الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدل الشاعر الكبير

صبحي حديدي

2007 / 5 / 29
الادب والفن


في ردّه، الثاني، على منتقدي تصريحه ـ الذي صار شهيراً الآن، حول الشعراء الثلاثة الكبار (أدونيس، سعدي يوسف، محمود درويش) ـ سرد الدكتور جابر عصفور عدداً من الأسماء التي يثمّن حضورها في المشهد الشعري العربي المعاصر. اللائحة طويلة متنوّعة، فيها الأحياء طبعاً، ولكنها أيضاً تضمّ عدداً من الراحلين؛ كما تربط حقبة بأخرى، وجيلاً بجيل، وشكلاً شعرياً بآخر قد يبدو نقيضاً له (كما في مثال "السلسة" التي اعتبر عصفور أنها "تصل أحمد دحبور بوليد خازندار وفواز طوقان"، والأرجح أنّ الاسم الأخير خطأ طباعي، وفدوى طوقان هي المقصودة)؛ فضلاً عن قصيدة الفصحى والقصيدة العامية...
وأعترف أنّ الدهشة التي انتابتني عند قراءة التصريح الشهير، تكرّرت من جديد حين حاولت تدقيق لائحة الدكتور عصفور من زاويتَيْ نظر: إنصاف العناصر الفاعلة في المشهد بأسره أوّلاً، ثمّ إشكالية إغفال أسماء ليست مماثلة في الأهمية للغالبية الساحقة من الأسماء الواردة فحسب، بل إنّ غيابها (ولا أقول تغييبها، لأني لا أفترض نيّة تغييب قصدية عند الدكتور عصفور، وأية لائحة لا يمكن أن تكون شاملة كاملة على نحو مرضٍ) يبدو نقصاً فادحاً يخلّ بحاضر المشهد مثل بعض ماضيه ومستقبله.
فإذا ضمّت اللائحة المغربية أسماء مثل وفاء العمراني ومالكة العاصمي (وليس العاصي، في خطأ طباعي آخر!) والمهدي أخريف ومحمد الأشعري ومحمد بنيس ومحمد الخمار الكنوني ومحمد بنطلحة، فمن غير العادل أن لا تضمّ أحمد المجاطي وعبد اللطيف اللعبي وحسن النجمي وعبد الله زريقة. وكيف يستقيم المشهد السوريّ دون يوسف الخال، ممدوح عدوان، علي الجندي، وسليم بركات؟ أو العراقي، في غياب هاشم شفيق، عقيل علي، وكاظم جهاد؟ أو الفلسطيني، دون محمد القيسي، فوّاز عيد، مريد البرغوثي، زكريا محمد، وسامر أبو هواش؟ أو اللبناني، دون بسام حجار وجودت فخر الدين؟ وكيف يصحّ ذلك لغياب التامّ لقصيدة المرأة في الخليج، من فوزية أبو خالد وميسون صقر إلى حمدة خميس ونجوم الغانم؟ وأجدني أتوقف بصفة محدّدة، وبإيجاز يفرضه المقام، عند غائب كبير في تقديري، هو الشاعر الفلسطيني زهير أبو شايب، مستعيداً بعض ما سبق لي أن ناقشته في مراجعة مجموعته الشعرية الثالثة "سيرة العشب"، 1997.
ويقيني أنّ في طليعة معضلات تلقّي الشعر العربي المعاصر أنّ حركة المشهد، المعقدة المتباينة المركّبة والحاشدة، لا تتيح للقارىء (لكي لا نقول إنها لا تسهّل عليه) أمر إفراد الأصوات الشخصية على نحو يعبّد درب الشاعر إلى توطيد علاقة قرائية راقية مع المتلقّي. وهذا، استطراداً، يعرقل تكوّن «بصمة» خاصة لهذا الشاعر أو ذاك، اتكاءً على هذه أو تلك من الخصائص الشخصية، سواء تلك المتصلة بالأسلوبية الإجمالية أو الموضوعات أو الأشكال الأثيرة، أو هذه بمجملها وقد توحّدت في هيئة «صوت» فارق. ورغم قلّة نتاجه الشعري (ثلاث مجموعات منذ عام 1986) فإن أبو شايب في عداد أولئك الذين يمتلكون هذه البصمة الشخصية، و«سيرة العشب» عزّزت صوته بقوّة، بل بكثير من «العناد» في جانب خيارات الشكل الشعري والموضوعات بصفة خاصة.
إنه بين تلك القلّة القليلة التي ما تزال «صامدة» في الاستقرار على التفعيلة، والإلحاح على استكشاف طاقاتها الإيقاعية، والتوصّل إلى نتائج جديدة ومتجدّدة لعلّ أهمّ فضائلها أنها لا تعيد ترجيع أصداء تجارب الروّاد من جانب أوّل، ولا تقتفي أثر المعلّمين الكبار المعاصرين من جانب ثانٍ. إنها، في عبارة أخرى، تفلح في شقّ طريقها الوعر ضمن حال راقية من التجاور مع ــ ولكن ليس، بالضرورة، الدخول في ــ تلك الوديان التي لا مفرّ من أن تتردد فيها أصداء أصوات الكبار (أدونيس في قصائده التي قدّمت اجتهادات فائقة في إيقاع التفعيلة، محمود درويش وسعدي يوسف في معظم نتاجهما الشعري، أمل دنقل في النقلة النوعية التي مثّلتها قصائد «البكاء بين يديّ زرقاء اليمامة"...).
وليس هذا بالإنجاز اليسير في الواقع، كما أنه جوهر السبب في أننا لا نملك الكثير من نماذجه المتقدمة، رغم توفّر العديد من الشعراء المواظبين على استخدام التفعيلة. هذا فضلاً عن حقيقة تالية هي مدعاة لأسف إضافي أشدّ: أن عدداً من الأصوات القويّة التي تكوّنت خلال السبعينيات والثمانينيات (وأقصد ضمن خيار التفعيلة دائماً، وخارج تلك الوديان)، خفتت أو تراجعت أو بهتت تماماً في أيامنا هذه، حيث يبدو المشهد بحاجة إلى المزيد من تصارع المقترحات بدل تشابهها، وإلى المزيد من إفراد الأصوات بدل اندغامها في جوقة واحدة.
وبهذا المعنى، كيف يمكن للثلاثة الكبار، الذين أفردهم الدكتور عصفور، أن يظلّوا كباراً إذا لم تتقاطع شعرياتهم، فتفترق أو تختلف او تتكامل أو تتناقض، مع شعريات كبيرة بدورها، مثل هذه التي ينجزها أبو شايب؟ وفي الأساس البسيط، كيف يمكن للذائقة العامّة أن ترى الثلاثة كباراً، دون تجارب أخرى كبيرة، رابعة وخامسة وعاشرة، توازي أو تجاور أو تحالف أو تخالف؟ وبمعزل عن هاجس التأثير في نظرية هارولد بلوم الشهيرة، ألا نردّ بعض إصرار الكبار على تطوير تجاربهم الشخصية، إلى احتمال أنهم إنما يبصرون شيخوختها في مرآة تجارب أخرى تتطوّر بدورها، وترتقي، وتحثّ الخطى... نحو الموقع الكبير؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب