الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا اختار الفرنسيون ساركوزى رئيسا للجمهورية؟

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2007 / 5 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


كانت المنافسة على مقعد الرئاسة الفرنسية حامية الوطيس بين سيجولين رويال التى تمثل الاشتراكيين ونيكولاس ساركوزى ممثل اليمين المتشدد. وبلغت نسبة المشاركة—على حد قول محرر جريدة لوفيجارو الصادرة فى 7 مايو 2007— حوالى 85% من مجموع الناخبين المقيدين فى الجداول الانتخابية. لقد اعتاد الشعب الفرنسى فى الماضى على اختيار رؤسائه من ذوى الميول اليسارية الاشتراكية من أمثال ميتران الذى قضى أربع عشرة سنة وهو يجلس على مقعد الرئاسة بيد أن الشعب فضل هذه المرة أن يأتى برئيس يمينى ينادى بالمنافسة وينبذ التعصب الدينى واضطهاد المرأة وقد حصل ساركوزى على 53% من أصوات الناخبين بينما حصلت رويال على47%. السؤال الذى يطرح نفسه الآن هو ما الذى دفع الشعب الفرنسى إلى المناداة بالتغيير واختيار رئيس ذى ميول يمينية متشددة؟ من الواضح أن التهديد الذى يمثله الإسلام سواء فى الدخل أو الخارج هو الذى دفع الفرنسيين للمشاركة بكثافة غير معهودة لم تشهدها الانتخابات السابقة وهذا أدى إلى نجاح ساركوزى بهذا الفارق الكبير.

إن الفرنسيين يعتقدون أن التهديد الحقيقى يكمن فى الإسلام سواء فى الداخل أو الخارج وهذا الخوف من الإسلام بدأ قبل العمليات الانتحارية فى نيويورك ومدريد ولندن فى القرن الحادى والعشريين. ففى استطلاع لرأى الفرنسيين فى عام 1989 بشأن الدول التى تهدد أمن فرنسا اتفق 25% على إيران بينما اختار 21% الاتحاد السوفيتى وذهب أكثر من 50% إلى أن إحدى الدول العربية هى المهددة لأمن بلادهم. وهناك خوف آخر يكمن فى تزايد عدد المسلمين فى فرنسا. ومن المعروف أن معظم المسلمين الذين يعيشون فى فرنسا تمتد أصولهم إلى شمال إفريقيا، وخاصة الدول التى وقعت تحت نير الاستعمار الفرنسى: الجزائر 1830-1962 وتونس 1881- 1956 والمغرب 1912-1956. فرغم أن عددا قليلا من المسلمين هاجروا إلى فرنسا قبل عام 1914 إلا أن المئات وفدوا إليها للمشاركة فى الحرب العالمية الأولى وبعد انتهاء الحرب فى عام 1918م أجبر من بقى على قيد الحياة على الرحيل إلى بلادهم ولم يبق منهم سوى 80 ألف وعرفانا بالجميل لهؤلاء المقاتلين فقد وافق البرلمان الفرنسى على المساهمة فى إنشاء المسجد الكبير فى باريس عام 1920م هذا رغم مخالفة ذلك لقانون 1905م الذى يرفض تقديم الدعم للمؤسسات الدينية. وفى هذا العصر فقد تزايد عدد المسلمين فى فرنسا ليصل إلى أكثر من 3 مليون مسلم ويشكلون 5% من السكان وقد تزايد أيضا عدد المساجد المنتشرة فى فرنسا: ففى رأى مايكل جورفينكل محرر جريدة الشرق الأوسط الصادرة فى مارس 1997 أنه تم بناء حوالى ألف مسجد فى فرنسا خلال الثلاثين سنة الماضية وثمانية من هذه المساجد بما فى ذلك المسجد الكبير فى باريس تمثل صروحا ضخمة تتسع لآلاف المصلين وهناك مساجد أقل حجما ولكنها تستوعب المئات من المصلين. وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك حوالى 50 ألف مسلم من أصل فرنسى اعتنقوا الإسلام ومنهم مفكرون كبار من أمثال موريس بجارت المؤرخ العالمى الشهير وروجيه جارودى الفيلسوف الشيوعى السابق وهو الآن رئيس المركز الإسلامى العالمى فى أسبانيا وديديه بورج مؤسس الجامعة الإسلامية فى باريس. ومن الواضح أن المسلمين الذين استقروا فى فرنسا قرروا المحافظة على هويتهم وأسلوب حياتهم ولم يتمكنوا من الاندماج كليا فى المجتمع الفرنسى. وبعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر وانفجارات مدريد ولندن خرجت بعض الأصوات الفرنسية التى تنبهت للخطر القابع فى أراضيها وتبنت بعض الأحزاب أفكارا ومواقفا متشددة بعيدة عن روح التسامح والتعددية ومبادئ الثروة الفرنسية التى شكلت الوجدان الفرنسى حيث يعتقد 30% من الفرنسيين أن التهديد الإسلامى هو الذى أدى إلى قيام الحزب اليمينى المتطرف الذى يقوده مارى لوبان وقد أجبرت الأحزاب المعتدلة على اتخاذ مواقف مماثلة وتبنى توجهات يمينية مثل طرد الغرباء وتضييق الخناق على الهجرات من خلال القوانين التى تحد منها. ويرى الفرنسيون أن المجتمعات الغربية تتعرض الآن للتهديد جراء الهجرات المكثفة وعلى كل مجتمع العمل على حماية نفسه وأسلوب حياته. فالمشكلة بالنسبة لمعظم الفرنسيين لا تكمن فى بناء المساجد أو اللحوم المذبوحة على الطريقة الإسلامية بل المشكلة تكمن فى ضرورة تبنى الفرنسيين المسلمين للتقاليد الغربية القائمة على العلمانية والحرية.

لقد فاز ساركوزى فى الانتخابات الرئاسية لأنه استطاع خلال حملته الانتخابية أن يعبر عن مخاوف وتوجسات السواد الأعظم من الفرنسيين واعتنق الآراء المتداولة التى تنادى بالحد من الهجرة والتخلص من تلك الفئات التى تمثل خطرا على الثقافة الفرنسية وأسلوب حياة الفرنسيين. ففى أول خطاب له بعد الفوز فى الانتخابات فى 6 مايو 2007م أعلن ساركوزى أن فرنسا لن تتخلى عن النساء اللاتى "يرتدين البرقع واللاتى يفتقدن إلى الحرية".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد سنوات من القطيعة.. اجتماع سوري تركي مرتقب في بغداد| #غرف


.. إيران تهدد بتدمير إسرائيل.. وتل أبيب تتوعد طهران بسلاح -يوم




.. وفاة طفل متأثرا بسوء التغذية ووصوله إلى مستشفى شهداء الأقصى


.. مدرسة متنقلة في غزة.. مبادرة لمقاومة الاحتلال عبر التعلم




.. شهداء وجرحى بينهم أطفال في استهداف الاحتلال مجموعة من المواط