الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ضوء تقرير المعهد الملكي البريطاني

موفق الرفاعي
كاتب وصحفي

(Mowaaffaq Alrefaei)

2007 / 5 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


من يأكل الحصرم ومن يُضرِّس...!
تقرير (المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية - تشاثمان هاوس) الذي نشر الخميس الماضي لم يأت بجديد، في الأقل بالنسبة لنا نحن العراقيين الذين وحتى قبل أن تبدأ عملية احتلال العراق كنا نتوقع ما يجري اليوم بكل تفاصيله استنادا إلى قراءة موضوعية واعية لخارطة القوى السياسية التي كانت في الخارج وارتهاناتها أو ارتباطاتها الدولية والإقليمية، وأيضا لمستوى وعي الشارع العراقي الذي شكلته متاولية الحروب العبثية وخيوط ارتباطاته بتلك القوى عبر وسائط غير مرئية إلا من خلال معرفة عميقة وغير حسية بالوجدان الشعبي العراقي المتورط في الكثير من المسلمات الأيديولوجية.
منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي ونحن نقرأ عن مخططات أعدها عن المنطقة مجلس الأمن القومي الأميركي على شكل مقترحات عبر تقارير رئيسه الشهير بريجنسكي وبعدها في التسعينيات من نفس القرن شرعت الإدارة الأميركية في ما أطلق عليها بحرب الخليج الثانية وما تبعها من عمليات عسكرية ولوجستية وما صاحبها من حملات إعلامية محمومة لتغيير ملامح العقل العراقي واستدراجه إلى مناطق الانحياز الضيقة.
تلك المخططات سيئة الصيت عن تقسيم العراق وإقامة الكانتونات الطائفية قومية ومذهبية وربما حتى دينية تمهيدا لتفتيت المنطقة بالكامل لتسهل السيطرة عليها واستلاب ثرواتها لصالح الامبريالية العالمية ولضمان وجود وأمن إسرائيل هذا الجسم الغريب والمرفوض حيويا وسط مجال جغرافي وسكاني متجانس قوميا ودينيا وبنى عقلية.
لقد دفعت الإدارات الأميركية المتعاقبة إلى تشجيع اليمين الديني قبل أن ينقلب عليها عبر دعمها للتيار الاسلاموي عموما وللحركات الاسلاموية الراديكالية على وجه الخصوص من اجل محاربة اليسار في البلاد العربية ضمن حملة عالمية شاملة وقد أسست وشجعت ودعمت الكثير من التنظيمات المسلحة من اجل ليس فقط الوقوف في وجه اليسار العربي بل والدخول معه في مواجهة غير متكافئة حشدت لها كل وسائل الدعم المتاحة غير المحدودة من تسليحية ولوجستية ومالية وفكرية وإعلامية.
استنادا إلى هذا التاريخ المعروف والمعلن عن العلاقة ما بين أجهزة الإدارات الأمريكية والقوى الراديكالية الاسلاموية يسهل القول بثقة انه من غير الممكن منطقيا أن يضحي اليمين الأمريكي بتلك القوى التي صنعها وهيئها للقيام بدور في مخطط لم تكتمل جميع فصوله بعد ولهذا نرى أن القوات الأمريكية تحاول ضرب الأجنحة المتطرفة والأصولية فيه طالما تضررت منها فيما تغض الطرف عن أجنحة أخرى في هذا التيار لا تضر بمصالحها بالرغم من أنها بالنسبة لبلدانها وشعوبها تشكل عائقا حقيقيا أمام تطورها وتقدمها في اتجاه الديموقراطية التي تبشر فيها الإدارة الأمريكية.
ربما هذا ما يفسر عدم الجدية في حسم الأمور في العراق من قبل الإدارة الأمريكية في صراعها مع القوى المعارضة والرافضة رغم ما يتعرض له العراق من كوارث من قبل هذا التيار سواء في استهدافه الأبرياء او في صراعاته الداخلية بين أجنحته المتعارضة.
لقد جاء تقرير المعهد الملكي البريطاني متأخرا جدا فقد سبقه وعي المحلل السياسي العراقي حين استشرف نتائج العملية الجراحية الأمريكية التي استأصلت بها النظام الصدامي دون قراءة شمولية لواقع المنطقة والقوى المتحكمة في إدارة الأزمات فيها وتضارب المصالح والتوجهات والإيديولوجيات.
وقد نعجب أحيانا أنهم لا يكتشفون الحقائق الا متأخرين ونتساءل ان كان هذا حقيقيا ام انه خطوة في اتجاه المخطط المرسوم والمراد تنفيذه؟
وعذرا ان عدنا مرة ثانية لنظرية المؤامرة نجد فيها ما يفسر لنا تلك الأحاجي غير المنطقية ابدا.
نعود الى تقرير المعهد الملكي البريطاني لنعثر على (كشف!) جديد لكنه متأخر أيضا بالنسبة لما كان يتوقعه العراقيون حيث يذكر التقرير:" ان العراق الذي يشهد عدة حروب أهلية متوازية مهدد بالانهيار والتفتت" و"لا توجد حرب أهلية او حركة تمرد ولكن عدة حروب أهلية وحركات تمرد بين مختلف طوائف عراق اليوم".وأضاف ان "التقاتل الطائفي والعرقي والصراع على السلطة يهدد وجود الدولة في شكلها الحالي".وخلص في تقريره الى ان "العراق مهدد بالانهيار والتفتت"
إذن فقد فلت الزمام من يد القوة الأعظم في هذا العالم ولم يعد بإمكانها ضبط الأزمة أو حتى إدارتها وهي الآن أي الأزمة بلغت حدودا فاقت أسوء التوقعات وتجاوزتها باتجاه الكارثة.
الدكتور غاريث ستانسفيلد ذكر أيضا في التقرير:" أن الحكومة العراقية هي جهة واحدة وسط أطراف أخرى تمتلك سلطة دول ولن تتمكن مطلقا من تنظيم الحياة السياسية والاقتصادية في العراق" وهذا التبشير باليأس من إمكانية تحسن الأوضاع هو حتما يصب في اتجاه ما يشاع عن التحضير لتشكيل حكومة وحدة وطنية تأخذ بالاعتبار الظروف الحالية وإمكانات تأجيل تطبيق الديموقراطية باعتبارها مشروعا سياسيا واجتماعيا بديلا للنظام القوموي العربي المنهار، وربما استعين بقيادات مجربة من ذلك التيار ولها خبرة عريقة في إدارة مثل هذه الأزمات إلى حين استقرار الأوضاع وخلق توازنات جديدة وفق منظور وطني ينقذ المنطقة من الغرق في مستنقع الحروب الطائفية المتوازية - حسب (الدكتور غاريث)- والمشروع الاستراتيجي الأمريكي من الفشل والإدارة الأمريكية من الورطة التي وجدت نفسها متورطة فيها دون اختيار منها والتي ساعد عليها الأصدقاء قبل الأعداء حين بادروا إلى قطف ثمار ما زرعته تلك الإدارة قبل نضجها لتقطع الطريق أمام القوى الديموقراطية ان تعود الى الشارع العراقي مرة أخرى مستفيدة من أجواء الحرية التي وفرتها ظروف إسقاط النظام الصدامي.
كأني بالإدارة الأمريكية الآن وهي تنظر من بعيد إلى قوى ساعدتها كثيرا وهيأت لها الأسباب تجني بسرعة نتائج تلك المساعدة فيما هي تلعق جراحها عاجزة عن الفعل فالضغوطات تحيط بها في الداخل الأمريكي وما يجري في العراق وفي المنطقة من توسع رقعة الميدان الذي أرادت له ان يكون محصورا في العراق في مواجهتها الإرهاب الدولي فإذا به يصبح العالم كله.
التقرير يشير أيضا الى ما توقعناه وحذرنا منه في هذه الزاوية وفي العدد 356 عند بدء خطة فرض القانون وخطة إعادة انتشار القوات الأمنية فأشار التقرير إلى ان أنشطة القاعدة تتنامى رغم تعزيز الانتشار العسكري الاميركي في بغداد.وقال "حتى اذا كان عدد القتلى المدنيين يسجل انخفاضا في بغداد منذ تعزيز هذا الانتشار فان استمرار أنشطة القاعدة والمجموعات الأخرى أدى الى ارتفاع عدد القتلى في باقي أنحاء العراق".
كما وشدد التقرير على ان "الدول المجاورة للعراق أكثر قدرة على التأثير على الوضع الميداني من بريطانيا او الولايات المتحدة".
نسجل للعراقيين أنهم سبقوا معاهد أبحاث عريقة مثل المعهد الملكي البريطاني هذا في قراءتهم لواقع ما جرى قبل ان يحصل وقد كانت قراءتهم استشرافا استند على معرفة عميقة بخارطة القوى السياسية العراقية والإقليمية وعلى معرفة دقيقة للعقلية العراقية وأنماط تفكيرها وانتماءاتها الأيديولوجية فيما اكتفت معاهد الأبحاث الأمريكية والغربية واسعة الشهرة واللجان التي شكلت لهذا الغرض مثل لجنة بيكر – هاملتون بوصف ما جرى كما يصفه أي مراسل صحفي في وكالة أنباء.
هل نحن أمام مساجلة تبسيطية مع هؤلاء الذي يدعون ويدعي الكثيرون منا أنهم يخططون بدقة لكل شيء ويعلمون كل شيء؟ فيما نحن.....!!
فهل بقي شيء يقال بعد هذا؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: الرئيس يجري تعديلا وزاريا مفاجئا ويقيل وزيري الداخلية


.. ما إجمالي حجم خسائر إسرائيل منذ بداية الحرب على قطاع غزة؟




.. بعد فشله بتحرير المحتجزين.. هل يصر نتيناهو على استمرار الحرب


.. وائل الدحدوح من منتدى الجزيرة: إسرائيل ليست واحة للديمقراطية




.. وول ستريت جورنال: أسبوع مليء بالضربات تلقتها مكانة إسرائيل ا