الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوارات مهدي بندق – 7 - مع أدونيس

مهدي بندق

2007 / 6 / 1
مقابلات و حوارات


توضيح للقارئ
 التقيت الشاعر والمفكر الكبير د. علي احمد سعيد "أدونيس" في أكثر من مناسبة تبادلنا فيها الحديث، تقديرا متبادلا، حول قضايا الثقافة العربية. ثم حدث أن استضافته مكتبة الإسكندرية ضمن برنامج الباحث المقيم للفترة من 5 إلى 15 نوفمبر 2006. وبالطبع حرصت على حضور محاضراته مشاركا بمداخلات –اخشي أنها كانت ساخنة بعض الشيء- فكان من الطبيعي أن نتفق على إجراء حوار بيني وبينه للنشر بالمجلة، التي أبدى –متلطفا- إعجابه الشديد بها. من جانبي فقد تركت له مسألة تحديد موعد ومكان اللقاء الخاص لإجراء الحوار المتفق علية، مقدرا جدول أعمالة الحافل. وأخيرا اتصل بي هاتفيا صبيحة يوم الثلاثاء 14-11-2006 ليبلغني استعداده للقاء في تمام السادسة من هذا اليوم في فندق فلسطين بالمنتزه. وحين صارحته بأنني أتحرز من قيادة سيارتي ليلا لمتاعب بصرية، أسرع بتقديم عرض منة كريم، أن يرسل إلي بسيارته المخصصة من جانب المكتبة لتنقلاته الشخصية، فشكرته واقترحت علي أن ابعث إلية على فاكس الفندق مسودة الأسئلة، كسبا للوقت، فرحب متحمسا للاقتراح، وعلى الفور بعثت إلية ما طلب.
 حوالي الرابعة مساء، فوجئت باتصال من الصديق الدكتور يوسف زيدان مدير المخطوطات بالمكتبة وممثلها في برنامج الباحث، يعتذر عن إرسال السيارة، قائلا أن قائد سيارة أدونيس توجه إلى القاهرة في مأمورية عمل، فقلت للصديق يوسف: لا بأس، سوف أتصرف أنا بمعرفتي.
 وبالفعل رتبت الأمر بحيث يقلني نجلي بسيارته إلى مكان اللقاء في الموعد المحدد. إلا أني فوجئت للمرة الثانية بالشاعر أدونيس يتصل، وكانت الساعة قد بلغت الخامسة والنصف مساء، معتذرا بان الأسئلة تحتاج إلى وقت لدراستها وإعداد الرد عليها، ووعد بإرسال الأجوبة بالبريد الإليكتروني بعد أيام قلائل.
 لكن الأيام انقضت، ولم يفي "المثقف العربي" بوعده! إذن فليكتفي "القارئ العربي" بالاطلاع على الأسئلة وليحاول هو –بنفسه- أن يخمن الإجابات.



