الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في قصيدة نجاة بلبل -تأبين خيبة-

عبدالحكيم الفقيه

2007 / 5 / 26
الادب والفن


القصيدة
تأبينُ خيبة .
نجاة بلبل
الأهلّةُ التي طوتْ مواعيدي الغائبة
ترتهنُ لظهوراتها بوارقُ الذاكرة ..
ليغدوَ العمرُ حكاية الملك الضائع ..
والإمارة السائبة ..

أيجدرُ أن تغادرَ الطيرُ مملكةً يغرّدها الخراب ..
ليتعلّقَ السالكون إشراقةً كاذبة ..؟!

كأنما استعصى على التخلّق جنينُ الضوء ..
وبقيتُ التفاحة المنسلةَ من اليباس الآدميّ ..
أتقوس في المرآة بحجم اللحظةِ الخائبه ..
وفي الخفاءْ حينَ أمورْ ..
ألهجُ بهيئةٍ لها طعمُ المرارة الناشبه ..
ونكهةُ النيء تخلله بالأحماض محابرُ الذكورْ ..
لتسممّ الهلامَ بحفنة من تراب ..

ثمة قيثارة أنهكها المدى ...
تنشجني على مقام الحنين ...
مغمسةً أوتارَها في مفاصل الصريرْ ..
وناياتي الموشومة بمرثية الآفلين ..
يشرخها الليل على طول الصدى ...
مثلما خريف يقشر بالريحِ يخضور العراء ..
أخامرُ أمنيةً طارقة ..
تفرطت عند مفترقٍ للبكاءْ ..
من يعيرني ثدي أمي الذي قاتني البياض ..
وأرضعني اليقينَ بقدرتي الخالقة ..؟
من يطلق طفولتي من إسارها ..
و يعصمني من تآكل أهدابِ الفضاء .. ؟


إليّ - أيتها الريحُ - لأثقلك بغبار الضلع ..
تخصّبين طينةَ أنبياءٍ لا يتقدسون بمسخي ..
وأمهاتهم يحبلنَ في الطلق القادمِ بأسفاري ..
وأنتِ أيتها الفراغاتُ المتعرية من فجواتها
اتسعي لأشعاري
لأفوّحكِ بعبير الحزن وأوجاع النساء ..

صفراءُ هي أكفان الشجر ..
والقلوبُ المفخخة بثيمة الموت والعزاءْ ..
تنصبُ الشقوقَ لاقتناص المطرْ ..

لمَ لا تستبدلُ السماءُ زرقتها ..
يلون لا يتسرّب من إهابه الوقتُ ..
ولا يفتح أزرار الروح على بوابة للفناء ؟!!

29/4/2007
____________




القراءة

الشعر أفق مفتوح وخيط رفيع من المتعة والجمال وجمرة كلما تقترب منها الأنامل تتوارى بحياء كأنثى مفعمة بالدلال والطهر معا
هنا نحن مع قصيدة ليست سهلة الانقياد بل عنيدة على الترويض ومتوحشة ومرهقة تماما في فك طلاسمها
من الطبيعي أن تكون قصيدة الشاعرة نجاة بلبل بهذا المستوى من النضج فهي متمكنة تماما من امتلاك أدواتها ويدل اسلوبها على تجربة ثرية ومراس في عالم القصيدة النثرية.
كأنها في قصيدتها تخلق عالما اسطوريا بلغة راقية وباسلوب بنائي متميز يقترب من نحت الإشتقاقات بصورة بديعة ليست متوقعة إنها تعلن القفز على أسوار المألوف وتجريب مخابيء اللغة والبحث عن لؤلؤة الدهشة والإبداع
بإختصار أهنيء القصيدة اليمنية الحديثة بالإضافة المتوقعة من شاعرة متجددة ومبدعة بحجم نجاة بلبل
منذ البدء نصطدم بشيء غير طبيعي في العنوان فالتأبين دلالة الموت والخيبة دلالة الفشل. نحن أمام موقف غير طبيعي وهذه من سمات التأمل الوجودي الراهن.
الشاعرة نجاة ماهرة بثراء خيالها وجمال لغتها وإنسانيتها الشفيفة المسفوكة كحبرها.
الأهلة كرمز للهداية بمعنى البحث عن الطريق والنهج والدليل والأهلة مترادف يشي بمواعيد هامة وخصوصا ضمن الطقس الديني فتداهمنا منذ البدء بغير طبيعيتها فهي تطمر المواعيد وتحجبها وتجحدها وتطويها ومواعيد المتحدثة في القصيدة غائبة أيضا ومع هذا تلوح الأهلة في الذاكرة البارقة والمورقة لكنها في الواقع كفن للمواعيد ليصبح العمر محض فشل ذريع فلا إمارة ولا ملك ويوحي المقطع الأول بالضياع التام
تبدأ تفاصيل الضياع وتلوح عصافير الخراب والإشراق الكاذب وكأن ثمة تشبث بالوهم في ظل قنوط وأفول فأجنة الضوء موؤدة والتراب الآدمي متيبس وتفاحة الخطيئة هي الخارجة من جدث الإنسان
المتكلمة في القصيدة خائبة الزمن مريرة الكلمات والتراب يسمم السديم والهلام وكأن الإنسان مفسدة الحياة
المتحدثة تغادر مرآتها صوب القيثارة المنهكة وثمة نشيج من حنين بعد تسمر المدى والأفق بمسامير لحظة خائبة وليل شارخ زخريف قاس كالعراء تماما
ومن الحيل الدفاعية يأتي النكوص لتسترجع المتحدثة ذكريات الطفولة وحليب الأم
ألانثى كضلع أعوج في الميثولوجيا الإنسانية هنا تحمل الريح غبارها ساخرة من المسخ المقدس لها
أعتصمت المتحدثة بأسفارها وأشعارها وشذى أحزانها ووجعها كأنثى في طقس اليباب والموت وارتقاب المطر وتنهي المتحدثة موقفها برغبتها في مغايرة الراهن القاتل واستبدال لون السماء كي لا يتسرب الموت وتهتك الروح على بوابة الفناء

نجحت الشاعرة في نصها في تصوير عالم اليوم الراحل إلى غيه وحتفه ومعاناة الأنثى في واقع بطريريكي قاس ومرير حيث القلوب المفخخة والمطر المعد له الكمائن والشقوق
مفردة الأم والحنين ركيزتان هامتان لتعليل كثافة المعاناة المشحونة في إطار الصورة الشعرية الكبرى
النص يومض واللغة ثرية والتأبين يلف كل شيء وجدة النص تكمن في قدرة الشاعرة على تكثيف التصوير وفي تحويل المجرد إلى محسوس متخيل وواقع واقع في ثنايا انبثاق رؤية عصية على التأويل السطحي الساذج ولعل القصيدة تشي بتجربة شعرية سامقة وعمق تأملي نجحت فيه الشاعرة نجاة بلبل أيما نجاح فلها الشكر والتحايا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل