الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقدسات ألمانية

محمد نبيل

2007 / 5 / 31
العولمة وتطورات العالم المعاصر


تستعد ألمانيا لاستضافة قمة كبرى الدول الصناعية الثماني وذلك من السادس إلى الثامن من يونيو ـ حزيران المقبل. وستعقد هذه القمة في منتجع "هايليغيندام" بولاية ميكلينبورغ فوربومارن الشرقية. لكن قبل عقد اجتماع زعماء دول مجموعة الثماني ،وقعت العديد من الأحداث المثيرة و التي تكشف عن وجود موجة من الغضب والرفض المعبر عنها من طرف مناهضي العولمة في ألمانيا . فمنذ أكثر من أسبوعين قامت الشرطة الألمانية بحملات تفتيشية للعديد من الأماكن التي يعتقد أنها تأوي معارضي قمة الثمانية والعولمة للاشتباه بنية بعضهم التخطيط للقيام بأعمال إرهابية أثناء انعقاد القمة .وقد أدى هذا الوضع بوزير الداخلية الألماني وولفغانغ شويبلي إلى التهديد باعتقال كل من يزعج مسار القمة والزج به في السجن لمدة 14 يوما على الأقل للحيلولة دون زعزعة الأوضاع الأمنية . تحذيرات الوزير الألماني تلاها إصدار شرطة مدينة روستوك القريبة من منتجع "هايليغيندام" لقرار بمنع التظاهر بالقرب من السور الذي يحيط بمقر القمة مما اثار الكثير من الردود الرافضة بألمانيا، حيث شهدت عدة مدن مظاهرات حاشدة للتعبير عن الاحتجاج ضد قرارات الحكومة الألمانية بخصوص مسألة التظاهر ضد قمة دول مجموعة الثماني.

مسلسل الاحتجاج الألماني لم يقف عند هذا الحد، بل قامت المنظمات المدنية و الفعاليات التي تنوي التظاهر بالقرب من مكان عقد القمة،برفع دعوى قضائية لدى المحكمة الإدارية ضد قرار المنع. المحكمة المعنية أصدرت قرارها بالترخيص بالتظاهر شريطة أن يتم ذلك على بعد 200 متر من السور الذي يحيط بالمقر الذي سيحتضن القمة.

قرار المحكمة الإدارية يضعنا أمام قضية أساسية، ويتعلق الأمر بالعلاقة التي تربط المواطن بالدولة. فالقضاء الألماني مستقل ، و يحق لأي مواطن أو منظمة متابعة أي طرف في حالة إحساسه بالضرر ،ولو كان رئيس الدولة هورست كولر . والسبب بسيط جدا، يتجسد في وجود مقدسات ألمانية لا ينبغي المساس بها ،و على رأسها الدستور الألماني الذي يؤكد في مادته الأولى على كرامة الإنسان والتزام سلطة الدولة بالحقوق الأساسية كما يقرُّ في مادته الثالثة على كون كل البشر سواسية أمام القانون ، الرجال و النساء متساوون في الحقوق ، و الدولة تشجع التطبيق الحقيقي للمساواة بين الرجال و النساء وتسعى جادة لإزالة أي غبن قائم في هذا المجال . فحسب دستور ألمانيا لا يجوز التمييز أو إلحاق الغبن بأحد،بسبب جنسه عرقه،لغته،وطنه،أصله،عقيدته ، رؤيته الدينية أو السياسية أو بسبب إعاقة فيه .


من المعلوم، أن الخطوط الحمراء موجودة كل بقاع العالم، لكن في بلد الفلاسفة فقد سمحت هذه الخطوط للمنظمات المدنية بكسب المعركة و انتزاع قرار المحكمة الإدارية الذي أكد على حق التظاهر وفق المقاييس الأمنية و القانونية. فقرار المحكمة دفع بالمستشارة ميركل إلى الترحيب بمشاركة الكثيرين في أنشطة و احتجاجات تبين تأييدهم لعولمة عادلة وإنسانية و القول بأن العنف ليس وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية. أما وزير الداخلية الألماني فولفجانج شويبله فقد تراجع عن بعض مواقفه ، وأبدى تعاطفه مع المظاهرات المعارضة لقمة الثمانية في مدينة "هايليغيندام" الألمانية ، إذ قال في حديث مع صحيفة "بيلد أم زونتاج" الشعبية : "إذا أراد الناس أن يلفتوا الأنظار إلى أن الأمور لا يمكن أن تستمر بهذا الشكل فيما يخص أفريقيا أو السياسة المتعلقة بالمناخ فلا يسعني إلا أن أرحب بذلك".

ما يمكن استخلاصه من هذا المسلسل الألماني الذي تدور أطواره حول مناهضة العولمة و قمة دول مجموعة الثماني ،هو أن الخطوط الحمراء الألمانية تكشف بوضوح على أن القانون يعلو و لا يعلى عليه ، و أن المواطنين سواسية أمام القانون. فالدستور مقدس لأن مؤسسه هو الشعب الألماني الذي له سلطة التشريع و التنفيذ وفق مؤسسات تسهر على ذلك. المقدسات الألمانية تحترم الحق و تؤكد على الواجب .

لقد علمنا الفيلسوف و العالم الفيزيائي ألبرت اينشتاين أن كل الأمور نسبية بما فيها العلم الدقيق، و بالتالي فالديموقراطية الألمانية ناقصة و هنا تكمن قوتها . إنها تطورية تبحث عن كمالها بشكل يومي . فالمجتمع الألماني له الحق في المساءلة و الشك و المناقشة العمومية من أجل بناء متواصل لدستور يحفظ الكرامة الإنسانية. فالخطوط الحمراء الألمانية تطورية ، خادمة للمواطن بل تسمح بالمراجعة و تطوير أداء المؤسسات . وبفضل المساءلة وروح البناء قامت ألمانيا من رمادها بعد الحرب العالمية الثانية كطائر الفينيق ،و أضحت قوة اقتصادية ثالثة عالميا و شريك سياسي لا يمكن التخلي عنه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موريتانيا: ماذا وراء زيارة وزيريْ الدفاع والداخلية إلى الحدو


.. إسرائيل وحسابات ما بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة في غزة




.. دبابة السلحفاة الروسية العملاقة تواجه المسيرات الأوكرانية |


.. عالم مغربي يكشف عن اختراع جديد لتغيير مستقبل العرب والبشرية




.. الفرحة تعم قطاع غزة بعد موافقة حماس على وقف الحرب