 في البداية أود أن تعلم أنني واحد ممن قرءوا مشروعك الشعري الفكري قراءة منتجة، أي القراءة التي تدفع إلى الكتابة سواء بالاتفاق أو الاختلاف، بالمداخلة للتوازي أو المداخلة بالتطوير، وفي هذا السياق كتبت في دراستي المعنونة "حداثتنا المحاصرة" أقول أن أدونيس بثابتة ومتحولة إنما كان يشتجر مع الثقافة العربية على مستوى تاريخ الأفكار، دون التفات منة إلى أن هذه الثقافة العربية لم تكن إلا انعكاسا لأنماط وعلاقات الإنتاج السائدة، أو التي كانت سائدة فيما قبل الإسلام، وبعد ظهور الدولة العربية. ولقد قلت أنت لي في معرض رفضك لهذا المنهج المادي التاريخي أن الأدب في أمريكا اللاتينية متقدم على البنية التحتية، وهذا صحيح، ولكنة لا يجعلني مخطئا، فليس البناء وحدة الممثل للبناء الفوقي. بالطبع البناء الفوقي تتمثل فيه فلسفة المجتمع، وأعرافه، وتقاليده، ودرجة تطوره القانوني، أما الأدب –بشكل خاص- فقد يسبق هذا البناء بفضل اعتماده على خاصية الخيال الإنساني وعلى تأثر المبدعين بإبداع نظائرهم في المناطق المتقدمة من العالم. وهنا يبدو تفسيرك لتخلف الثقافة العربية غير مرتكز على أسس منهجية صلبة. والآن وأنت نفسك تعيد قراءة كتابك "الثابت والمتحول" بعد أكثر من ثلاثين عاما على نشرة، أراك مازلت تراوح في موقفك دون أن تتخذ خطوة أكثر تقدما. ولا اعني بذلك ضرورة انتهاج منهج محدد، فما بعد الحداثة، أنتجت مناهج مختلفة وفعالة مثل التفكيك Deconstructive method، وإحلال الحكاية الصغرى Les petite recite محل الحكايات الكبرى Meta-recites على نحو ما فعل فرانسوا ليوتار وغيرة، فضلا عن النسبية وانتقاد العلم ذاته على يد بول فيرا آبند.
 ................................................................................................... ....................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................
 عودة إلى كتابي "حداثتنا المحاصرة" -وأظنك قرأته- قلت أنا إن التراث لا يرادف الماضي، لأن التراث إذا كان موجودا هناك انطولوجيا، فهو حاضر هنا على المستوى الإبستيمي، وهو ما لا يمكن أن ينكره حتى أدونيس، ورغم هذا فلقد راح أدونيس يوحد ما بين الحاضر الفاسد، وبين مجمل التراث من ناحية، ومن أخرى راح يوحد ما بين مستقبل حر مأمول وبين فكر يراد له أن ينبع من العدم. فإذا شئنا أن نقيم قطيعة ثقافية مع الماضي (لاحظ أنني أقول قطيعة ثقافية وليس قطيعة معرفية بالمعنى الذي يشير إلية العلم) لو أننا فعلنا لكان علينا أن نعدم الماضي، ولكان حاضرنا بالضرورة عدما، فكيف للعدم الحاضر أن ينجب شيئا في المستقبل، وقلت أيضا أن الحاضر ليس كله فسادا، وإلا فهل لنا أن نعد معارضي الفساد فاسدين؟ أنت تقول أن الارتباط بالتراث إنما تقوم به الفئات الوارثة المسيطرة الموحدة بين سيادتها على النظام وسيادتها على الكلام، وأنا أقول أن الارتباط بالتراث يقوم به المسيطرون والراغبون في التحرر من الهيمنة، ولكن كل من زاويته، وإلا فقل لي كيف يمكن للاشتراكيين مثلا أن يبنوا المجتمع اللاطبقي دون اشتباك يعترف بوجود الرأسمالية؟ لقد حدث بالفعل أن حاول بعض الطوباويين –مثل سان سيمون- أن يتجاهلوا النظام الرأسمالي برمته، فكان الفشل مصير تجربتهم. ورغم ذلك كله فأنت نفسك لا تقطع مع التراث بشكل كامل ونهائي، بل تحبذ تحديث تجربة القرامطة وصولا إلى مفهوم اصح للدين.. إلا يعتبر هذا منك انسياقا لرؤية أيديولوجيه وان كانت معاكسة للأيديولوجية السائدة؟و أليس الأصح أن نقوم ببناء رؤية معرفية تتأسس على التراكم العلمي والذي لم تخل منة الثقافة العربية في عصور ازدهارها؟
 ................................................................................................... ....................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................
 انطلاقاً من المنهج الذي انتهجته بغية تطوير المادية التاريخية لتتسع أمام احتمالات المستقبل، في ظل الثورة الثالثة –اعني ثورة المعرفة باقتصادها الرمزي، وسلطاتها المتعددة اللامركزية- أرى انك شاعر ما بعد حداثي (ولنتذكر أن إبداعك هنا يتجاوز حدود الثقافة العربية السائدة، ومن ثم فهو لم يدخل بعد في بنائها العلوي) لكنك كمفكر تسعى إلى خلخلة وتفكيك هذا البناء الذي أكلة الصدأ، وفي هذا السياق ترى أن اللغة العربية تواجه أزمة وجود، تقول ذلك آسفا، حاملا على جيل جديد يتعامل مع اللغة العربية كما لو كانت لغة ثانية وليست اللغة الأم. وأنا أسالك ومتى كانت اللغة العربية هي لسان الأم mother tongue بالنسبة للمصريين أو للعراقيين أو لأبناء الشام؟ المصريون مثلا كانوا ولا يزالون يتحدثون اللغة المصرية –التي نصفها بالعامية تقليلا لشانها- ولولا ضغوط الحكام العرب منذ عام 87ه بتعميم العربية لغة رأسمالية للدواوين، لظل المصريون يتحدثون ويقرئون ويكتبون بلغتهم الوطنية. بالطبع سيقول الأيديولوجيون أن اللغة العربية سبيلنا إلى الوحدة. فماذا عن الوحدة الأوروبية التي تبنى اليوم من خلال توحيد السوق، وأنا طبعا لا اقصد أن نعطي ظهورنا للغة العربية، بل اعني فحسب أن نقوم "بتعويمها" –بالتوازي مع اصطلاح تعويم العملة- فإما أن تثبت جدارتها بالحياة، وإما أن تختفي كما اختفى غيرها من اللغات التي أهمل أصحابها وتجمدوا. أليس هذا هو التحدي الثقافي الأكبر في حياتنا اليوم؟
 ................................................................................................... ............................................................................................................ ........................................................................................................................................................................................................................ ........................................................................................................................................................................................................................
 أثبتت المسيرة التاريخية أن الديمقراطية هي أفضل الوسائل "السيئة" لممارسة السلطة. وفي العالم العربي نرى شعوبه ما زالت بعيدة عن هذه الممارسة. البعض يعزو السبب إلى تراث الاستبداد، لكنني أرى أن الثقافة –بحسبانها منظومة للأفكار والسلوكيات المطابقة للتطور الإنتاجي- هي أساس هذا التباعد، فالإنسان العربي لا يؤمن في قراره نفسه أنة سيد مصيره، بل لعلة يلتذ بكونه خاضعا لغيرة، إذ يعفيه ذلك من تحمل المسؤولية الذاتية، أفلا ترى معي أن ثمة ضرورة لمحاولة فكرية استباقية Anticipatory تسعى إلى تفكيك ثقافة الإذعان والرضا بالجبرية هذه، تلك التي حالت بيننا وبين "مقصرة المعرفة" Knowledge economizing بمعنى إدخال المعرفة في المكون الرأسمالي لمؤسسة الدولة، والمؤسسات الإنتاجية الأخرى محلية كانت أم أجنبية، على نحو ما فعلت الصين واندونيسيا وماليزيا، ومنظومات العقائد الدينية، وجلاميد المذاهب السياسية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجوع يفتك بالسودان.. فما التداعيات؟ وهل من حل للأزمة؟ | #را


.. عين نتنياهو على النووي الإيراني.. إسرائيل تعيد تشكيل فرَق مر




.. كيف تؤثر المناظرة الرئاسية المرتقبة على حظوط كل من بايدن وتر


.. إسرائيل وحزب الله.. سباق الدبلوماسية والنار | #ملف_اليوم




.. -بدون جمهور وردود محددة المدة-.. تفاصيل أول مناظرة مرتقبة بي