الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وعي العزوف السياسي

عبد الإله بوحمالة

2007 / 5 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


وعي العزوف عند شريحة الشباب المغربي واقعي وله حججه وبراهينه التي لا تحتاج إلى كبير تعمق في اختلالات المشهد السياسي وأعطاب الظاهرة الحزبية، حتى يركن أصحابه مطمئنين إلى قناعة تبرر لهم النفور والانزواء و"ترك الجمل بما حمل" فيستخسرون، بالتالي، على المناسبة الانتخابية عملية بسيطة من قبيل تسجيل أسمائهم في اللوائح أو الذهاب إلى صندوق الاقتراع.
إلا أن هذا الوعي، على حداثته كشكل احتجاجي، ليس وليد رد فعل لحظي أفرزه المزاج الشبابي العام الذي يؤاخذ عادة على كونه عاطفيا أو متمردا أو يفتقر إلى الجدية والمسؤولية و"روح المشاركة الإيجابية"، كما أنه لم يتشكل ضدا على منظومة إيديولوجية معينة حتى نستطيع القول بأنه مؤدلج في اتجاه معين أو متحامل أو لا يزن الأمور بميزانها الموضوعي الصحيح، فهو نتاج لتراكم خبرة شخصية يكونها الشاب بنفسه من خلال الاحتكاك ومعاينة ما يحدث أمامه أو من خلال السماع ممن يحيطون به من أجيال عاشت التجارب السابقة وخلصت منها إلى خيبات أمل محققة، ناهيك عما تكتبه الصحافة الحزبية وغير الحزبية عن الشأن السياسي في المغرب وعن "أخلاقيات" محترفيه غير الديمقراطية ولا النزيهة بصرف النظر عن ألوانهم وانتماءاتهم..
ولعل ما يميز وعي العزوف والمقاطعة عند الشباب هو المنطق المباشر الذي يضع الأصبع على مكامن الجرح والاعوجاج بلا مواربة أو التماس أعذار، فهو لا يبني أحكامه السلبية عن قراءة أو تحليل للبرامج السياسية المطروحة، (إن طرحت)، ولا بالرجوع لسجل الأحزاب السياسية وسير قادتها وزعمائها، (وقد بينت السنوات الأخيرة أن لهذه الأحزاب وقادتها عورات كثيرة)، ولا من الملل المستشري من كل الأفكار والتوجهات والخطابات على اختلاف مقولاتها.. بل ينبني على معادلات بسيطة إن تأملناها نجدها تقيس اللاحق على السابق، والخلف على السلف، وتشبه فلان بعلان، وتحتج على طالب الكرسي بما حققه الجالس عليه.. .
إنه منطق يستمد قوته من الأمثلة الحية التي يضربها بالأشخاص المحددين بأسمائهم وماضيهم وشعاراتهم وممارساتهم ويتوقف عند مفارقات هذه الممارسات التي تشبه الخيانة وتطفح بالتنكر للمبادئ والتملص من الوعود والتعهدات، أي أنه يطبق مبدأ "بكلامك أحكم عليك"، ليخرج بمبررات مقنعة تجعله لا يكاد يثق بأحد، وبالتالي تدفعه لأن ينأى بنفسه عن كل العملية التي تستحيل في نظره إلى مجرد مسرحية هزلية منفرة، ضعيفة الممثلين، سخيفة الإخراج، باذخة الإنتاج والتكاليف، دوره الوحيد فيها دفع ثمن فرجة مملة وإكراه على التصفيق بين المشهد والمشهد.
يتصور معظم الفاعلين السياسيين، ومن ضمنهم الأحزاب طبعا، أن إشكالية العزوف عن المشاركة السياسية في حدودها الدنيا لدى الفئات الشابة نابعة من افتقار هذه الأخيرة لثقافة سياسية حول دور الأحزاب والانتخابات في الحياة الديمقراطية، وبالتالي فإنهم يحصرون المشكلة في فرضيتين اثنتين: "غياب الفهم" و"سوء الفهم"، ويتصرفون على هذا الأساس، في حين أن الحقيقة الإضافية الغائبة/ أو المغيبة، هي أن العزوف في حالات كثيرة، خاصة بين الشباب المتعلم، يستند إلى فهم (ولو جزئي)، لتلك الوظيفة وإلى إدراك لدورها البديهي لكنه في الآن ذاته يتوقف مليا للتمييز بين النظرية والتطبيق، وبين ما يقال وما يفعل، وبين الكائن والممكن، وبين ما تنادي به الأحزاب وزعماؤها وبين ما يفعلونه على أرض الواقع.
وهكذا فإن ما تستريح تلك النخب السياسية والحزبية إلى وصفه بغياب الوعي السياسي عند الشريحة الفتية في المجتمع ما هو في الحقيقة إلا الوعي بذاته وصفاته، أو لنقل هو "الوعي المضاد" المتقدم بمراحل وأشواط كثيرة عن الواقع والذي لا يملك إلا أن يشهر سيف الإدانة الصامتة في وجه اللعبة السياسية وممارساتها المنحرفة التي ظلت تنتج تشوهاتها ولا مصداقيتها بأشكال مختلفة وتحت يافطات مختلفة منذ الاستقلال إلى الآن.
أما إذا عدنا للخطاب الاستقطابي، الذي أنجز على عجل واستهدفت به شريحة الشباب غير المسجل في اللوائح الانتخابية تحديدا في الأيام القليلة الماضية، فسنجد أنه قوبل بصدود واضح للأسباب التالية:
ـ أولا، لأنه كان خطابا لاهثا غير مدروس ولا مفكر فيه بعمق سواء بالنسبة للرسالة أو بالنسبة للشكل الفني الذي قدمت به.
ـ ثانيا، لأنه كان في عمومه خطابا تعليميا مباشرا يكرر على مسامع المتلقي مضامين قديمة ومقولات مألوفة وشعارات وأشياء أخرى يتموقف منها أو يرفضها.
ـ ثالثا، وهذا هو العجيب، لأن حجج ما وسمناه بالوعي المضاد في الوصلات الإعلامية ظلت هي الأصلب والأقوى وكانت مبرراتها في أغلب الأحيان أكثر تماسكا وصدقا من الحجج المقابلة التي ركنت إلى لغة خشبية مليئة بالافتعال واليوتوبيا ومشحونة بالكليشيهات والشعارات ودغدغة المشاعر.
إن تحدي إعادة الثقة للشباب العازف ومصالحته مع الشأن السياسي ومع الأحزاب خاصة، لا يكفي فيه العمل الإعلامي حتى ولو كان مدروسا ومتقن الإعداد والتنفيذ، إنه تحدي يقع على عاتق الممارسين لهذا العمل بالدرجة الأولى، فهم أول من يجب أن يعطي صورة إيجابية عن أنفسهم وعن مؤسساتهم وعن وظيفتهم.. لأن صاحب السلعة السياسية إذا لم يكن نظيفا، ماديا ومعنويا، ونزيها ومسؤولا، وإذا لم تكن سلعته صالحة وجيدة وغير مسروقة ولا مغشوشة.. لا يمكنه أن يستقطب إلا الذباب.
وهذا هو الإقرار الواضح الصريح الذي يجب أن تتعهد به الأحزاب وتلتزم به وتقسم عليه قسما غليظا أمام شباب المستقبل خاصة وأمام الشعب المغربي عامة.. إصلاح ذواتها أولا.
فالحزب الذي يزكي فاسدا واحدا إنما يزكي الفساد عموما..
والحزب الذي يرشح أميا واحدا إنما يحتفي بالأمية والجهل ويشيعهما..
والحزب الذي يحتضن راشيا أو مرتشيا أو مختلسا إنما يفشي قيم الرشوة والسرقة والاختلاس..
وحينما تقدم الأحزاب مثل هذا الإقرار وتبرهن على الالتزام الصارم به عندئذ ستنتهي حالة العزوف العام من تلقاء ذاتها بلا شك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل