الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى سعد الله ونوس في عقد رحيله الأول.. محكومون بإعدام الأمل.. وفي النهاية لن يصح الصحيح

علي ديوب

2007 / 5 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


في يومٍ من هذا الزمان، في كل يوم من هذا الزمان، تذهب وتعود يا سعد الله. ملتبساً في ملحمة السراب. تفسّر دلالة الرحيل عن/ في وطن يأكل عقله ـ بدعوى إضعافه للشعور الوطني، وسعيه لهدم هيكل العزة الرمل. يحتفلون برحيل المبدع؛ ثم يهيلون عليه ركام النسيان والتنكر... بل يروعهم ان يبقى شبح مجده يحوم في سماء البشر، فلا يسعهم إلا ان يتصنعوا التقليل من شأنه بالقول إنه حصرم رأوه في حلب... يا لهم من سعداء!
كم يروقهم خلو الساحة لقاماتهم التي تضيع بين أعقاب السجائر. يبدو كرمهم أثرى الأثرياء، هنا، ويبذلون بلا حساب؛ فلا غاية فوق غاية الغايات هذه: رحيل العقول المثمرة. أوانخسافها في العالم السفلي (حيث امتحان المسوخية) لكي تتعظ، فتعرف أن الله في الأعلى. وأن الله حق. وهو الحق.
أنت صنعت لهم حفلة سمر من أجل الخامس من حزيران( اليوم الوطني لعزَّتهم ومجدهم)، وهم لم يكذبوك: زينوا كل يوم من هذا الزمان بوسام الخامس من حزيران... وشرّعوا أبواب المستقبل على مصاريعها لصرعات طقوس الإشارات والتحولات التي تختصر الوطن في "ألماسة" المفجوعة باستيقاظ هامليتي أشد هولاً، وأفظع بغياً وطغياناً مما حدثتنا منمنمات تاريخية عن تسلطه على أسوار دمشق، وفي أسواقها؛ وحتى في مجرى نهر بردى- التاريخ/ سجلّنا الأسود، ذوالأفرع( الشطنات) السبعة التي تعودت، على مدى آلاف السنين، أن تحيي الجنة على الأرض، ثم تذوب في ترابها؛ فعاجلوها اليوم بالهلاك، قبل أن تشهق شهقتها الأولى. لتغدو محض سخام وشراكاً للفضلات، تعلق فيه أقدام الزمن، وتتفسخ الأحداث؛ مؤيدة بجيوش من نتن وقباحات تزكم الآفاق. ليكون الخدر والاختناق من غير وعي، فالشلل والسكون والتحجر، بلا إرادة، هو مصير الكائنات الحية على تنوعها. الكائنات الحية، التي تبلغ الكينونة وتحقق المعنى عبر الحركة والحيوية والحب، في الفضاء وعلى الأرض وعميقاً في دفء الأرحام. ولكن في غيرما عالم، وغير زمان... متحول ومختلف!
ولأنك يا سعد الله حاربت المرض، انتصرت عليه روحك فانداحت فينا، بل عبرتنا إلى المستقبل. ولأن الوطن يا سيدي يستسلم رافعا قدميه قبل يديه، فقد انمسخ إلى حشرة متيبسة مقلوبة على القفا ـ تصفر في قشرتها الريح حروفاً سحرية، تكرر لازمة (الله حاميها). ولم يعد يهمّها من الفيل إن هو عاث قسطاً من الفساد في الوطن، بعد أن رزق بفيلة جميلة، ومنّ عليهما الله بفيلة صغار ـ على مقاس الرقاب ـ مؤيدة بفيلة كبار شداد، تحرسها من العباد وتعيذها من شر الحساد.
وإذا كان بطلك الفلسطيني في مسرحية (الاغتصاب) يمتلك من الوعي والجرأة والتبصر والحكمة، وهو تحت التعذيب-¬ بما يفترضه ذلك من انسحاق لا داعي لتخيله- أن يخاطب جلاده، بجلادة يحسد عليها، قائلاً: "مع ذلك فأنا أحلم بوطن يتسع لي ولك"... وهي عبارة تحيلني بالتداعي إلى لازمة بلال الحبشي، تحت التعذيب.. فالمقارنة الأليمة/ اللئيمة، تستدعي التساؤل التالي: لم لا يتجرأ الوطن على خطاب مماثل لجلاد وطني، يزعم انه يحكم باسم الناس والوطن؟ هل لأنه جلاد محلي؟ جوابي التائه والصبياني هو ببساطة: لأن الوطن، ذاك الحشرة المتيبسة والمنقلبة على قفاها، ذهب إلى رحمة خالقه وهو يحمل قناعة سرمدية، زودته بها المحن والتجارب و"رأس الذئب المقطوع"، مفادها أن مخلوقا على وجه هذه البسيطة (هل هي بسيطة حقا؟) يجب ألا يخاطر في أن يحلم، أو حتى أن يسترخي أمام إمكانية تسرب وهم، تزينه نفسه الأمارة بالأسئلة المحرمة، في أن يجعل من نفسه اليوم، أو يصبح في المستقبل المفتوح (وهذا فقط هو الاتجاه الذي بقي مفتوحاً في وطني يا سعد الله) شريكاً حتى في امتلاك حريته الشخصية!؛ لأن الشراكة من الشرك ـ وهو ما لا كفر بعده: يفتح عمل الشيطان، فيدفعه لارتكاب الكبائر، والتنطح للمشاركة في إدارة شؤون البلاد والعباد، وفي طبيعة توظيف واستثمار وتوزيع ثرواتها، متنكراً للهوية القومية التي تنسج خصوصيتنا المحلية والتي تميزنا بطاعة أولي الأمر منا، ومستجيباً للمؤامرات الاستعمارية الشريرة.
إذهب في بياضك يا سعد الله... أترى كم يسعد الطغاة رحيل الحكماء... إذهب فالأمر محسوم، كما ترى ـ وأنت سيد العارفين ـ في يوم من هذا الزمان، حيث لم يصحّ الصحيح، عبر مسار التاريخ، ولن يصحّ في نهايته. ونحن محكومون بالإعدام الشامل... وها هو اليوم الذي يطلب فيه إلى المعذبين في الوطن معاودة تأكيد ولائهم للاحتلال الوطني، بالروح والدم.. ببحة واحدة وبصمة واحدة وموت واحد.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على أرجاء قطاع غزة مع اشتداد المعارك في شرق رفح


.. أوكرانيا، روسيا، غزة: هل ستغير الانتخابات البرلمانية الأوروب




.. أوكرانيا: موسكو تشن هجوما بريا على خاركيف وكييف تخلي بلدات ف


.. لبنان.. جدل واتهام للمسرحي وجدي معوض بالعمالة لإسرائيل




.. متاعب جديدة لشركة الطيران الأمريكية بوينغ.. واختفاء مجهول لع