الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما تتصارع الفيلة ، العشب يدفع الثمن

ليث زيدان

2007 / 6 / 2
القضية الفلسطينية


العشب هنا -إذا جاز لي التعبير- هو الشعب الفلسطيني . وأما فتح وحماس أو عذراً المتنافسون من فتح وحماس فيمكن تخيلهما بالفيلة . فكيف يا عزيزي القارئ يمكنك أن تتوقع أن يكون المنظر . أنه منظر دموي ومأساوي بلا شك . ولكن الغريب في كل ما يجري من تصارع بين الفيلة ، هو قبول العشب بأن يدفع الثمن في كل مرة ، وبدون أن يدري أي أحد ، من أجل ماذا ؟! ومن أجل من ؟! وما هي المصلحة ؟!.
والأكثر غرابةً من ذلك ، هو خروج هذه الفيلة بعد تصارعها الدامي ، وفي كل مرة ، مخاطبةً العشب بأنه ( تم الإتفاق على وقف إطلاق النار . تم الإتفاق على سحب المسلحين من الشوارع . تم الإتفاق على التهدئة . تم الإتفاق على تشكيل لجنة خاصة بالأحداث الأخيرة ) ، لتعود من جديد إلى صراعها ، مطلقةً في نفس الوقت التصريحات التخوينية والإتهامات اللامحدودة محملةً الآخر مسؤولية ما يجري .
ولا أعلم إذا كان هناك مصطلح أقوى يمكنني إستخدامه بدلاً من مصطلحات ( مستهجن ، غريب ، عجيب ) ، فحقيقةً لم تعد تسعفني المصطلحات لتوصيف ما يجري على ما يبدو . ولكن سأقول ، من المفجع أن يدفع العشب الثمن في كل مرة ، والأكثر إفجاعاً أن يقتنع هذا العشب بتوقف هذه التصارعات بمجرد إصدار البيانات بسحب المسلحين من الشوارع ووقف إطلاق النار والإتفاق على التهدئة وتشكيل لجنة تحقيق !!! .
والسؤال المطروح هنا هل مشكلتنا الأساسية بوجود المسلحين في الشوارع وإطلاق النار وعدم وجود تهدئة وعدم تشكيل لجنة تحقيق ؟! . والأهم من ذلك ما هو الحل ، هل هو بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي طالب بها الجميع ؟ .
أعتقد جازماً بأن الظواهر والمظاهر أو سمها ما شئت من التسميات التي نشاهدها يومياً ونأكل من حسراتها في كل لحظة ، إبتداءاً من وجود المسلحين في الشوارع ومروراً بحوادث إطلاق النار وجرائم الإغتيالات وإنتهاءاً بتشكيل لجان التحقيق ، هي إفرازات طبيعية وطبيعية جداً لمشكلتنا الأساسية ، فالفيلة تحاول معالجة الإفرازات ولا تزال تدور حول المشكلة الأساسية . فإذا كانت المشكلة في وجود المسلحين في الشوارع ، والحل يكمن في سحبهم من الشوارع ، فلماذا هم بالأساس موجودين في الشوارع !!. وإذا كانت المشكلة بإطلاق النار وإغتيال المناضلين ، والحل يكمن بالتهدئة ، فلماذا ترسل الفيلة بالأساس رجالها لإطلاق النار والقيام بجرائم الإغتيالات ، وإذا كانت الفيلة لا تعلم بما يقوم به رجالها ، فلماذا لا تحاسبهم على الأقل تنظيمياً وترفع الغطاء عنهم !!. وإذا كانت المشكلة في عدم وجود لجان تحقيق ، والحل يكمن بتشكيلها ، فلماذا لا تقوم هذه اللجان بدورها في التحقيق ولماذا لم نشاهد نتائجها وهي كثيرة تبعاً للحوادث المرافقة لها !!. فعلى سبيل المثال لا الحصر ، أين نتائج لجان التحقيق الخاصة بمقتل العقيد راجح أبو لحيه ، واللواء موسى عرفات ، والعميد جاد التايه !! ، وأين هي نتائج تلك اللجنة الخاصة بجريمة قتل الشهداء الأطفال الثلاثة أبناء المقدم بهاء بعلوشه !! ، فأين هي هذه اللجان ؟! ، وأين نتائجها ؟! ، ومن حاسبت ؟! ، وكيف يمكن أن يقتنع الشعب ويقبل بلجنة تحقيق أخرى بجريمة قتل العميد غريب في بيته ومن كان معه من مرافقين وأحد كوادر حركة فتح في غزة وغيرهم ؟!.
الحقيقة التي يجب أن تقال في توصيف الحالة ، أن مشكلتنا الأساسية ليست بتلك المظاهر أو الظواهر التي ذكرتها ، فهي كما قلت سابقاً إفرازات المشكلة ونتائجها الطبيعية ، وإنما تكمن ( بالشرعية والبرنامج ) ، تلك الشرعية المستمدة من الشعب الفلسطيني وذلك البرنامج الذي ستقوم عليه السلطة الوطنية الفلسطينية .
فكلا الفيلين يدعي إمتلاكه لتلك الشرعية وبالتالي إنكارها عن الآخر ، وكليهما يمتلكان برنامجين متناقضين لقيادة السلطة الوطنية الفلسطينية على أساسه وبروح تلك الشرعية .
وأنا اعتقد أن كليهما يمتلك تلك الشرعية . فحركة فتح ببرنامجها القائم على السلام نالت شرعية الشعب الفلسطيني ، بإنتخاب قائدها العام رئيساً للسلطة الفلسطينية من خلال انتخابات حرة نزيهة ديمقراطية شهد لها الجميع . وحركة حماس ببرنامجها القائم على المقاومة نالت شرعية الشعب الفلسطيني ، بحصادها لأغلبية مقاعد المجلس التشريعي وأيضاً من خلال انتخابات حرة نزيهة ديمقراطية شهد لها الجميع .
والذي زاد من تعقيد هذه المشكلة هو عدم إدراج نص دستوري في القانون الأساسي يحسم هكذا مشكله ، فكيف يمكن القيادة برأسين متناقضين ؟! .
والحال هذه ، هل يمكن لحكومة الوحدة الوطنية أن تكون الحل الناجع للخروج من هذه الأزمة ؟. أنا أعتقد بأن الحديث عن حكومة وحدة وطنية كحل سحري وبدون التنازل عن إحدى البرنامجين لحساب الآخر ( وأقول هنا التنازل الكامل ) ، هو ضرب من الخيال وحديث بعيد كل البعد عن الواقعية وإهدار للوقت لصالح الإحتلال الذي يبحث عن الوقت لتنفيذ مخططاته . فأين مكان الوحدة الوطنية في ظل تضارب البرامج !!. وإذا قال أحدهم أنه تم الإتفاق على وثيقة الأسرى كحل وطني يجمع كل الأطياف ، فسأقول وبكل بساطة أن النوايا غير صادقة ، فإذا كنا قد إتفقنا على برنامج موحد يتمثل بوثيقة الوفاق الوطني أو بما يعرف بوثيقة الأسرى ، فلماذا يخرج البعض مفسراً للبنود تارةً ومنكراً لبنود ومعدلاً لبنود تارةً أخرى ، ليعيدنا مرةً أخرى للمربع الأول المتمثل بتناقض البرامج ، وما اتفاق مكة إلا دليل على ذلك .
مرةً أخرى والحال هذه ، هل نبقى في سجال دائم بين الحق والباطل ، والشرعية وإنكار الآخر ، في حين الشعب يعاني الأمرين من الجوع والفلتان الأمني والسياسي والإجتماعي ، وفي حين آخر يمارس الإحتلال الإسرائيلي تنفيذ مخططاته وإعتقالاته وإغتيالاته وقرصنته .
أعتقد أن ملاذنا الأخير والوحيد هو العودة مرة أخرى للشعب ليقول كلمته من خلال صناديق الإقتراع وليختار أي البرنامجين يريد وبالتالي يتحمل مسؤولياته بأمانة وإخلاص .
فعدم حل هذه المشكلة سيؤدي بدون أدنى شك إلى تفاقمها وزيادة إفرازاتها السلبية ، وستؤدي للأسف إلى حرب أهلية ستأكل الأخضر واليابس ، وبالتأكيد سيبقى العشب هو الوحيد الذي يدفع ثمن صراع الفيلة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كبسة سعودية على أصولها تحضير الشيف عمر ????


.. ا?شهى وا?سرع سندويشات بطريقة الشيف عمر ????




.. قصف وعمليات عسكرية إسرائيلية موسعة في رفح.. ولكن؟


.. القمة العربية في البحرين: هل ينجح -إعلان المنامة- في وقف إطل




.. -حنين إلى موسوليني-.. مجموعات الفاشية الجديدة تنتشر في إيطال