الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كان شامخا ً مثل نخلة عراقية

باقر جاسم محمد

2007 / 5 / 30
سيرة ذاتية


كان شامخا ً مثل نخلة عراقية
كانت الحياة التي أحبها الدكتور عبد الإله أحمد قد وهبته القليل، و حرمته من الكثير. و لكنه رغم ذلك كان متسامحا ً معروفا ً بخلقه النبيل و علمه الغزير؛ فقلما اجتمع العلم و التواضع كما اجتمعا فيه. كان أول من ابتدأ الدرس الأكاديمي المنهجي للسرد القصصي في العراق حين حصل على درجة الدكتوراه في الأدب الحديث من جامعة القاهرة. ثم كان بعدها أستاذا ً علما ً في تخصصه دونما ادعاء أو غرور. فهو حين يتكلم نهر متدفق، و حين يصغي فهو باحث عن الحقيقة. لكنه كان من جيل تكون معرفيا ً عند نهايات النصف الأول من القرن العشرين. و عرف القصة الفنية في صيغتها التقليدية كما كتبها موباسان و تشيخوف و همنجواي في الخارج، و كما كتبها غائب طعمة فرمان و فؤاد التكرلي و محمد روزنامجي و مهدي عيسى الصقر في الداخل. لذلك، و حين حصلت تحولات متزامنة في الإبداع و الفكر النقدي و الفلسفة في ستينيات القرن العشرين، كان الدكتور عبد الإله أحمد، مثله في ذلك مثل أستاذنا الدكتور علي جواد الطاهر، قد نأى بنفسه عن هذا الأدب القصصي الجديد الذي كتبه محمد خضير و جليل القيسي و محمد جنداري و لطفية الدليمي. كما نأى بنفسه عن المتغيرات في عالم نقد السرديات. و لعل ذلك حق له لا ينازعه فيه أحد، خصوصا ً إذا ما علمنا أنه لم يوجه طاقته الكتابية نحو مناهضة التيارات الحداثية في الكتابة. و لهذا قصة أرويها للقراء الكرام.
في النصف الأول من تسعينيات القرن العشرين، كانت هناك ندوة عن السرد القصصي في العراق. و كان الدكتور علي جواد الطاهر و الدكتور عبد الإله أحمد في مقدمة من ألقوا بحوثا ً في تلك الندوة. و قد خلا كلامهما مما لم يطلع عليه الحاضرون من آراء عـُرف بها الباحثان، فضلا ً عن كونهما قد توقفا عند جيل الخمسينيات أو ما أصطلح عليه بجيل الرواد. و قد توليت الكلام معقبا ً، و بعد أن أشدت بمكانة الباحثين و فضلهما علينا جميعا ً، علقت ناقدا ً بالقول " إن ما سمعناه الآن يمثل آخر اختلاجات منهج يحتضر." و كانت تلك عبارة قاسية. بل شديدة القسوة. و لم يرد أي من الباحثين على ما قلت. و خيل إلي حينها بأنني فقدت صداقتهما. و لكن ذلك لم يحدث. ففي زيارة إلى قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة بغداد، و كنت حينها أبحث عن صديق لي كان طالبا ً في الماجستير، قيل لي بأن طلبة الماجستير في القاعة كذا لأن لديهم محاضرة. و حين ذهبت للقاعة إياها، و قرعت الباب فتحها الدكتور عبد الإله أحمد و فاجأني بترحيب حميم. ثم ألح على بالدخول إلى القاعة فاستجبت مترددا ً لأن ذلك سيقطع المحاضرة؛ و حينها عطف الدكتور عبد الإله أحمد الحديث على النقد القصصي الحديث منوها ً بجهد القدماء الذين أسسوا لهذا النقد و منبها ً إلى جهود النقاد المحدثين، و عدد منهم باقر جاسم محمد ( و توقف ليشير إلى) و عبد الله إبراهيم و صالح هويدي و فاضل ثامر قائلا ً بأنه واثق أن جهود هؤلاء ستكمل ما بدأه الآخرون. ثم أعقب ذلك بالطلب من طلبة الماجستير أن يطلعوا على ما كتبه هؤلاء و آخرين غيرهم. و هنا انكشف لي جانب مهم من شخصية المرحوم عبد الإله أحمد، أعني موضوعيته و تسامحه فكان ذلك درسا ً لي في سعة الصدر و الحلم و القبول بالرأي الآخر إذا كان ذلك الرأي ينطوي على شيء من الرصانة العلمية. هكذا كان المرحوم عبد الإله أحمد سامقا ً مثل نخلة عراقية، و أستاذا ً يفيض علما ً و أدبا ً جما ً. و إني لعلى ثقة بأن أثره سيظل ماثلا ً و فاعلا ً في طلبته و محبيه فضلا ً عما كتبه في مجال نقد القصة و التاريخ لها. فذلك ديدن العلم الذي لا ينكر فضله إلا جاحد.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا