الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-صفقة العصر- تعزز الحضور الياباني في الهند

عبدالله المدني

2007 / 5 / 28
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


لعبت اليابان دورا لا يمكن إنكاره في تنمية دول جنوب شرق آسيا و تعزيز اقتصادياتها منذ خمسينات و ستينات القرن الماضي، ثم لعبت في العقدين الماضيين دورا مماثلا تجاه الصين من خلال ضخ الاستثمارات و تقديم القروض و المساعدات و رفع حجم الواردات بدليل أن التبادل التجاري بين البلدين سجل في العام الماضي رقما زاد على 207 بليون دولار فيما وصل حجم الاستثمارات اليابانية إلى نحو 57 بليون دولار.

غير أن طوكيو بدأت في السنوات الأخيرة تدير وجهها نحو جنوب آسيا، و تحديدا نحو الهند حيث الاستقرار السياسي و العمالة الرخيصة المدربة و الفرص الاستثمارية الكبيرة ذات العوائد المجزية، ناهيك عن عامل مهم آخر هو عدم وجود ملفات شائكة بين البلدين أو رواسب تاريخية مرة في علاقاتهما البينية، أي على العكس مما هو قائم بين الصين و اليابان أو بين الأخيرة وبعض دول جنوب شرق آسيا من رواسب من زمن النزعة التوسعية اليابانية قبل الحرب الكونية الثانية. و إذا كان هذا يفسر بعض أسباب هذا المنحى فان ما يفسر البعض الآخر هو أن الهند اليوم ليست ساحة نفوذ تاريخية للاعبين دوليين كبار كما هو الحال في الشرق الأوسط، بحيث يعجز لاعب جديد عن إيجاد موطيء قدم تنافسي فيه. إلى ذلك فان ما يجمع اليابان بالهند كثير و منها أنهما اكبر ديمقراطيتين خارج المنظومة الغربية، و متناغمتان في سياساتهما الخارجية، ومتوجستان من الصعود العسكري للصين و تمددها في المحيطين الهندي و الهادي، و محتاجتان إلى التعاون المشترك من اجل توفير الطاقة واستقرار أسواقها و تأمين خطوط إمداداتها انطلاقا من حقيقة أن اليابان و الهند هما ثالث و سادس اكبر الأقطار المستهلكة للطاقة في العالم على التوالي.

يعود تاريخ التواصل ما بين اليابانيين و الهنود إلى بدايات القرن السادس الميلادي حينما وصلت البوذية إلى اليابان عبر جنوب شرق آسيا. و في العصر الحديث كانت الهند إحدى أوائل الدول التي وقعت معها اليابان معاهدة سلام و ذلك في أعقاب تأسيس العلاقات الدبلوماسية الكاملة في عام 1952 ، كما أن الهند ساهمت في الأربعينات و الخمسينات في عملية إعادة تعمير ما دمرته الحرب في اليابان من خلال تزويد الأخيرة بحاجتها من خام الحديد. غير أن العلاقات شابها بعض الفتور أثناء سنوات الحرب الباردة بسبب دخول البلدين في تحالفات مضادة و تبنيهما لسياسات خارجية واقتصادية معاكسة، و هو ما اثر سلبا على وتيرة و حجم المساعدات اليابانية للهند في تلك الحقبة و التي لم تتجاوز مائتي مليون دولار، رغم أن الهند كانت من أوائل الدول التي استفادت من برنامج المساعدات اليابانية الخارجية و ذلك بعيد زيارة رئيس الحكومة الأسبق "نوبوسوكي كيشي" لنيودلهي في عام 1957 .

و هكذا فان النقلة الكبرى في علاقاتهما الثنائية بدأت مع المتغيرات التي شهدها العالم في التسعينات، و التي دفعت الهند إلى تغيير تحالفاتها الاستراتيجية و تحرير اقتصادها، فيما منحت اليابان فرصة لعب دور اكبر استقلالية على الساحة الدولية. فبعد هذه المتغيرات و نجاح الهند السريع في البروز كقوة اقتصادية و منطقة جذب استثمارية، شهدت العلاقات نموا متسارعا، وارتفعت وتيرة الاتصالات على أعلى المستويات، و ازداد اهتمام القطاع الخاص الياباني بالاستثمار في الهند، ليتوج كل هذا بالإعلان الياباني – الهندي الذي صدر في أعقاب زيارة رئيس الحكومة الهندية السابق "أتال بيهاري فاجبايي" لطوكيو في عام 2001، و تضمن اتفاق القطرين الآسيويين على الدخول في شراكة استراتيجية شاملة. هذه الشراكة التي جدد البلدان التزامهما بها أثناء زيارة رئيس الوزراء الياباني السابق "جونيتشيرو كويزومي" لنيودلهي في عام 2005 وزيارة نظيره الهندي "مانموهان سينغ" إلى طوكيو العام الماضي، بل وسعا أطرها لتشمل عقد قمم سنوية، وتبادل الطلبة و الأساتذة و الباحثين، و التعاون في الحقول العلمية و التكنولوجية، وتنسيق المواقف في المنظمات الدولية و الإقليمية، و القيام بجهود مشتركة في مجال تأمين الطاقة و الحد من الانتشار النووي و محاربة الإرهاب و القرصنة البحرية، ناهيك عن تعزيز التعاون في حقول التجارة و الصناعة و السياحة و الاتصالات الفضائية و الاستثمار.

و كان من نتائج هذه التطورات أن ارتفع حجم الاستثمارات اليابانية المباشرة في الهند من نحو بليون دولار في عام 2001 إلى بليوني دولار في عام 2005 ، و زادت واردات اليابان من الهند من 1.5 بليون دولار إلى 2.5 بليون دولار في الفترة ذاتها مقابل ارتفاع واردات الهند من اليابان من 2.2 بليون دولار إلى نحو 4 بلايين دولار. أما على صعيد المساعدات و القروض اليابانية، فقد وصلت في عام 2005 إلى 1.2 بليون دولار. و توجد اليوم في الهند فروع لأكثر من 350 شركة يابانية تمارس أنشطة استثمارية مختلفة، من ضمنها شركتا هوندا و سوزوكي اللتين تصنعان المركبات و الدراجات النارية الهندية.

وكدليل على أن الشراكة الاستراتيجية المبرمة بين البلدين ليست مجرد حبر على ورق، و إنما ترفدها أعمال و التزامات حقيقية، وقعت الهند مع اليابان في الشهر الماضي على صفقة بقيمة 50 بليون دولار لإقامة حزام صناعي يربط ما بين عاصمة الهند السياسية (نيودلهي) و عاصمتها الاقتصادية (مومباي) بطول 1500 كيلومتر، و ذلك على غرار الحزام الصناعي الرابط ما بين طوكيو و اوساكا و الذي يعمل منذ انتهاء العمل فيه في الستينات بنجاح و يساهم بأكثر من ثلث الناتج المحلي الكلي لليابان.

و هذا المشروع الضخم المنعوت بصفقة العصر و الذي سيخترق ست ولايات هندية مكتظة بالسكان ( دلهي و اوتار براديش و هاريانا و راجستان و غوجرات و مهاراشترا) و يغطي منطقة يسكنها أكثر من 180 مليون نسمة، و يمر بموازاة الطرق البرية السريعة، يشتمل على إقامة ثلاثة موانيء و ستة مطارات وخطوط حديثة للسكك الحديدية و محطة للطاقة بقوة 4000 ميغاوات و مناطق اقتصادية متخصصة و مرافق تخدم الصناعات الهندسية والالكترونية والبتروكيماوية، الأمر الذي يتوقع معه حين الانتهاء من المشروع في عام 2012 أن تزيد الفرص الوظيفية بنسبة 15 بالمئة و الناتج المحلي الكلي بنسبة 28 بالمئة و حجم الصادرات بنسبة 38 بالمئة.

وبعبارة أخرى فان هذا المشروع سيساهم في حل جزء معتبر من معضلة لطالما اشتكت منها الهند في السنوات الأخيرة، و قيدت نسبيا تنافسها على جذب الاستثمارات الاجنبية، و تسببت في إعاقة صادراتها إلى الخارج، و نعني بها ترهل بنيتها التحتية من مطارات و موانيء و طرق و محطات الطاقة أو نقصها. و طبقا للدراسات و الأبحاث المنشورة، تحتاج الهند إلى إنفاق أكثر من 300 بليون دولار خلال السنوات العشر القادمة لتحديث و تطوير قطاعات البنية التحتية فيها لكي تصل إلى مستوى الصين مثلا، و هو ما دعا رموز سياسية و اقتصادية محلية إلى مطالبة الحكومة مؤخرا بالسحب من الاحتياطي النقدي البالغ حاليا نحو 200 بليون دولار للإنفاق على عملية تحديث البنى التحتية و الإضافة إليها، و لا سيما في قطاع الموانيء. و المعلوم أن احد مشاكل الهند كانت و لا تزال بعد موانيء التصدير و النقل عن الكثير من مراكز الإنتاج والتجمعات السكانية، بدليل أن 38 في المئة من سكانها فقط يعيشون ضمن دوائر تبعد 100 كيلومتر عن اقرب ميناء، مقارنة بنحو 50 بالمئة في الصين و 90 في المئة في اليابان و دول الاتحاد الأوروبي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيلين ديون تكشف عن صراعها من أجل الحياة في وثائقي مؤثر


.. -هراء عبثي-.. شاهد رد فعل مؤرخ أمريكي على الديمقراطيين الذين




.. نيويورك تايمز: تجاهل البيت الأبيض لعمر الرئيس بايدن أثار الج


.. انتخابات الرئاسة الإيرانية.. مسعود بزشكيان




.. بزشكيان يحصل على 42 % من أصوات الناخبين بينما حصل جليلي على