الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صديقي عدنان الشكري (إرهابي) .. هنيئاً للإرهاب

علاء الدين شاموق

2003 / 9 / 8
الارهاب, الحرب والسلام


 

أذكره جيداً هذا الرجل الوضاء، عفواً لم يكن رجلاً في ذاك الزمان، كنا صبياناً أو إن شئنا الدقة مراهقين، وكان عدنان صديقاً جميلاً يلوح سنا برق ذكراه في خبايا دهاليز مظلمة من الذاكرة. تصادقنا لمدة تقارب الستة أشهر متقطعة، فقد عرفته بإحدى الأجازات في معسكر صيفي، واستمرت صداقتنا لمدة ثلاثة أشهر، ثم غبنا وافترقنا عن بعضنا البعض قرابة التسعة أشهر لنلتقي بعدها بذات المعسكر ولكن في دورة جديدة مدتها أيضاً ثلاثة أشهر، وبذا أكملنا أشهراً ستة ثم تفرقنا الفراق الأبدي، أو كما يقال (أيدي سبأ).

 

لم أرى عدنان مرة أخرى منذ العام 1993، وتشاء الأقدار أن أراه بصورة غريبة، تخيل أن تفقد صديقاً لمدة عشر سنوات، ثم تجد صورته مطلوباً (للعدالة)، على الصفحات الأولى للصحف المحلية والعالمية، هل يمكن أن يتخيل شخصٌ ما هول المفاجأة، كانت فعلاً كارثة معنوية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ومادت بي الأرض لعدة دقائق وأنا أنظر إلى صورة ذاك الصديق، باستثناء اللحية الخفيفة التي نبتت على عارضيه، فإنه لازال كما هو بذات الابتسامة الجميلة التي كانت تميزه عنا.

 

كنت اعلم أن عدنان يحمل الجواز الأمريكي، وأن والده من أصول أفرو-آسيوية، وأنهم أتوا إلى المدينة المنورة بصورة مهاجرين دينيين، إن صح هذا التعبير هذه الأيام، ما لم اعلمه بعدها أنه صار طياراً وأنه انضم إلى منظمة القاعدة، هذا ما علمته من الصحف، قالوا : تعلم الطيران في أميركا .. والإرهاب في أفغانستان، ولم أتوقع منهم غير مثل هذا التصريح .. نعم كان عدنان حنبلياً، أو حتى لا نظلمه نقول أنه كان (ديِّناً) بالفطرة، ديِّناً بمعنى أنه إن خيِّر بين الذهاب إلى مرقص أو خمارة وبين الذهاب إلى منزله فإنه سيختار المنزل لا شك، هذا هو مقدار تدينه الذي أذكره.

 

قارئ نهم، ولكنه لم يكن موسوعي القراءة، كانت قراءاته حصريةً بصورة خاصة في الاتجاه اليميني (حسن البنا، سيد قطب، السيد محمد بن عبد الوهاب، ....)، كان كثيراً ما يهديني كتباً وكتيبات علها تصلح من حالي، وكنت أعترض عليه بأنني لا أحتاج كتباً عن الفريضة الغائبة، وكرامات المجاهدين الأفغان، إلى آخره، ليس لأني أفضل روايات نجيب محفوظ عليها، ولا لعلمي بها، ولكن لأن هناك من هم أحوج بمثل هذه الكتب ولا يجدونها، لذا كنت أفضل ألا تهدر هذه الأموال على أمثالي من الأشخاص المسالمين.

 

ولكن حتى فراقنا الأخير، كان عدنان يتمنى الذهاب إلى أفغانستان، ولكنه لم يذهب، وكان يحب الجهاد ولكنه لم يجاهد، وكان كثير الشوق إلى الجنة، ولكنه أيضاً لم يذهب .. ببساطة كان إنساناً مشحوناً بجميع الشحنات الدينية المتوثبة التي تنتظر الإفراغ في أقرب مهبط، ولكنه رغم كل هذا كان إنساناً ودوداً غايةً في الود، لا أذكر أنه أتانا في يومٍ عابساً أو متجهماً، كان مثالاً للإنسان الخلوق المهذب اللطيف الذي تعب أهله في إخراجه بهذه الصورة.

 

لماذا صار عدنان (إرهابياً) ومسجلاً خطراً لدى الـ FBI ..

 

الفراغ والبطالة التي تواجه 99% من شباب العالم الإسلامي، لا أصدق أن طياراً يمكن أن يفكر مثل هذه الأفكار وهو رب أسرة أو مستقر بصورة ما، لا أتخيل أن يقوم طيار عمره خمسون سنة – مهماً كان مقدار تدينه – بتهديد السلم والأمن أو محاولة ارتكاب عمل تخريبي، جميع الشباب الذين يتحولون نحو العنف وسيلة للحياة هم من الشباب اليافعين الذين بلغ بهم التبرم والملل من الوضع الحاصل مبلغه، وهذا ناجم عن عدم الاستقرار الذي سببه الرئيس البطالة وقلة فرص العمل وعدم وجود ما يخسرونه بجميع الأحوال.

 

الإهمال والتمييز الذي يوجهه أبناء المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يولدون أمريكيين، ويموتون - من الحسرة – منبوذين، لا هم بالذين صاروا مواطنين ولا هم عادوا إلى أوطانهم مقبولين من المجتمع، وانطبقت عليهم قصة الغراب الذي حاول تعلم ...... إلى آخره، ورغم ما نسمعه عن المساواة وحقوق الإنسان والكذب الكثير حول هذه الأمور، إلا أن الحقيقة أن الإنسان الملون في أميركا سيظل ملوناً إلى يوم يبعثون، ومهماً تدرج في المناصب أو علا نجمه في سماوات المجتمع الأمريكي، فإن جميع البيض سيصفقون له في ضوء النهار، ويبصقون حين يسمعون اسمه في المساء.

 

نطاح الحضارات، وسياسة إقصاء المهزوم، والتغريب القسري الذي يفرض على أبناء الجالية الإسلامية في الولايات المتحدة، في حين أن جميع الجاليات الأخرى تحصل على فرصتها في إظهار تميزها وثقافتها دون خوف أو حرج، يظل المسلم خائفاً وخجلاً من إظهار ثقافته الإسلامية خوفاً من التنميط والتهم الجاهزة التي تلصق به، دونما سبب إلا حالة الإسلامو-فوبيا التي يعاني منها المجتمع الأمريكي بصورة خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، رغم عدم انتفاء هذه الحالة فيما قبل تلك الأحداث.

 

الكذب والنفاق الذي تعاني منه حكومات الدول الإسلامية، وركوب الدين مطية من قبل بعضها حتى يستنفذ الدين أغراضه فيلقى مثل سقط المتاع في المخزن، تماماً مثلما حدث في الحرب الأفغانية الروسية، حينما كانت حكومات المنطقة تهلل للمجاهدين الأفغان، وكراماتهم وجهادهم العظيم ضد الروس الكفرة الملاحدة، ثم حينما استنفذوا أغراضهم – أو حقيقة حينما استنفذ سيناريو الجهاد دوره – قلبوا لهم ظهر المجن وجعلوهم كالأيتام في موائد اللئام، وبدأت حفلات التعذيب والسجون المشرعة ورحلة التشرد والضياع التي يعاني منها رجال كل ذنبهم في هذه الحياة أنهم آمنوا بقضيتهم ونفروا خفافاً وثقالاً لنصرة دينهم وفكرهم الذي ارتضوه.

 

اللا حل، أو حالة انعدام الوزن التي تقود كثيراً من التائهين إلى خوض التجارب القاسية، كتجربة الإدمان أو الإجرام، وحينما يكون للإنسان وازع يمنعه تطبيق أنماط حياة معينة على نفسه فإنه تلقائياً سيتكيف ليصير إرهابياً بالمعنى الأمريكي للكلمة، ويمكن أن يتحول إلى مجرم وبائع مخدرات في الطرقات، ولكن مثل هذه الحياة لا أظنها تستهوي أمثال صديقي عدنان الذي نشأ في بيئة محافظة، وربما لو تم تخييره قبل عشر سنوات : ماذا تريد أن تصبح في المستقبل ؟ لاختار حتماً أن لا يكون تاجر مخدرات.

 

هذا هو عدنان وهذا هو العام سام، فمن الظالم ومن المظلوم .. تريد الولايات المتحدة من عدنان، أن يجلس في بيته مع إخوته البنات عاطلاً عن العمل، وتريده أن يحصل على رخصة طيران مدني، دون أن تتكرم بالسماح له بأكثر من تنظيف مراحيض الطائرات، وتريده أن يصبح شخصاً دوناً، ويؤمن بالتفوق العرقي للجنس الآري بكل بساطة وأن لا يحتج بأي صورة من الصور و إلا صار في القائمة السوداء لأخطر المطلوبين، تريده أيضاً ألا يصلي خمسة صلوات في المسجد وألا تنمو لحيته أكثر من النمو (الطبيعي) لها، وأن لا يلبس ثوباً أو عمامة، تريده كذلك أن يكون شاكراً لها أنها لم تسجنه على ذهابه لأفغانستان – التي شجعته من قبل على الذهاب إليها – وتريده أن يبدل فكره – الذي أيضاً شجعته هي الأخرى عليه – كما تبدل الحية الرقطاء جلدها، وتريد منه إن أحس بالفراغ أن يتحول إلى مدمن أو تاجر هروين على أسوأ الفروض.

 

كل هذه الأشياء تريدها الولايات المتحدة من عدنان، وأسهل شيء أن يرفض ليتهم بأنه إرهابي ومحور شر جديد، صديقي عدنان الشكري : لا تحزن إن الله معك، وهنيئاً للإرهاب أمثالك، ولو رأيتك بأم عيني تقود طائرة صوب البيت الأبيض فلن أفعل شيئاً سوى أن أغمض عيناي وأقول بيني وبين نفسي : ليس هو .. ليست هذه طائرة .. ولا ذاك هو البيت الأبيض.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العراق: السجن 15 عاما للمثليين والمتحولين جنسيا بموجب قانون


.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. هل تنهي مفاوضات تل أبيب ما عجزت




.. رئيس إقليم كردستان يصل بغداد لبحث ملفات عدة شائكة مع الحكومة


.. ما أبرز المشكلات التي يعاني منها المواطنون في شمال قطاع غزة؟




.. كيف تحولت الضربات في البحر الأحمر لأزمة وضغط على التجارة بال