الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خلفيات وأهداف التدخل الإيراني في العراق ؟!

كريم عبد

2007 / 5 / 23
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في السياسة لا توجد ألغاز، توجد وقائع ومعلومات وأرقام. ولكن هناك وقائع ظاهرة وأخرى لا تظهر للمتابع بسهولة بسبب طبيعة عمل الأجهزة الاستخبارية وبسبب تراكم الأحداث وتسارعها كما يحصل في العراق الآن. أن خطورة التدخل الإيراني في العراق تكمن هنا في هذه النقطة : في تلك الوقائع والنشاطات الخفية والأخرى ( المموهة طائفياً ) التي دأبت عليها الأجهزة الإيرانية منذ سقوط النظام في 9 – 4 – 2003 ، والأهداف الخطيرة التي تنفذ بهدوء وبعيداً عن الأنظار ووفقاً للقاعدة العلمية : التراكم الكمي يؤدي إلى تغير نوعي.
ومن الضروري أن نعرف بداية، أن السلطات الإيرانية تتبع في العراق سياسة ( أقول لك ما تريد وأفعلُ ما أُريد ) وهي سياسة ذات وجهين، أي مبتذلة، ويتّبعها عادة طرف (قوي) ضد طرف )مُستضعف( وهو العراقيون هنا حكومة وشعباً. فايران أول من أعترف (بمجلس الحكم) وبالحكومات اللاحقة المعينة والمنتخبة، كما أعلنت مراراً تأييدها للعراق الجديد وللنظام الديمقراطي، لكن في نفس الوقت باشرت أجهزتها الأستخبارية عملها المتعدد الجوانب لتخريب كل ما يمكن تخريبه سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وهذا ما سنبينه لاحقاً.
لقد أصبح من المعروف وعلى لسان مسؤولين إيرانيين، بأن الاحتلال الأمريكي للعراق وإفغانستان لم يكن له أن يحدث بتلك السهولة لولا التواطؤ الإيراني. أما المعلومات التي تم تداولها، بُعيد سقوط النظام وتفكك أجهزة الدولة، والتي تقول بأن المرشد الأعلى علي خامئي أجتمع بمسؤولي أجهزته الأمنية ليقول لهم ( إذا أستطعتم أن تتركوا العراق مفككاً وبدون دولة لمدة عشرين سنة فعلوا .. ) فهي معلومات تؤكدها وقائع السنوات الأربع الماضية. أن وقائع التدخل الإيراني أصبحت أكثر من أن تحصى، حيث نشرت الصحف ووكالات الأنباء مئات الصفحات حول تفاصيلها، بدءاً بإدخال العملات المزورة والمخدرات والبضائع المزورة والتالفة، وليس انتهاءً بالتدخل في شؤون الأحزاب الإسلامية واستغلال ظروفها ومستجدات الاحتلال وضغوط الإرهاب المتصاعد، لربطها بالسياسة الإيرانية بطريقة يصعب انفكاك هذه الأحزاب من ربقتها وخططها الجهنمية بقصد الهيمنة على منطقتي الفرات الأوسط والجنوب، حيث غالبية السكان من العرب المسلمين الشيعة.
أن التدخل يعني تورط دولة في شؤون دولة أخرى، وهذا بما ينطوي عليه من عواقب ومضاعفات، لا يمكن أن يحدث اعتباطاً، بل أن هناك أهدافاً محددةً وراء كل ذلك، فما هي أهداف إيران في العراق وما هي خلفياتها ؟! نستطيع أن نحدد هنا هدفين رئيسيين. أولاً : تفكيك مرجعية المسلمين الشيعة في النجف الأشرف وتهميشها لمصلحة المرجعية الإيرانية. ولكن لماذا تتحمل الدولة الإيرانية عواقب التدخل من أجل مؤسسة دينية لا جيوش لديها ولا أجهزة ؟! السبب يعود إلى طبيعة الدولة الثيوقراطية في إيران، وإلى نظرية (ولاية الفقيه) تحديداً. فإذا كانت هذه النظرية هي التي تحكم الدولة الإيرانية وتحدد توجهات النظام السياسي، فهي أي نظرية ولاية الفقيه، غير معترف بها بالنسبة للمرجعية العراقية التي تؤمن ب ( ولاية الأمة ) والتي تضع بينها وبين الدولة، سياسياً وإدارياً، مسافة واضحة لا يمكن تصغيرها أو تكبيرها على ضوء مصالح شخصية أو اجتهادات خاصة، لدرجة منع معها المرجع الأعلى لعموم المسلمين الشيعة في العالم السيد أية الله العظمى علي السيستاني رجال الدين في العراق من تحمل أية مسؤوليات إدارية أو سياسية إذا أرادوا أن يحتفظوا بموقعهم كرجال دين. أن هذا المبدأ والموقف الحكيم الذي جنب العراقيين المزيد من الإلتباسات والمشاكل الجدية وفي مقدمتها منع ( تسيس المؤسسة الدينية )، هو، أي السيد ومواقفه، في إيران يعتبر مصدر عرقلة جدية لاستمرار وصدقية الحكم الثيوقراطي المتمثلة بموقع الولي الفقيه، أي (المرجع الأعلى للمسلمين الشيعة) المفترض ومؤسسته المهيمنة على أمور الدين والدولة في إيران. أي أن مبدأ (ولاية الأمة) يشكل بالتالي عائقاً جدياً يحول دون تعميم النظرية الإيرانية وأهدافها السياسية عبر استغلال مظلومية المسلمين الشيعة في بعض الدول الإسلامية.
