الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين وندي وإدوارد سعيد

ناجح شاهين

2007 / 5 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


في المرة الأولى التي التقيتها فيها بدا عليها بعض الدهشة الأصيلة. قالت في تلقائية جميلة: كلا، لا يمكن أن تكون فلسطينيا. قلت باستغراب حقيقي: لماذا؟ فقالت: أنظر، أنت تلبس بشكل جميل، أعني ملابسك نظيفة وأنيقة.
وأسقط في يدي. سألتها بالصبر المحمود في هذه المواقف: ولكن هل سبق لك ورأيت عينات من الفلسطينين؟ فقالت: طبعا، أعني ليس تماما. آه، أنظر ربما أنني في الحقيقة لم ألتق بأي فلسطيني من قبل.
شكرتها على صراحتها وانطلقت أفكر كعادتي القبيحة في النظرية. ومن الممارسة إلى النظرية دائما هنالك مشكلة، أعني أن المشكلة موجودة قبل أن يعيد اكتشافها ميشيل فوكو. أخرجت لساني –وهي عادة طورتها مؤخرا في بلاد الأنكل سام- لإدوارد سعيد وقلت له من بين أسناني: أنت لم تكن شيئا يذكر، ولم يصدر كتاب مشهور باسمك قبل ربع قرن هز الجهاز الأكاديمي الرسمي بالذات. هذه البلاد ينطبق عليها شعار الراحل عرفات الذائع الصيت: "يا جبل ما يهزك ريح" واللي مش عاجبه يشرب من أحد المحيطين الكبيرين أعني الأطلسي أو الهادي. هذه البلاد تتقن فضيلة النسيان وتبرهن لكل من له عينان مبصرتان أنها تمضي في طريقها لا تلوي على شيء. لا يهمها علم العالمين ولا يضيرها حسد الحاسدين ولا ترغب في الاستماع لنصيحة من أحد أو أن تسمع وجهة نظر أحد. إنها القوة في أشد حالاتها صراحة وصرامة واعتزازا بالنفس. سوف يقول قائل من بني جلدتي: ولكن ها هم يواجهون الفشل في مواجهة مقاومة العراق ولبنان. ربما ولكن ما يضير المفترس ان لا يصطاد جميع الفرائس، فهو في النهاية يطارد الضحية، فإن أفلتت هذه المرة فسوف تقع في المرة التالية وهو لن يتخلى عن مهمته الرئيسة: أعني أن يأخذ الآخرين عنوة. قال شمعون بيرس الحكيم اليهودي المعروف في واحدة من لحظات تألقه الخطابي الكثيرة: الفرق بين الحب والاغتصاب أن أحدهما يتم برغبة الطرفين وأما الآخر، اما الثاني فيتم بالإكراه. الولايات التحدة في موقعها الفريد تأخذ الناس كرها أو طوعا كأنما هي عشتار التي تمتص عاشقها حتى آخر قطرة مني/ماء/دم ثم تلقي به إلى المهالك كما فعلت مع الراعي/العشق المسكين دوموزي.
وندي اعتقدت لسبب ما أنني قلت شيئا يتعلق بالإرهاب. ولما لم تكن قادرة على تحديد الموقف وتقييمه فقد قررت أن الأفضل أن تتصل برئاسة الدائرة وتخبرهم بما جرى لعلهم يجدون الطريقة المناسبة لمعالجة الموقف. عندما دخلت إلى المكتب كان رئيس الدائرة ومسؤول شؤون الطلبة في انتظاري. وقد ذكرني المشهد على الفور بما هو معروف عن طريقة رجال الأمن في التحقيق مع الناس، لأن أحدهما كان عابسا بينما الآخر بادرني بابتسامة لطيفة وسؤالي عن أحوالي عندما قاطعه الآخر بالقول: "إن شأنا جللاًُ قد دفعنا إلى استدعائك، إذ يبدو أنك تفوهت بأشياء مثيرة للقلق." وبدأ الرجل يحذر من عواقب ما أفعل حتى ظننت أنني قد اتيت فعلا منكرا بالفعل. ولما عجزت عن استحضار ما يتحدث عنه الرجل، قلت له ببساطة بدت إما علامة على الغباء أو على الكذب الصفيق، إنني حقا لا أعرف عم يتكلم. وهنا قال لي: "ما قلته يوم الجمعة تعليقا على حادث فرجينيا." الحقيقة أنني