الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات فى الاحتجاجات العمالية الأخيرة في مصر

إلهامى الميرغنى

2007 / 5 / 30
الحركة العمالية والنقابية



منذ تفجرت موجة الاحتجاجات العمالية الأخيرة في مصر مع نهاية عام 2006 تحاول الحكومة البحث عن شماعة تعلق عليها سبب تفجر هذه الموجة الاحتجاجية مرة علي بعض منظمات المجتمع المدني ومرة أخري علي تنظيمات شيوعية سرية . ولازالت الحكومة تعهد بالملف العمالي للأجهزة الأمنية التي تطفئ الحرائق ولا تعالج أسباب حدوثها لتعاود الانفجار مرات أخري وفي مواقع أخري.

ولو حاولنا تأمل أهم سمات الاحتجاجات العمالية الأخيرة سنجد الآتي:
الاحتجاجات تشمل جميع القطاعات
لم تقتصر الحركة الاحتجاجية علي عمال قطاع اقتصادي محدد فهي ممتدة من الأسمنت للغزل والنسيج ومن النقل إلي الترسانة البحرية ومن الزيوت والصابون إلي الطوب الرملي والمطاحن.كما شملت الحركة عمال القطاع الخاص والاستثماري وقطاع الأعمال وحتى موظفي الحكومة والبنوك ومصر للطيران.

الاحتجاجات في جميع المحافظات
ارتفاع مشاركة الشباب والنساء
" الرجالة فين الستات أهم" شعارات الاضرابات الأخيرة
لم تقتصر الحركة علي المدن الصناعية التاريخية بل امتدت من حلوان إلي السويس ومن أرمنت إلي الإسكندرية ومن شبين الكوم والمحلة إلي كفر الدوار ومدينة السادات والعاشر من رمضان أي أنها حركة شاملة علي مستوي جميع محافظات مصر . لكن من أهم خصائص الاحتجاجات أنها جاءت من خارج جميع الأحزاب السياسية وعرت وجود هذه الأحزاب بدء من الحزب الوطني وانتهاء بكافة أحزاب اليسار التي تعاملت مع الاحتجاجات بعد وقوعها ولم تكن المحرك لها وان شارك بعض أفراد منها بحكم مواقع عملهم فى هذا الاضرابات التي قادها قادة عفويين تميزوا بالجرأة والإقدام لم تعنيهم موازنات السياسة ومفاوضات الإدارة بقدر ما يعنيهم انتزاع مطالبهم . رغم انقطاع الخبرات والتواصل بين القيادات العمالية يمكن أن نري بوضوح ميلاد جيل جديد من رحم هذه الاضرابات في شبين الكوم والمحلة وكفر الدوار وكافة المواقع العمالية يحتاج للتواصل مع خبرات الحركة العمالية وميراثها النضالي الذي يحاول البعض طمسه.

تتميز الحركة بوجود قيادات شابة في العديد من المواقع بما يوحي بميلاد عمالي جديد ، وكذلك زيادة مشاركة المرأة فى الاحتجاجات وقيادتها للإضراب كما حدث فى المحلة وكفر الدوار ومصر أسبانيا والحناوي ، بل ورفع البعض شعار "الرجالة فين الستات أهم " في عدة مواقع لعبت السيدات دور بارز فى حفز زملائهم للمشاركة فى الإضراب كما حدث فى المحلة الكبرى.

كما تميزت الحركة الاحتجاجية العمالية الأخيرة بتعرية الأحزاب نجحت أيضاً في تعرية التنظيم النقابي الحكومي الذي رفع المتظاهرين شعارات " تسقط النقابة عميلة الإدارة" كتعبير عن إرادة العمال الذين جمعوا الآف التوقيعات لسحب الثقة من نقابات فاقدة للشرعية جاءت بالتزوير وضد إرادة العمال ولكن الحركة الإضرابية كشفت انتهاء النقابات الرسمية الحكومية وهو ما يطرح علي الحركة العمالية أهمية انتزاع الحريات النقابية وبناء منظمات نقابية ديمقراطية ومستقلة بعيداً عن سيطرة الحكومة والأحزاب .

وقد حاول الأخوان المسلمين التلويح بإنشاء اتحاد بديل ولكنهم فشلوا ، كما حاول بعض عملاء الأجهزة الأمنية طرح بناء اتحاد بديل ولم ينجح . ويظل العمال يواجهون ويدخلون فى مفاوضات دون وجود منظمات ديمقراطية تنظم حركتهم من أجل الأجور الأعلى وشروط العمل الأفضل. وربما سننتظر بعض الوقت حتى يبلور العمال أشكال تنظيمية قادرة علي التعبير عن اللحظة العمالية الحالية. فهل يمكن للأحزاب أن تطرح بدائل جديدة ؟! وهل يمكن للنقابات الحكومية أن تصحح مسارها ذلك هو ما تسفر عنه الشهور القادمة.

الأجور والأسعار أهم مفجرات الاحتجاج
كانت قضايا الأجور وعدم ملائمتها للأسعار هي المحرك الرئيسي للاضرابات ولكن الحركة العمالية تعاملت معها بشكل جزئي من خلال مطالب جزئية بزيادة تسعيرة القطعة مثل عمال النسيج وسائقي القطارات أو رفع بدل الوجبة الغذائية أو صرف العلاوات الاجتماعية المتأخرة.

لم يرقي الوعي العمالي بعد لطرح شعار شامل لقضية الأجور مثل الحد الأدنى للأجور أو آليات ربط الأجر بالأسعار بل اكتفي بالشعارات الجزئية الصغيرة وهو ما يحتاج للمزيد من الدراسات المتعمقة والحركة المشتركة من أجل بلورة شعارات محددة يمكن للحركة العمالية التعامل معها فى ظل فوضي أنظمة الأجور الحالية.

كما عكست الاحتجاجات غياب دور المجلس الأعلى للأجور والأسعار الذي تم تشكيله تنفيذاً لنص قانون العمل الموحد لتحديد حد أدني للأجور وتحديد قيمة العلاوة السنوية ولكنه لم يجتمع ولو مرة واحدة منذ تأسيسه عام 2003 وحتى الآن. كذلك فقد عكست الحركة فوضي العمل فى القطاع الخاص حيث يشكوا العمال من تأخر صرف أجورهم وعلاوات اجتماعية متأخرة منذ نهاية التسعينات كما هو الحال فى مصنع الحناوي للدخان فى البحيرة وعشرات المصانع الأخرى وهو ما يحتاج لآلية ملزمة للقطاع الخاص بصرف العلاوات التي تقررها الدولة وعدم ترك العمال لسنوات بأجور هزيلة تتآكل أمام معدلات التضخم المتزايدة.

العمل المؤقت
يشكل العمل المؤقت أحد مسببات الحركة الاحتجاجية بعد أن أصبح لدينا نصف مليون يعملون بعقود مؤقتة فى الحكومة وأكثر من 50 ألف فى قطاع الأعمال ذلك بخلاف وجود عمال بلا عقود عمل فى شركات القطاع الخاص وبما يعكس خلل واضح فى علاقات العمل يتم فى ظل غيبة كاملة لأجهزة الرقابة . وبدلاً من التصدي لهذه الظاهرة تسعي الحكومة لتمرير قانون الوظيفة العامة الذي سيحول 5.5 مليون موظف إلي العمل المؤقت . لذلك جاءت إضرابات المعلمين فأكثر من مدينة وإضراب الأطباء والصيادلة في هيئة المصل واللقاح تعبير عن الحاجة لوجود علاقات عمل رسمية وثابته كما هو معمول به في أعتي الدول الرأسمالية وعدم ترك العمال فريسة لرغبات الإدارة وأصحاب الأعمال.

تكرار الاضرابات
العمال ناموا علي البلاط للحفاظ علي المصانع خلال الاحتجاجات
حاولت الإدارة فى بعض المواقع التسويف والمماطلة ولكن ذلك لم يوقف الحركة الاحتجاجية وجعلها تكرر استخدام أساليبها الاحتجاجية وعدم اليأس من التكرر وهي ظاهرة جديدة تعكس حدة التوترات الاجتماعية التي يعاني منها العمال وعدم قدرتهم علي تحمل المزيد من الضغوط.

حافظ العمال علي المصانع وشكلوا ورديات حراسة ضد أي محاولات تخريب كما حدث في كفر الدوار وأرسلت العاملات لينضم إليها أطفالها فى الإضراب في ظواهر غير مسبوقة فى تاريخ الحركة العمالية .وقد حدثت استجابة سريعة من الحكومة فى بعض المواقع ومماطلة فى مواقع أخري تعكس وجود انقسام داخل أجنحة الحكم فى كيفية التعامل مع الاحتجاجات العمالية . كما تم تعرية دور وزيرة القوي العاملة ورئيس اتحاد العمال الذي كشف انحيازهم الواضح في أكثر من موقع ضد مصالح العمال .

لقد استخدم العمال كافة أشكال الاحتجاج من جمع التوقيعات إلي كتابة العرائض إلي التظاهر والاعتصام والإضراب التباطئي والإضراب المستمر بل وحتى الإضراب عن الطعام من اجل الحقوق العمالية .

إن تفجر الاحتجاجات العمالية يعكس عمق الأزمة التي تعيشها الطبقة العاملة والتي تحتاج إلي تعامل رشيد يعيد التوازن لنظام الأجور ويعمل علي بناء علاقات عمل متوزانة تحافظ علي حقوق العمال كما تحافظ علي حقوق أصحاب الأعمال.هل تتحرك الحكومة للعلاج أم تظل تبحث عن شماعة تعلق عليها الفشل ومسئولية تفجر الاحتجاجات ؟ لقد تحمل العمال الكثير ومن حقهم أن ينالوا حقوقهم ليستمر الإنتاج الذي هو هدف الجميع.

إلهامي الميرغني
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مني عبد الوهاب: نعتمد على خبرات العاملين بالشركة المتحدة في


.. مزارعون يسعون لتطوير إنتاجهم وتسويقه في أسواق المزارعين بالإ




.. ضمن مراسم زواج ابنه.. أمباني يقيم حفل زفاف جماعيا للفقراء


.. الاتحاد العام التونسي للشغل يرفض أي تعديل أحادي لمجلة الشغل




.. -محاربة الغلاء وكسر معدل التضخم-.. مطالب مهمة لرئيس لجنة الخ