الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتخابات -العمل- الإسرائيلي: أزمة قيادة وشلل سياسي

برهوم جرايسي

2007 / 5 / 31
مواضيع وابحاث سياسية


كما كان متوقعا، لم ينجح حزب "العمل" الإسرائيلي في حسم الانتخابات لرئاسة الحزب، التي جرت يوم الإثنين الأخير، منذ الجولة الأولى، وهذا ليس فقط بسبب كثرة المرشحين في هذه الانتخابات المصيرية، وإنما انعكاس جديد لأزمة القيادة التي يعاني هذا الحزب التاريخي، "المؤسس" لإسرائيل منذ سنوات.
فهذه النتيجة تؤكد غياب الشخصية "النجم" القادرة على قيادة الحزب، وتقنع الجماهير الواسعة بذلك لتعيد للحزب مركز الصدارة في الحلبة السياسية، كما كان على مدى عقود، ويشكل بديلا، ولو نسبيا محدودا، لليمين في إسرائيل.
لقد أظهرت النتائج توزيع الأصوات بين ثلاث مراكز قوى أساسية، وبتفاوت قليل نسبيا بينها، فقد حصل رئيس الحكومة الأسبق، إيهود براك على قرابة 36%، والرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العامة، "الشاباك"، النائب عامي أيالون، على قرابة 31%، فيما حصل الرئيس الحالي للحزب، وزير الحزب عمير بيرتس حصل على أكثر من 22%، إضافة إلى 8% للنائب أوفير بينيس، وقرابة 3% للنائب داني يتوم.
وستنقل نتائج الانتخابات عامي أيالون وإيهود براك، إلى الجولة الثانية من هذه الانتخابات، التي من المفترض ان تجري في الثاني عشر من حزيران (يونيو).
وهذا الشكل لتوزيع الأصوات بين المتنافسين، يُنبئ بأن رئيس الحزب الجديد، بعد الجولة الثانية للانتخابات، لن يكون مختلفا عن سابقيه في السنوات الإثنتي عشرة الأخيرة، إذ سيواجه هو الآخر معارضة داخلية، تكون عائقا أمام تحركه بحرية في داخل الحزب، لتستمر أزمة القيادة، التي هي أحد أسباب تراجع قوة الحزب.
فمنذ العام 1996 وحتى الآن تعاقب على الحزب ثمانية رؤساء، من بينها ثلاث فترات لعجوز السياسة الإسرائيلية شمعون بيرس، ومن بين هؤلاء الرؤساء من لم يصمد في مقعده لأكثر من شهرين، وآخر لبضعة شهور.
أما الرئيس الأخير، الذي أطاحت به هذه الانتخابات، وزير الحرب، عمير بيرتس، فقد "نجح" في البقاء في منصبه الحزبي عام ونصف العام، وهو لم يتفاجأ بنتيجته، لعدة أسباب يعرفها هو أيضا، ومن بينها سلسلة الأخطاء السياسية والتنظيمية الحزبية التي إرتكبها منذ اليوم التالي لتوليه رئاسة الحزب، وحتى توليه حقيبة الحرب، التي بنظر الشارع الإسرائيلي لا يفقه منها شيئا، وورط نفسه فيها، وهذا موضوع معالجة قادمة نظرا لأهمية تجربة بيرتس على الساحة السياسية الإسرائيلية.
ولكن الشخص المقرر في الجولة الثانية للانتخابات، سيكون الخاسر الأكبر في الجولة الأولى، عمير بيرتس، لأن من سيفوز بالجولة الثانية من بين الإثنين، أيالون وبراك، سيكون بحاجة إلى تأييد جارف من بيرتس، والسياق الطبيعي لسلسلة تصريحات بيرتس خلال الحملة الانتخابية، يعني ان بيرتس من المفترض أن يدعم أيالون، وهذا ما سيحصل على الأغلب، ولكن في السياسة الإسرائيلية، حيث المصالح الذاتية تنتصر على اكبر المعتقدات والبرامج السياسية، فإن كل شيء وارد.
كذلك وحسب استطلاعات الرأي فإن أيالون هو صاحب الإمكانيات الأكبر للفوز برئاسة الحزب في الجولة الثانية، ولكن الاحتمال الآخر، أي فوز براك، وإن كان ضئيلا، فإنه وارد في هذا المجال.
وسيكون تأثير مباشر للشخص الفائز على مستقبل حكومة إيهود أولمرت، فقد أعلن أيالون، قبل أسبوعين، أنه يرفض استمرار الشراكة في الحكومة الحالية برئاسة إيهود أولمرت، وأنه مستعد لاستمرار هذه الشراكة شرط استبدال أولمرت بشخصية أخرى من حزب "كديما" الحاكم، وقد جاء إعلان أيالون متسرعا جدا، متأثرا من الضجة التي كانت في إسرائيل، في أعقاب ظهور التقرير المرحلي للجنة الفحص لمجريات الحرب على لبنان، التي وجهت انتقادات شديدة لأولمرت وبيرتس.
إذ لم ينتبه أيالون إلى أنه مرشح لتولي رئاسة حزب ليس مستعدا وليس قادرا، في هذه المرحلة، على خوض انتخابات برلمانية مبكرة، تنقذه من تدهور جديد كما تتنبأ له استطلاعات الرأي، فإذا ما أصر أيالون على موقفه، وفي المقابل رفض أولمرت الاستقالة، فقد تؤدي هذه الحالة إلى انهيار الائتلاف الحكومي القائم، ويفسح المجال، "نظرياً" لانتخابات مبكرة.
وقد استدرك أيالون تسرّعه، لا بل تورطه في هذا الالتزام، وهذا ما يثبته تصريحه في اليومين الأخيرين قبل الانتخابات، حين قال إنه لن يتخذ أي قرار يتعلق بالشراكة في الحكومة من دون التشاور مع قيادات الحزب والتوصل إلى قرار توافقي في ما بينهم.
أما التزام إيهود براك فإنه أقل عبئا على الحزب، إذ أعلن موافقته على البقاء في حكومة أولمرت، شرط تعيين موعد للانتخابات البرلمانية المبكرة في غضون ستة أشهر، وهذا على الأغلب لن يحصل، لأن استبدال أولمرت المتوقع، في الصيف القادم، قد يغير المشهد الحزبي بصورة كبيرة.
ولكن السؤال المركزي في "موسم الانتخابات" هذا، هو مصير هذا الحزب على المدى الأبعد، ومدى احتمال عودته إلى مركزه السابق في الخارطة السياسية الإسرائيلية، حينما كان يتناوب على السلطة أمام حزب "الليكود"، الذي تهاوى في الانتخابات الماضية، وتتنبأ له استطلاعات الرأي عودة قوية، وحتى مركز الصدارة، في أي انتخابات برلمانية قادمة، وفق الظروف الراهنة.
إن المشكلة الأساسية التي تقف من خلف تهاوي حزب "العمل"، هو التناقض الداخلي الحاصل لديه على المستوى الايديولوجي الصهيوني، بين ضرورة إخراج إسرائيل من دائرة الصراع الدائم في المنطقة، وبين عدم التخلي عن الحلم الصهيوني الأكبر، أو الاعتقاد بأن الحل المطروح دوليا سيكون بداية النهاية لإسرائيل، كما الكثير من الإسرائيليين.
وهذا صراع موجود في الشارع الإسرائيلي ككل، منذ أن اصطدمت إسرائيل بواقع انهيار "بقراتها المقدسة" التي قامت عليها، مثل "عدم وجود شعب فلسطيني"، والاحتفاظ بما يسمى "كل أرض إسرائيل" (فلسطين التاريخية)، و"التأقلم في الأسرة الدولية بصورة طبيعية من دون حل الصراع"، وينضم إلى كل هذا الهاجس الإسرائيلي الصهيوني من "الخطر الديمغرافي" وتراجع الأغلبية اليهودية في مناطق 1948، ناهيك عن فلسطين التاريخية.
فعلى الرغم من أن حكومة حزب "العمل" قادت في العام 1993 المفاوضات التاريخية مع منظمة التحرير الفلسطينية، في مسار اتفاقيات اوسلو، وما تبع ذلك من اتفاقيات وانفراجات إقليمية مرحلية، إلا أنه في النصف الثاني من سنوات التسعين، تراجع الحزب وغيّب برنامجه السياسي كبرنامج مستقل، غير خاضع لاملاءات اليمين الإسرائيلي، وبالتالي تحول إلى حزب ظل في الساحة السياسية، وهذه حالة لا تزال قائمة حتى اليوم.
فحتى عندما عاد "العمل" إلى الحكم في العام 1999 برئاسة إيهود براك، لم ينجح الحزب في إثبات وجوده على الساحة السياسية كحزب قوي، وظهر مجددا كحزب تابع لتوجهات اليمين، وتعمقت لديه ظاهرة عدم وضوح الرؤية، فقد كان يظهر وكأنه معني بدفع العملية السياسية، ولكنه لم يُقدم على أي من الخطوات الفعلية التي من شأنها دفع عملية السلام.
على المدى المنظور لا يوجد ما يمهد لانقلاب حقيقي في حزب "العمل" ليكون بديلا بشكل نسبي لسياسية اليمين الصهيونية، وهذا أمر ملموس في الشارع الإسرائيلي، الذي لم يعد يمنح الثقة لهذا الحزب، كالحزب القادر على قيادة السلطة، وإنما كحزب من الدرجة الثانية، وعلى الرغم من هذا فإنه من السابق لأوانه القول إن حزب "العمل" بات أقرب للغياب الكلي عن الخارطة السياسية الإسرائيلية.
المتوقع الآن، ووفق هذه النتائج، أن تبقي هذه الانتخابات على أزمة القيادة التي يعاني منها حزب "العمل" منذ سنوات، وبالتالي استمرار الغوص في حالة الشلل السياسي، وتغيير هذا الوضع، هو ظهور الرئيس المنتخب بحلة جديدة، تستطيع إقناع الجمهور بإمكانية التحول الجذري المعاكس لتوجهات اليمين المتطرف، التي تسيطر بشكل مباشر وغير مباشرة على رأس الهرم في سدة الحكم الإسرائيلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صور أقمار اصطناعية تظهر النزوح الكبير من رفح بعد بدء الهجوم


.. الفيفا يتعهد بإجراء مشورة قانونية بشأن طلب فلسطين تجميد عضوي




.. مجلس النواب الأمريكي يبطل قرار بايدن بوقف مد إسرائيل ببعض ال


.. مصر وإسرائيل.. معضلة معبر رفح!| #الظهيرة




.. إسرائيل للعدل الدولية: رفح هي -نقطة محورية لنشاط إرهابي مستم