة، القلم يخط عليها، يفتح عوالم أخرى ، يدخل دهاليز الذات ، الورقة تنتظر ، الورقة أنثى ، القلم ذكر ، لقاء ، استلقاء ، لوعة ، انتفاخ ، ميلاد ، هيئات أخرى ، تختلف عن الأولى ، أردنا استحضار الأولى ، حبسها في لحظتها ، لكنها انفلتت ، الشمس تتواطأ ، تبشرنا بالفشل الأكيد ، ما مضى قد مضى ، لا يمكن استرجاعه ، و لو حلما، الحلم يختلف عن الأصل ، الأصل مات ، هكذا هي الحكاية ، ماتت "ألف ليلة و ليلة" وتلتها ليال أخر ، كلما كتبت ولدت، كلما قرئت ولدت ، كلما حكيت ولدت ، البحث عن استقرار ما ، يقين ما، جواب ما ، "الجواب شقاء السؤال" يقول بلانشو، الجواب لا يأتي إلا مختلفا ، إلا قاتلا، هل نحن بحاجة إلى جريمة ؟ إلى جان جنينيه آخر؟ يكتب نزقا آخر، كل نزق هو آخر، الكلمات تتتابع، و يقتل أدناها أقصاها، و يمحو أسفلها أعلاها ، الورقة تمتلئ لتفسح مجالا آخر ، تمتلئ لتفرغ المعنى ، المعنى يتوالد و لا يموت ، أدخل القبة ، أبكي ، أخرج منها ، أضحك ، أنظر خلف نظرتها ، تتمناني ، أستدعيها ، تتغنج ، لكن تأتي ، تدخل عندي (عندي ما عندي .. واللي هو فطين يعرف ما في يدي بتعبير الصوفي الشيخ النعاس) .. تحكي بشراهة، كأنها تأكل ، آكل ، أزداد جوعا ، أمضغ ، هي تريد ، أنا أريد ، هي تذكر الله ، تسألني ، هل تصلي؟ .. نعم .. أصلي، صلاتي دعائي، دعائي لا يفارقني ، أذكره لا أنساه ، تطمئن ، تمنح لي نفسها ، تبرر ، هي تحب أن تبرر ، لنفسها فقط ، تخرج هادئة ، مرتاحة ، ممتلئة ماء ، تنزل السلالم ، أهفو إليها ، أتمنى استرجاعها ، و إعادة الكرة ، لكن ذهابها موقف ، الموقف لا يعود ، يمتلئ ماء ، يؤلم الماء لو تدرون ؟ .. أنظر حولي، هل من وعاء، قربة ، طستا ، إناء ، الآنية تحب الملاعق ، أليست الملاعق تفرغها و نحن نملأها ؟ لم يكن ملعقة، كان قلما، يسيل مدادا و معرفة و حياة كلما لامس ورقة، هل كانت ورقة ؟..
التلصص على جسدها، هي تغتسل داخل المطبخ، أنظر من خلال ثقب في الباب الخشبي الأزرق، أنا منبطح، حذر، ممسك أنفاسي، هي لا تراني، ربما تستشعرني، تدور، تدلق الماء، الماء ذو حظ عظيم، الماء ينثال، يلامس، يحاور، يحكي، يرحل إلى قدميها ، يمر بكل تحديات الطريق ، الماء يسلك الطرق الأولى ، يعود إلى مجراه –كما يقول الشيوخ عندنا– رأيته كيف يفعل ذلك ، كيف يميتني و يحييني ، كيف يبعثني ، أستشعر الانتفاخ ، يلامس الأرض تحتي ، يدفعها ، الأرض ساكنة لا تتحرك ، جسدها يتحرك ، أستشعر حركة ما ، أختبئ ، ألبس حذائي ، كنت حافيا إذن؟.. أخرج من باب منزلها الخلفي، و يتكرر المشهد مرارا، لكن المشهد ذاته لا يتكرر.. من قال إنه يتكرر؟..

الصفحة السادسة:
أيها المسافر ادخل بدعة..
الألم حجر العتبة..
هنا في الضوء الخالص، يشع
على الطاولة، خبز و نبيذ..
جورج تراكل من قصيدة ( مساء شتائي )

الصفحة السابعة:
اتكأت على الحجر الدافئ، الذي يتوسط الغرفة الساخنة الواسعة، لحمام المماليك الذي سمعت أن أحدهم سماه هكذا، في قصة عنوانها "الحكاية لا تنتهي".. في هذا المكان الدافئ و البعيد عن أعين كتاب المدينة سأتعمد أن أنسى مفكرتي.. لأنني كرهت الكتابة.. و لم أعد أطيق كل هذا الجوع..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي


.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????




.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