لم أتذكر، إذ يبدو أنني بدأت أشيخ وأن قدرتي على التذكر قد انخفضت. لكن في كل الأحوال كان الرجلان في صدد معالجة أشياء قلتها فحسب وإنني لحسن الحظ غير متهم بفعل أي شيء. بعد قليل تكرم الرجل اللطيف بإخباري باسم الفتاة التي مررت الشكوى بأنها مرعوبة من خطورتي على الأمن القومي للولايات المتحدة. وهنا ادركت أنني في الواقع أمارس مع هذين الرجلين في تلك اللحظة غير التاريخية رقصة بهلوانية. كان الرجلان، أستاذان جليلان –أو هذا ما يقال عنهما في هذه البلاد- عالمان معروفان في حقلهما يمارسان في حقي استجوابا يستهدف فيما قدرت تفحص ما إذا كان يجب تبليغ الشرطة عن " الحادث ".
قلت بعد أن فهمت الموضوع في قليل من السخرية المتحفظة بسبب جبني وتخوفي من العواقب: ولكن أنا متأسف، أنا كنت أظن بأنكم هنا لا تهتمون بما يقال باعتبار حريات التعبير وما إلى ذلك، حتى أنني شاهدت قبل أسابيع أفرادا يتهجمون على المفكر المعروف فنكلشتين ويتهمونه –وهو اليهودي- باللاسامية بل يستعملون كلاما نابيا لا أستطيع أن أعيده، وعندما حاول الجمهور اسكاتهما للدفاع عن حق المفكر في اكمال محاضرته، تعلل أصحاب الشتائم البذيئة بأن هذا بلد حر ومن حق كل مواطن أن يقول رأيه.
رد الأستاذ العابس بأن هذا صحيح، ولكنني لا أفهم؛ يجب علي أن لا أقول أشياء يستشف منها تأييد الإرهاب أو ما أشبه. هنا انجلى ما تبقى من غشاوة على عيني: إن القوم لا يقبلون الكلام الذي يعاند حق الولايات المتحدة في احتكار العنف. وعلى الرغم من فشلي في تذكر المفردات الخطيرة التي تفوهت بها إلا أن من الواضح أنها كانت من النوع الذي يفهم منه أن العنف إما محرم عامة وإما محلل عامة. وليس لأحد من العالمين احتكاره لنفسه خصوصا عندما تكون غاياته من العنف في وضوح غايات الولايات المتحدة التي لا تخفى على أحد.
لا أريد أن يتوهم القارئ انني قلت ذلك، فالحقيقة أنني وافقت دون تردد على اقتراح الشرطي، عفوا أقصد الأستاذ اللطيف، بأن أقوم من فوري وأبحث عن الفتاة وأعتذر لها –عن ماذا؟ سألت نفسي، وقلت: ولو لا ضير من الإعتذار- على ما بدر مني من تفوهات سببت لها قلقا نفسيا. أنا لم أتعرض مما فعلاه معي لأي قلق أو رعب. لم يكن هنالك أي فضاء نلتقي فيه ولو خطأ، كنا في فضائين مختلفين. غادرت من فوري وقررت أن الشيء الوحيد الذي يمكن لي أن أفعله هو أن لا أحاول أن أقول أي شيء لأي شخص، لأن ذلك بالطبع ليس له أي حظ من النجاح. ولا بد أن اداورد سعيد المسكين قد كان محبطا على نحو خاص آخر أيامه لأنه اكتشف هذه الواقعة الشديدة البرودة. الرجل الأبيض لا يرى الآخرين أبدا إلا همجا، وأغبياء يجب أن يفتحوا عيونهم وآذانهم للتعلم منه، أو أنهم أعداء خطرين له، للرب، وللقيم، ولا بد من إزالتهم من الوجود بأي طريقة من الطرق. ولا يستثنى من ذلك أسلوب الإبادة الجماعية بطبيعة الحال.












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد يختبران مدى التوافق بين عمار وريم ????


.. بحثا عن غذاء صحي.. هل المنتجات العضوية هي الحل؟ • فرانس 24 /




.. خروج مستشفى الأهلي المعمداني عن الخدمة بعد العملية الإسرائيل


.. إسرائيل قطعت خدمات الاتصالات على قطاع غزة منذ نهاية شهر أكتو




.. أمهات المحتجزين الإسرائيليين ينظمن مسيرة في الكنيست