وهذه العرقلة ليست هينة ولا قليلة، لأن المرجعية العراقية يمتد عمرها لما يقارب الألف عام، أي أنها المرجعية التاريخية المعروفة بعراقتها الدينية وكثرة مقلديها في مختلف البلدان التي يتواجد فيها المسلمون الشيعة بما في ذلك إيران نفسها. ولو لم تكن المرجعية العراقية موجودة ومؤثرة لتم تعميم النظرية الإيرانية بسهولة أكبر وبمردودات سياسية أوسع لمصلحة مشاريع الهيمنة الإيرانية. لذلك فإن المطلوب إيرانياً هو تفكيك وأضعاف المرجعية العراقية. وإذا كان أسلوب تسريب رجال دين مسيسين، إلى حوزة النجف والتأثير على المرجعية من خلالهم قد فشل تقريباً، لأن الهيمنة الإيرانية مرفوضة أساساً عند المسلمين الشيعة العراقيين، فإن هؤلاء بقوا يعملون في الظل مؤثرين على توجهات الأحزاب الإسلامية بشكل مباشر وغير مباشر. أن هذا الصراع بين المرجعيتين سيتخذ طابعاً تاريخياً بمرور الزمن، أي إنه ينبغي أن يُحسم في النهاية لمصلحة أحدهما كي تتخذ الأمور صيغتها المستقرة داخل طائفة المسلمين الشيعة، أو ربما استمر باستمرار وجود النظام الثيوقراطي في إيران. لذلك أوكل خامنئي هذه المهمة غير النبيلة لأجهزته الأمنية والمخابراتية الضاربة، ولذلك تعتقد قطاعات واسعة من الرأي العام العراقي بأن هذه الأجهزة هي التي أغتالت المرحوم السيد باقر الحكيم بسبب أصراره على أرجحية مرجعية النجف منذ وصوله العراق، وترديده المستمر في خطبه ( نعم، نعم للمرجعية ) التي كانت تجد تأييداً حاسماً لدى العراقيين. أو أن الجهة التي أغتالت الحكيم إنما خدمت المصلحة الإيرانية عملياً.
إن الاحتلال الأمريكي وسقوط ديكتاتورية صدام، قد وفرا الفرصة للأجهزة الإيرانية لاستغلال حاجة الأحزاب الإسلامية الشيعية للدعم المادي والتبريرات السياسية، فكانت فرصة إيران الكبيرة، خاصة وأن هذه الأحزاب لم تجد من يساندها ولا حتى من يستمع إليها في البلدان العربية، لذلك دفعها شعورها بالحيف والغربة في محيطها العربي إلى قبول الأختراق الإيراني الذي استغل هذه العواطف المجروحة بكل ما يستطيع. وهذا هو الهدف الثاني، أي اختراق الأحزاب الإسلامية الشيعية، والغاية ليست دعمها وتقوية موقعها في المعادلة العراقية كما يظن البعض، بل اختراقها والسيطرة عليها من الداخل وجعلها تعمل الواحد ضد الآخر، كي تسهل الهيمنة عليها واحداً واحداً – وهنا يكمن الغباء السياسي لهذه الأحزاب الذي لا مثيل له - ثم دفعها جميعاً لا للدفاع عن العراقيين في وجه الإرهاب بل للسيطرة عليهم ومحاربة القوى الوطنية الأخرى خصوصاً في منطقتي الفرات الأوسط والجنوب، أي المنطقة الممتدة من البصرة إلى بغداد، حيث الكتلة السكانية العربية الأكبر والثروات الطبيعية والقوة السياسية الأهم في عموم العراق، ومن هنا تأتي قدرة إيران في التحكم بالمعادلة العراقية ومحاولة فرض أو تمرير شروطها السياسية على الأمريكان في عموم المعادلة السياسية الإقليمية وليس فيما يخص الملف النووي فقط.
وأخيراً : أين يتجسد حرص حكام طهران المزعوم على سكان الفرات الأوسط والجنوب كما يتصور البعض ؟!
أن من يعتقد بأن التدخل الإيراني يخدم مصالح المسلمين الشيعة، إنما يدير الماء في طاحونة الأجهزة الإيرانية التي دأبت على ترويج هذه الذريعة الزائفة داخل العراق، والتي سيذهب ضحيتها أهل هذه المنطقة قبل سواهم. ولو كان الإيرانيون صادقين لكان أول ما فعلوه هو أن يجمعوا الإحزاب الإسلامية ويطرحوا عليها أسئلة من قبيل : على ماذا أنتم مختلفون ؟! ولماذا كل هذه الإنشقاقات بينكم ؟! وعلى أية سلطة تتصارعون وبلدكم محتل والأجهزة الدولية والاقليمية والإرهابية تعيث به فساداً ؟! ولكن ولأن الأجهزة الإيرانية جزءٌ من أسباب هذا الخراب، فهي تعمل على استمرار الاضطرابات داخل محافظات الفرات الأوسط والجنوب لتكريس الظروف الملائمة لاستمرار تواجدها، ولضعضعة وتهميش تلك الأحزاب ضمناً، والتي ستجد بعد فوات الأوان بأن أخطر أعدائها هي أجهزة خامنئي، وأن استمرار التدخل الإيراني سيزيد من عزلتها السياسية داخل هذه المحافظات، ولات ساعة مندم !!
الخطورة عندنا تكمن في إشاعة مفاهيم سياسية مغرضة يتقبلها البعض بسهولة !! تبرر التدخل الإيراني بأريحية غريبة حقاً !! وهنا سنكون أمام سذاجة سياسية خطيرة عند بعض العراقيين الذين يرددون، دون تأمل وتدقيق، المقولة التي روجتها الأجهزة الإيرانية وهي ( أن ما تفعله إيران في العراق يدخل ضمن منطق السياسة، والسياسة مصالح، وإيران تمتلك أطول حدود مع العراق 1200 كم، وهذا يعني أن لها مصالح سياسية واقتصادية في العراق ومن حقها أن تدافع عنها ) !! وهذا كلام حق يراد به باطل، فالمصالح الدولية يجب أن تكون مشروعة. فهل تخريب الحياة العراقية والهيمنة على الأحزاب الإسلامية ودفعها كي يضرب بعضها البعض الآخر بقصد أضعافها جميعا والهيمنة عليها، يدخل ضمن باب المصالح المشروعة ؟! وإذا كانت الأحزاب المتطرفة التي صنعتها أجهزة خامنئي في البصرة، لترويج الأصولية المتخلفة وأغتيال الوطنيين الأسلاميين واليساريين والديمقراطيين وتوتير الأجواء الطائفية بين الشيعة والسنة وترويع المسيحيين والصابئة وتشجيع عصابات الاختطاف والمخدرات، إذا كانت هذه الأعمال تخدم مصالح الولي الفقيه فهل هي تخدم مصالح العراقيين حقاً ؟!
أن كل هذا يقودنا إلى التساؤل عن صدقية مقولة (جمهورية إيران الإسلامية) فهل هي إسلامية حقاً ؟! أي هل الإسلام يسمح بكل ما فعلته وتفعله أجهزة خامنئي بالعراقيين، أي ببلد مسلم عانى الديكتاتورية أربعين عاماً وهو أسير الاحتلال الآن ؟! هل ما تفعله هذه الأجهزة ينتمي للإسلام في شيء ؟!
أن الأسئلة كثيرة وكثيرة جداً، لكن الحق كله والملامة كلها تقع على عاتق السياسيين العراقيين عموماً، الذين أوغلوا بالإنشقاقات بينما مصير بلدهم تعصف به الرياح !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -