الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غربتنا في العراق

عمار السواد

2007 / 5 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


اقسى موقف او وضع يواجه المرء ان يعيش في بيته جحيما وضياعا وتشتتا. فالعائدون الى منازلهم ليجدوا فيها ضياعهم ما هم الا مساكين لا يمكن الا ان نرثي لحالهم، فبؤسنا في منازلنا هو ضياع شامل. ومن لا يجد راحته في بيته لن يجد بعدئذ اي راحة. انها حالة تدل على اكثر الاوضاع ضياعا.
واذا ما استمر شقاء الانسان في بيته، فان شقاءه المستمر سيولد شكلا من الكره والحقد على كل اركانه، سيكره الجدران والابواب والاثاث، ورغم ان هذه الجمادات غالبا ما تكون عاجزة عن اشاعة روح الفرح في قلب من اشقاه سلوك البشر، كعجزها عن بث روح الالم، الا ان تلازم شقاء المنازل وتلك الجدران والابواب يتركها عرضة للاتهام.
كذلك حال الاوطان، فضياع الانسان في وطنه هو نموذج لفقدان السعادة في منزله. ورغم ان الاوطان ما هي الا جمادات لا يمكن ان تتهم باشاعة الالم في النفس البشرية، الا ان ترابط الالم واياها يمكن ان يشيع روح الاسى تجاهها. فكيف نطلب من فقراء العراق ومصر وسوريا... اولئك الضائعون الذين لا يجدون لهم بين اركان الارض صدى، كيف نطلب منهم التمسك بارض لم يتذوقوا منها الا المر، وكيف نرجو ان يحب التائهون اوطانهم التي عاشوا فيها تيها قد لا يكون بنو اسرائيل عاشوه.
ان الانسان الفاقد لابسط مقومات العيش الطبيعي في وطنه ليس لاحد ان يطالبه بانتماء وطني او بشعور دافئ يدفعه الى التمسك بوطنه، فما حديث المواطنة والوطنية للفاقدين في اوطانهم وسائل العيش السليم الا استهزاء بجراح ضحايا الوطنية، دفعتنا نحوه جلاجل التيارات المتتابعة على ارضنا، وانسقنا خلفه، لنجد في نهاية الامر حاكما لا يسأله احد عن حرصه الوطني ومحكومين بؤساء مجردين من اي حصانة فردية ومذابين في افران الواجبات الاجتماعية والزامية الدفاع عن الوطن بالقول والفعل والقلب كل اولئك كانوا هم لوحدهم المطالبين بحب الوطن.
هل يمكن ان نطالب بعضنا بحب العراق؟
هل تجرأ احد منا بمثل هذا السؤال؟ قد يكون الكثير من الناس من اطمأن قلبه الى سذاجة حب اوطان لم يعش فيها الا مرارة الايام وشقاء الحروب وسطوة الفقر، ولكن اكثرنا لم يكن قادرا حتى على التلفظ بان قصة الوطن الام، والراعي الحنون ما هي الا قصة نسجها خيال سياسي ليستغل وقود الثورات في تأجيجها.
منذ عقود وشعب العراق يرزح تحت مزيد من العذاب الاجتماعي والسياسي والاقتصادي... ولم يتساءل احد عن موقع هؤلاء الافراد التائهين بين نوائب الايام العراقية الزاهية. فضاعت من الجميع بسمة كان يجب ان تنطبع على محيا صبيانا وفتياتنا، لكن الجميع ضاعوا في ظل اندفاعات الشعارات العريضة ليجدوا انفسهم في نهاية المطاف وقود حروب ضروس ابدلت شباب العراق بمهاجرين قادمين من خلف الحدود جعل لهم القائد فوق حقوق المواطن العراقي حقوقا، وما ان ذهبت القيادة "المؤمنة" بالوطن حتى جاءت قيادات اخرى امدت بعمر ذلك الايمان وطالبت به، فاصبح العراقيون مشتتين بين حب وطنهم وضياعهم فيه.
لذلك لا يمكن الان الجزم بحب كل العراقيين لبلدهم في ظل ضياع رهيب يعيشونه، وفي ظل مقارنات ومقاربات بين حياتهم وحياة الشعوب سواهم. فهم منذ عقود تائهون بين انظمة قمعية قتلت كل روح، وحروب اكلت شبابهم، وفقر قتل طموحاتهم، وجهل قطعهم عن ماضيهم، واحتلال سلبهم استقلالهم. في حين ان الشعوب المجاورة لهم لا تعيش المأساة الا بحجم اقل بكثير من هذه المآسي الرهيبة.
خلال الفترة الماضية سعيت الى قياس موقف العراقيين تجاه اطروحة تقسيم البلاد، من خلال طرحي لسؤال بصيغة استفزازية او خبر بطريقة تعجبية حول الموضوع على سائقي سيارات الاجرة، فوجدت النسبة الاكثر منهم لا يأبهون بالتقسيم اذا ما كان حلا يتمكن معه الناس من الوصول الى حياة افضل.
ان هذه النتيجة تعبر بالضرورة عن تحولات جذرية في طريقة تفكير الانسان العادي، تشير هذه التحولات الى ان الانسان في هذا البلد بات غير مهتم جدا بمصير البلاد اذا ما قورن الامر بمصيره الشخصي، فالانسان الباحث عن قطعة الخبز لا يأبه بهذا الكم الكبير من المشاريع والتصورات والرؤى، ولا حتى بمصير بلد يرى فيه مدعاة للعار او مدعاة للفقر.
كم من العراقيين تجنسوا خلال عهد النظام السابق بجنسيات متعددة وحتى عند سقوطه لم يختاروا العودة الا لزيارة اهليهم والاطلاع على حالهم او لبناء مشاريع شخصية سياسية او اقتصادية او ثقافية في العراق. وكم من العراقيين اليوم يتمنون ان يحصلوا على جنسية تنسيهم انتماءاتهم الوطنية الحالي والتزاماتهم تجاه الوطن.
وان كثرة الغناء والشعر... عن حب العراق ووحدته ما هي الا ادلة على وجود شعور عام بان هذا البلد بات مهدد المصير، ليس بفعل الاجنبي فقط، بل بقابليته الذاتية على الانشطار. وما هي الا ادلة على وعي ملموس بتراجع التمسك بالوطن وضياع الحب الفطري له. حيث بات هذا المصير المهدد وهذه الوطنية الضعيفة التأثير وتراجع مستوى الحب للوطن دافعا حقيقيا للشعراء والمطربين... ليهبوا محاولين الحيلولة دون ان يصل الى واقع لا مفر منه.
ان الامل المعقود على عراق آمن ومرفه بلا حروب وبلا مستبدين لم يزل ينصهر منذ بدايات تأسيسه، ليذوب تماما منذ الفترة الاولى التي انكشف فيها لا ابالية الامريكيين تجاه الموت البطيء واتضح فيها عدم قدرتهم على تنفيذ الوعود العريضة التي افرغوا جعبتهم منهما منذ لحظة السقوط حتى الان، وتبين ان خلفاء صدام لا يختلفون عنه الا في مستوى الاجرام، واصبح مشهودا للجميع عجز العراقيين عن ايجاد نخبة سياسية قادرة على النهوض بالحياة المدنية في البلاد، انهم جميعا ومنذ عقود حكموا بغداد فسرقوها ولم يقدموا لها شيئا، واستفادوا من نفط البصرة وجوعوا اهلها، هذا هو مختصر تاريخ عراقنا الحديث، لم ينجب الا مزيدا من الضيم والضياع لانبائه، جنوب على هامش التاريخ وشمال دفع اثمانا باهضة بفعل انتمائه للعراق وعاصمة لم ما عادت دارا ولا فيها للسلام مكان.
فليعذرني العراق على هذه الجرأة في الحديث عن موقف الناس منه وعن مدى ما حصل عليه ابناؤه وهم يعيشون بين حدوده. لكن هذه هي الحقيقة التي بت متأكدا من صحتها لان تاريخه امتلأ بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل