الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سؤر البنات والجواهري

رحاب حسين الصائغ

2007 / 5 / 26
الادب والفن



يتصدر الشاعر محمد مهدي الجواهري قصيدته " بنت بيروت"* بالغزل وفتنة الجسد إبداع في اللغة استئثار بالجمال، نعومة في الوصف.
وعدم نتاقض. ولا تعارض في لمس وممارسة العشق الثقافي عند الجواهري، قصيدته تحمل الإطار المتنوع، في الفكر العربي، يسبق المعنى ويحاور الذات. ففي بداية القصيدة يقول:
يا عذبة الروح يافاتنة الجسد يا بنت "بيروت" يا أنشودة البلد
كأنه صارخاً لبيروت وبناتها لما لهن من جمال غير جمال بنات العالم جميعاً. يعود مؤكداً رونقها الآخذ في الكمال وما تملك من خاصية تتفرد بها:
يا غيمة الشعر ملتاثاً على القمر يا بسمة الثغر مفتراً عن النضد
ومن لم يشاهد بيروت ينظرها من خلال وصفه للعينين الصافية ألتي تضاهي زرقة البحر وعمقه ووعورة الجبل وخباياه التي لا يعرفها إلاّ من خبر خبايا الجسد الانثوي الطري الغارق بالعذوبة حيث يقول:
يا روعة البحرفي العينين صافية يا نشوة الجبل الملتف العضد
وهل يعقل أن تكون المقارنة إلاّ بين رقة الجمال الروحي الغني بالبراءة النقية مثل قطرات الندى إذ يتغنى بهذه الرقة:
يا قطرة من نطاف الفجر ساقطها من" أرز " لبنان خفاق الظلال ندي
ويعود ليجلو تلك المخلوقة التي أبدع الخالق في نقاء روحها وصفاء جمالها وكأنه يقسم على صدق نواياه وتعبيره في وصفها بقول:
يا بنية الله في عليا مظاهره آمنت بالله لم يولد ولم يلد
حيرته تبعثه إلى نشوى التطلع إلى لأكثر من مرتكز والجيد في مرمى النظر:
يا تلعة الجيد نصته فما وقعت على عيني مثله يزدان بالجيد

يسمو حافظاً الذوق ويفيض كأي عاشق حين يطمح إلى إظهار الوجد لمحبوبته قائلاً:
يطل منها بوجه أي محتمل ويستريح بصدر أي معتقد
ياجوهرة اللطف يا معنى يضيق به لفظ فيقذفه الشدقان كالزبد
أعيذ وجهك أن أشقى برقته وفيض حسنك أن يعيا بري صدي
ومادام الذوق سبيله الى التفاعل مع الجمال لا بد من لذة مرتبطة بصياغاته الوصفية عبر عالمه المتعلق بالنصف الآخر من نفسه اذ يرحل ساهماً:
ولا يليق بأجفان أنشرها على جمالك أن تطوى على السهد
يد مسحت بها عيني لأغمضها على الهوى الأخرى على كبدي
يتحدى أي استرحام ممجداً أغوار تلك المخيلة والمشاعر عنده مقيدة بحقيقة معقدة في بنائه للصورة انه يتعامل بوقار مع كلمات يقذفها خارج بيروت وداخله المكتشف لذلك الجمال المحير:
وردت عن ظمأ ماءً نصبت به فليت إني لم أظمأ ولم أرد
قال الرفاق ونار الحب آكلة من وجنتي أهذا وجه متبرد
ويقف مشدوهاً أمام إرادتين زخرفهما الجمال ولا يدري بأيهما يتشبث، كأنه ملتف حول فكره خيط الابداع وخيط الشعر هو يبحث عن نفسه بينهما أم هما يحدانه بتأسر فيقول:
لم أدر أذكر" بيروتاً" بأيكما أ أنت أم لوعتي يا ليلة أحد
عج الرصيف بأسراب المها وهفا قلبي بزفرة قناص ولم يصد
فمن موافية وعداً، وراقبه وعداً، وأين التي وفت ولم تعد
بقيادة الحدس وحدس الشاعر أعقبه التألق، إلاّ مكاشفة التردد لحظة إسقاط حدسه حولها:
فوق صدرك من رفق الشباب به أشهى وأعنف ما يعطي لمتنهد
كنزان من متسع الدنيا يقلهما جم الندى سرى في زي مقتصد


قالوا يتشاغل عن أهل وعن ولد فقال نهداك: لم يشغله من أحد
سوى رضيعي لبان توأم حباً رهن الغلالة أسغاقاً من الحسد
أزاح الالتباس وخرج يعتمر مغامراته المعلنة في حبه للإثنان من خلال احتباس حنين الفؤاد واستقل المجهول واستهل من شذاها وسكب على روحه نشوى اللحظات المعاشة برفق مستحوذاً على الاندماج بين الاثنان بيروت و بيروت وفي مقطعه الأخير يقول:
راجعت نفسي بما أبقى الشباب لها وما تخلف من أسئاره بيدي
فما أمر ولا أقسى ما خرجت به لولا بقية قلب في متقد
أمسي مضى بلبانات الهوى واحتسى يومي يمهد بادي بدء لغدي
الجواهري حين يفتقد الوطن يرجع به الحنين الى دروب الطفولة وما تعد من يأس في جرس العودة. ولكن محمد مهدي الجواهري لا تكتبه المسافات فبعلاقاته الآدمية يسعى للخلاص من الضجر ويترنم بالجمال المسكوب في حوض شبابه والأيام الأولى في بيئةٍ صنعت منه شاعراً وصقلت دواخله المثابرة إلى العلا دون ركود في حضيض المكان الصعب. والإنسان دائماً تواق إلى الأوسع.
والجواهري بطبعه تواق للمشاركة والبحث ونجده لا يئن من الغربة بل يئن من المأساة فيرحل أو يرفرف على الأغصان أو على وردة في حديقة ويغادر متوهجاً لا تعرف إليه الكآبة طريق. ويظل عائداً إلى موطنه وأرضه محلقاً بكل فضاءات الجمال محاولاً قتل الخمول وقرع أجراس السلام في صورتين المرأة والوطن؛ هما طبق الأصل عنده.





• ديوان الجواهري/ الجزء الثالث-ص 47/ مطبعة الاديب البغدادية/الذي طبع عام1974/ الجمهورية العراقية- وزارة الاعلام- مديرية الثقافة العامة/ ديوان الشعر العربيالحديث.جمعه وحققه وأشرف على طبعه:
1- د. ابراهيم السامرائي
2- د.مهدي المخزومي
3- د.على جواد الطاهر
4- رشيد بكتاش









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم الحلقة كاملة | حملة هاريس: انتخبونا ولو في السر و فن


.. -أركسترا مزيكا-: احتفاء متجدد بالموسيقى العربية في أوروبا… •




.. هيفاء حسين لـ «الأيام»: فخورة بالتطور الكبير في مهرجان البحر


.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت - الشاعر حسن أبو عتمان | ا




.. الرئيس السيسي يشاهد فيلم قصير خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى