الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفاهيم بالية لن تتقدموا قبل كنسها

علاء الزيدي

2007 / 5 / 26
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


" خاف ماطاح الصنم " !
بهذه العبارة المنظومة ، يعبّر شاعر قناة الفيحاء المبدع عن مخاوفه ، من أن لايكون النظام المنهار قد انهار فعلا ً . فصحيح أن صدام قد اختبأ في الجحر ( ثم اصطيد وحوكم وقـُبـِرَ فيما بعد ) لكن العديد من معالم الحقبة البعثية ( لافرق عندي بين عفلقية وصدامية ) مايزال شاخصا ً ، في تأكيد ملموس على أنه ربما " ماطاح " الصنم فعلا ً.
لن أتحدث عن عودة البعثيين ، معززين مكرمين ، إلى مواقع السلطة ، حتى بعض العليا منها ، وإلى قوى الأمن ومواقعها الحساسة ، وإلى أجهزة القضاء والتشريع والتقنين والتعليم والتربية والإعلام والسمكرة والحدادة والنجارة وكل مجال ومضمار . ولن أتطرق إلى إعادة السفراء البعثيين السابقين إلى الخدمة بهدف منحهم رواتب تقاعدية طائلة فقط ، رغم شتمهم الحكم الجديد والوضع الجديد والعراق الجديد صباحا ومساء ً ( فيما يشارف المفصولون السياسيون في العهود البعثية على الموت جوعا ً ولامن سائل عنهم أو مهتم بهم ) ولن أتناول من بعيد أو قريب التنازل يوما بعد يوم عن أبسط بدهيات التغيير ، وهي التغيير بحد ذاته ، عبر استرضاء البعث والبعثيين من قبل أعلى السلطات والمتسلطين ، حتى راحت الكلمات والتوصيفات تتعرض للتغيير شبه اليومي لكي لايزعل البعثيون أو تتكدر خواطرهم ، فيوما ً يتم يتم تغيير " البعث " إلى " البعث الصدامي " ، ويوما ً يتحول " الاجتثاث " السياسي والمعنوي القانوني والمشرَّع والمفترض إلى مساءلة فحسب ثم إعادة إلى أعلى المناصب بما فيها العسكرية الحساسة ، حتى كدنا أن نخاف على أنفسنا من أن نتعرض للإتهام بأننا ( نحن ضحايا البعث المجرم على مدى أربعين عاما ً ) قد ضربنا أيدي جلاوزة البعث بوجوهنا !
لن أذكر شيئا ً عن كل ذلك ، فلا فائدة من الكلام والذكر والتذكير ، مادامت القرود الثلاثة سادة الموقف : لا أرى .. لا أسمع .. لا أتكلم . لكن هنالك مفاهيم بالية ينبغي أن تـُكنـَس إذا ماأراد شعب الداخل أن يتقدم . هذا على الأقل مالمسناه ، نحن شعب الخارج ، من تجاربنا وعيشنا بين الشعوب المتمدنة .
تتمحور تلك المفاهيم البالية حول المفردات الغريبة التي لايوجد لها مثيل إلا في الدول التي حكمها الشوفينيون القوميون في العالم العربي ، كالبعثيين والناصريين بدرجة أساس ، والتي باتت لغة يومية عادية لدى شعب الداخل ، مثل : " الوطن العربي " ، " القطر " ، " الأمة العربية " ، " القومي " وغيرها .
فمفردة مثل " الوطن العربي " إنما هي لامعنى لها فعلا وقولا ، ويمكن لأي ٍّ من أبناء شعب الداخل أن يجربها ويمتحنها على الطبيعة في زيارة أي ّ بلد ناطق باللغة العربية . فالبلدان الناطقة بالعربية جميعا ً تقريبا ً ( ربما ماعدا سورية التي مازال يحكمها الجناح الآخر من حزب البعث ) لاتعرف إلا حالتين للفرد : مواطن وأجنبي ، وفي حالة الأجنبي لافرق بين ناطق بالعربية أو بغيرها ، فأين هي مصاديق هذا " الوطن العربي " المزعوم ؟ كمثال : لم نستطع نحن شعب الخارج أن نزور بلدانا ناطقة بالعربية بيسر وسهولة قبل حملنا الجنسيات الغربية . بل كانوا يتشددون في منعنا من الدخول إلى بلدانهم واحتجازنا في مطاراتهم ويتفننون في إيذائنا عندما كنا نحمل جوازاتنا العراقية أو حتى جوازات اللجوء السياسي والإنساني المحترمة دوليا ً ، وهم في ذلك سواء ، لافرق بين مصر وإمارات وخليج وشمال أفريقيا وواق الواق ، فماهو معنى " الوطن العربي " إذن ؟ وحتى عندما حملنا الجنسيات الأجنبية التي شرّفتنا وأعادت إلينا إنسانيتنا أكثر من " عروبتنا " المزعومة ، كنا ومانزال نواجـَه بعبوس وتولٍّ ، مثلما فعل عثمان بن عفان مع الشحاذ الأعمى إذ جاءه ! وكأننا إذ نزور بلدانهم إنما نستجدي منهم بضعة أيام وبضع ليال نمضيها في ذلك " الوطن العربي " المزعوم كأي سائح أجنبي يطوّق أعناقهم بالإنفاق والإحسان قبل أن يحسنوا إليه هم ، هذا إذا أحسنوا !
إن الوطن هو الذي يحترمك ويشعرك بإنسانيتك ، وهو الذي تربطك بترابه وناسه روابط وصلات سداها الإحسان ولحمتها المحبة ، أما أوطان الآخرين التي تستقبلك بنظرات الكراهية لمجرد اسمك أو انتمائك الجغرافي فليست وطنك مطلقا ً .
أما " القطر " فهو صحيح مفهوميا على الصعيد العالمي ، ذلك لأنه ترجمة حرفية لكلمة " كونتري " الإنكليزية ، لكنه يعني في القاموس البعثي أو الناصري أن بلادك ليست مستقلة ، وإنما هي " قطر " من بين مجموعة ، يحكمها فكر شوفيني مهترىء واحد .
أما " الأمة " فهي التي تعيش ضمن حدود رسمية ومعترف بها ، وتجمعها آمال وتطلعات وطنية واحدة ، وكذلك لاتعني كلمة " القومي " أكثر من محاكاة رديئة لاستخدام مصري ، خاطىء هو الآخر من الأساس !
ففي مصر ، يطلقون كلمة " القومي " على كل ماينبغي أن يدعوه بـ " الوطني " . فعندهم " صحف قومية " أي " صحف وطنية واسعة الانتشار " . وعندهم " على الصعيد القومي " أي " على الصعيد الوطني " . وعندهم توصيف لمنصب أميركي هو " مستشار الأمن القومي " وهي مفردة خاطئة تعني " مستشار الأمن الوطني " لكن لما كان معظم المترجمين إلى العربية ، في أميركا مصريين ، فقد جاءتنا وتلقفناها هكذا كما لقننا المصريون عبارة " السم الزعاف " والصحيح " الذعاف " وعبارة " الغث والثمين " والصحيح " السمين " وما إلى ذلك !
والخلاصة ، أن الشعوب المتقدمة لاتتعامل بهذه العقليات المغلقة . فلم أسمع يوما ً من بريطاني وصفه للأميركان أو الأستراليين أو الكنديين أو النيوزيلنديين بالشعب " الشقيق " . والوطن عند الأوروبي هو أوروبا مهما اختلفت اللغات والأديان والمذاهب والسياسات ، والرجاء كنس مصطلحات البعثيين الشوفينيين مع تاريخهم الأسود إذا كان شعب الداخل جادا ً في إرادة التغيير الحقيقي ، خاصة وهو ينتشر في بقاع الأرض الآن ، ويرى كيف يستقبله السويدي بالترحاب والأحضان ، ويركله المصري والأردني والسعودي وغيرهم من الأعراب في المطارات دونما رحمة أو شفقة أو شعور " قومي " يدعونه !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحت غطاءِ نيرانٍ كثيفةٍ من الجو والبر الجيش الإسرائيلي يدخل


.. عبد اللهيان: إيران عازمة على تعميق التفاهم بين دول المنطقة




.. ما الذي يُخطط له حسن نصر الله؟ ولماذا لم يعد الورقة الرابحة


.. تشكيل حكومي جديد في الكويت يعقب حل مجلس الأمة وتعليق عدد من




.. النجمان فابريغاس وهنري يقودان فريق كومو الإيطالي للصعود إلى