الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة لا تحترم القانون

أحمد شهاب
باحث كويتي في شؤون التنمية السياسية .

(Ahmad Shehab)

2003 / 9 / 7
حقوق الانسان


 

    أعد المركز البريطاني Article 19 ( أُقتبس اسمه من المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ) وثيقة بعنوان " حق الجمهور بالمعرفة " جاء في جزء منها المبادئ التالية : وجوب الكشف المطلق للمعلومات ، ترويج سياسة حكومة الانفتاح ، تحديد نطاق الاستثناءات ، اعتماد إجراءات تسهل الوصول إلى المعلومات ، تحديد تكاليف مقبولة للوصول إليها ، فتح اجتماعات الهيئات الحكومية للجمهور ، تعديل القوانين التي تتعارض مع مبدأ الكشف الكامل أو إلغاؤها ، حماية المخبر ( الإعلامي ) .

 

    وتتضمن الدساتير العربية نصوصا تكفل حرية التعبير عن الرأي ، فالدستور الكويتي تضمن نصا واضحا ( المادة 36 ) يكفل حرية الرأي والتعبير عنه ، وتنص  ( المادة 30 ) من دستور الإمارات العربية على ( حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون ) ، ويتفق مع ذلك الدستور السوري ( مادة 38 ) واللبناني ( مادة 13 ) والأردني ( مادة 15 )  ، والمغربي ( مادة 9/2 ) ، والبحريني ( مادة 23 ) ، والتونسي ( مادة 8 )  وتكاد تتشابه بقية الدساتير العربية في ذلك ، إلا أن القدرة على التعبير والتي تُعد أحد الشواغل السياسية والفكرية في العالم العربي ، تصطدم بحرية الحصول على المعلومة التي بينتها وثيقة المركز البريطاني (  Article 19  ) .

 

    إذ لا تزال السرية تغلف معظم المعلومات في العالم العربي ، والتي تحاط بتكتم شديد لا سيما تلك المرتبطة بممارسات وأحداث داخل الدولة ، فما هو متاح لك معرفته عن العالم ، لا يجوز لك الاقتراب منه في وطنك الأم ، فهو يُعتبر من شؤون الخاصة وليس العامة ، هذا التحول في شؤون السلطة من الشأن العام إلى الشأن الخاص يثير الكثير من السلبيات في الحياة العربية ، إن لم أقل أنه سبب رئيسي من أسباب التخلف المدوي الذي تعيشه مجتمعاتنا في كل لحظاتها الراهنة .

 

    نمتلك في العالم العربي مئات الصحف ، ورغم ذلك لا يجد القارئ فيها ما يجب معرفته كمواطن ، ويضطر هو وغيره للبحث المضني عن معلومات بلده في صحف ووسائل إعلامية غربية يراها نموذج الحقيقة المفقودة في بلده ، والطريف أن هذه المعضلة لا تختص بالمواطن البسيط أو ما يُصطلح عليهم بالعوام ، بل تشمل حتى مسؤولين كبار في الدولة وعلى درجة عالية من الأهمية  الذين يُضطرون هم أيضا للبحث عن المعلومة في الصحافة الأجنبية ، إذ أن قصاصات الأوراق التي تقدم لهم في الصباح الباكر على شكل تقرير يومي لا تُقدم لهم ربع المعلومات التي يجب أن يعرفها العوام فضلا عن المسؤولين ، وهذا بالضبط  سبب علة فشل الحكومات في دولنا ، فغياب المعلومة من مصادرها الأساسية ، يضع المسؤولين في موقف الحائر ، أو قل التائه الذي لا يعرف حقيقة ما يجري حوله .

    فالدولة تخاف من كشف الأسرار للعامة ، وبعض الوزراء يتواصلون بإستمرار مع الناس أو مع جزء منهم ، بما يضاعف من خطر انتشار المعلومة في المجتمع من وجهة نظر دولتيه ، رغم أن اغلب هذه المعلومات هي حق مكفول من حقوق الناس القانونية ، ولا يجوز إخفائها بأي حال .

 

    والأكثر من ذلك أن الدولة تكافح أي منفذ لتسريب المعلومات ، فدول الخليج وسائر الدول العربية تمنع إصدار جرائد سياسية ، وتحصر هذا الحق في مجموعة محددة تحاول جاهدة أن تحكم قبضتها عليها ، كما تتحكم الدولة ببقية وسائل الإعلام كالإذاعة والتلفزيون ، وتعتبر هذه الأجهزة أجهزة رسمية تعكس سياسات الدولة وتوجهاتها ، ولذلك من الطبيعي أن تكون أولوياتنا لا تتجاوز حدود الانشغال في الأمور الهامشية ( أيهما يعرض حال الأذان صور مساجد الكويت أم الحرمين ؟؟ على سبيل المثال ) ، بينما يتم إخفاء الكثير من المعلومات المتصلة بسياسات الدولة الداخلية دون أدنى شعور بالمسؤولية ، وفي عدد من الدول العربية تتضاعف الرقابة على مواقع الإنترنت السياسية التي تحمل سمة الرأي الآخر / الناقد ، وتتم ملاحقة المواقع الجديدة لإغلاقها قبل أن يستثمرها الجمهور .

 

    إن هذا النوع من التكتم يدفع في إتجاه تغييب المجتمع وتعطيله عن ممارسة دوره المأمول ، فكيف سيقوم أي مواطن بدعم الدولة أو توجهاتها العامة وهو لا يعرف أساسا ما هي توجهات الدولة ؟  مطلوب من المواطن أن يكون متعاونا وأن يُجند نفسه في خدمة وطنه ، دون أن تبذل الدولة أي جهد في تسليح هذا الجندي بما يلزمه من معلومات أساسية ، تريد الدولة العربية جنديا يقوم بكل واجباته دون حتى أن يعرف ما هي تلك الواجبات . 

 

    إن الإصرار على حجب المعلومات سوف يزيد من حدة العزلة بين الدولة والمجتمع ، و سيكون من الصعب في الأيام القادمة خلق الثقة التي تحتاجها الدول لديمومة الإستقرار لا سيما في أوقات تفجر الأزمات وما أكثرها في الزمن الأمريكي .


 

*  كاتب كويتي

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكومة البريطانية تلاحق طالبي اللجوء لترحيلهم إلى رواندا


.. هل كانت المثلية موجودة في الثقافات العربية؟ | ببساطة مع 3




.. Saudi Arabia’s authorities must immediately and unconditiona


.. اعتقال 300 شخص في جامعة كولومبيا الأمريكية من المؤيدين للفلس




.. ماذا أضافت زيارة بلينكن السابعة لإسرائيل لصفقة التبادل وملف