الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الراحل عوني كرومي وتجربته الاولى مع المسرح الكردي

كريم بياني

2007 / 6 / 2
الادب والفن


(في المقال السابق تحدثت بأقتضاب شديد عن ظروف اللقاء بالراحل عوني كرومي وكيف أن هذا اللقاء تمخض عن عمل مسرحي بعد أن وقع الاختيار على نص (صراخ الصمت الاخرس) لمحي الدين زنكنه. النص مكتوب في نهاية الستينات من القرن الماضي وسبق له أن قدم ولأول مرة عام 1986 على قاعة مسرح الستين كرسي في بغداد. تم الاختيار هذه المرة من قبل جمعية رفند الثقافية في برلين من أجل أعادة المسرحية باللغة الكردية من خلال ترجمة قمت بها وقام على اخراجها الراحل عوني كرومي ـ الذي سبق وأن عايش التجربة السابقة ـ مع الممثلين موفق رشدي وعمر توفي لكي يقدم على المسارح الالمانية، وفعلا تم تقديم المسرحية لثلاث مرات وعلى قاعات مختلفة في برلين بعد أن قدمت للمرة الاولى في العاشر من نيسان عام 1999 وقدمت بعد ذلك في مدينتي لوبيك الالمانية وكذلك في هولندا، الجمعية المشار اليها لم تعد قائمة الان وعوني كرومي لم يعد بيننا، لكن ما تركه من بصمات وخبرة وفن وكلمات سوف تظل تثير فينا الحماس والاصرار على التواصل، وما قدمه من جهد سخي من خلال هذه التجربة الثرية معنا ومع المسرح الكردي؛ حري بالأشارة والتسجيل، وفاءً لذكراه وللتاريخ).

يتحدث الدكتور عوني كرومي عن تجربته الأولى هذه مع المسرح الكردي:
المسرحية تدور حول حياة شخصين مجهولي الإقامة والطبقة ولكننا نتعرف على التمايز بينهم من خلال شخصية المقطوع الأيدي الذي يمثله عمر توفي والشخصية السوية التي يمثلها موفق رشدي.
من خلال النص والمعالجة نجد أن الحرب تشكل خلفية لمصير وأقدار الشخصيات من خلال إضفاء الروح الواقعية المعاشة والأحداث التي تغطي مجمل علاقاتهم المتناقضة والتي يسود فيها سوء الفهم مرة والتناقض الحاد مرة أخرى, حيث يتحول الضحية إلى جلاد والجلاد إلى ضحية, فها هي أصوات الحرب التي قذفت بهم إلى المجهول في الزمان والمكان من كردستان إلى العالم فالهجرة والضياع والارتحال والانتظار تمتزج مع أصوات الحرب الهادرة لكي تسلط الضوء على ارتحال وانهيار ودمار هذه الشخصيات؛ فالارتحال إلى الغربة والمنفى يحمل في داخله الكثير من المعاناة, فنحن أمام شخصيات لا تعرف مصيرها مثلما لا تعرف مستقبلها.
تتسم هذه المسرحية كونها تعبر عن عبث الحياة وعن الاستلاب الذي يعيشه إنسانا المعاصر, فأصوات الجوع والقمع والخوف تبقى ملازمة لكل الوضعيات والحالات التي تعيشها الشخصيات, إنها صرخة ضد الاغتراب والاستلاب الذي يعيشه إنسانا الكردي ألان, كما أنها صدمة أخلاقية وفكرية للمشاهد بهدف أن تشمله بالمعاناة وتدفعه إلى التفكير لأنها مسرحية تدين الواقع وتعريه وتطرح العديد من الأسئلة عن من نحن؟ من نكون؟ والى أين نذهب؟ و ما هو المستقبل الذي ينتظرنا؟ وما العمل لأجل خلاصنا؟.
في العرض الأول لمسرحية محي الدين زنكنه (صراخ الصمت الأخرس) سيطرت فكرة العبث من الحياة أو لامعنى الحياة والسخرية منها ومن العالم الذي نعيش فيه حيث فقد الإنسان قدرة التواصل والقدرة على التغيير، هذه الحالة التي شملت وجودنا؛ حيث هيمن الإعلام كوسيلة من وسائل إشاعة الرعب والخوف من المستقبل، فاتخذنا من التلفزيون وسلطة الإعلام مفردة حاولنا خلالها إدانة الواقع الذي نعيش فيه، كما إن الحرب كانت في المرة الأولى مثلما في المرة الثانية هي السبب الذي أحالت هذه الشخصيات إلى جحيم، جحيم فقدت فيه الحياة معناها وفقد الإنسان القدرة على التواصل.
أما في الإخراج الحديث مع (جمعية رفند)، سيطرت الغربة والمنفى كجحيم آخر على إنسانا، الجحيم المتمثل بعدم قدرتنا على التواصل مع الآخر، إن المثير في هذه التجربة إنها كتبت من قبل كاتب كردي باللغة العربية متجاوزا فيها حدود اللغة ذاتها واليوم تقدم هذه المسرحية باللغة الكردية كي تتخذ من شخوصها حالات ومواقف يتمثل فيها الصدق بالمعاناة انطلاقا من أن كشف المعاناة بأية لغة كانت هي قادرة على كشف معاناة الإنسان في أي زمان ومكان مادام واقع الحياة لم يشمله التغيير نحو الأحسن ولم نستطع أن نحقق على أرضنا هذه التي نعيش عليها جنة الحياة.
من خلال التجربتين يعتمد العرض على تفاعل وصدق ومعايشة الممثل لواقع الأحداث. إن الدراماتوركية والعمل الجماعي استطاع أن يوصلنا إلى مراحل من الصدق إلى جانب الارتجال والابتكار الذي يحاول من خلاله أو بواسطته الممثل أن يعكس واقعه.
فقد جاءت ترجمة وعمل كريم بياني لكي تمنحنا قوة و دفعا في إيصال دقائق المعاناة وبصدق كبير، إلى جانب أن العمل مع جمعية رفند التي يتسم أعضاؤها بالتواضع والحب والتفاني كان دافعا آخر لتكامل العملية الإبداعية، لقد عملنا في المسرح ليس فقط لكي نعيش إنما لكي نعبر عن روًيانا و موقفنا من هذه اللحظة التاريخية التي نجد أنفسنا في داخلها.
بالرغم من حاجز اللغة كوسيلة للتفاهم، إلا أن لغتنا الإنسانية و قدرتنا على التفاهم وحمل الهم المشترك قد ساعدنا كثيرا لتجاوز صعوبات العمل، كما أن دقة وأمانة الترجمة ساعدت هي الأخرى على أن نتابع التمرين وتفاصيله بدقة كبيرة. أما الأمنية والتي تحققت إلى حد كبير فهي أن هذا العرض اخذ روحية المختبر المسرحي الجماعي حيث الكل يتحمل مسؤولية العرض والكل يعمل بحرية ويبدي رأيه واجتهاده ويجرب دوما في البحث عن الجديد وقتل المألوف في أداءه، حتى أننا نفاجأ بقابلية الممثلين لكي يكونوا ممثلين مقتدرين مبدعين يرتقون بعطائهم الفني إلى مستوى الممثلين الجادين، حيث استطاعوا أن يتجاوزوا روح الهواية والمدرسية بأدائهم وصولا إلى عطاء متجدد تعيش فيه العفوية والتلقائية والطبيعية في معايشة الدور إلى درجة كبيرة.
فنحن أمام مواهب فنية تستطيع أن تقنعنا حتى ولو لم نمتلك اللغة المنطوقة، فاستثمار اللغة الجسدية استطاعت أن تتحول إلى لغة مسرح وعرض مسرحي متكامل، استطاع الممثلين أن يفجروا موروثهم الشعبي وتقاليدهم وعاداتهم وتراثهم الإنساني بحيث نجد أن مفردات العرض تقوم أكثرها على إيماءات و دلالات تستطيع أن تخاطب العقل الباطني أو الوعي الجمعي للمشاهد وتضفي معرفة جديدة عن حياة المجتمع الكردي للإنسان الذي يرى في فعل الشخصيات فعلا إنسانيا يقبل التأويل والقراءة.
إن الحداثة والتجديد في المسرح لا يمكن أن تقوم إلا على الصدق والتجذير الإنساني للحياة المشتركة في المجتمع، ابتعدنا عن المألوف واقتربنا من المجهول بكل مغامرة وهذا كان طريقنا إلى التجريب ونأمل أن نكسب مشاهدا معاصرا لفن طليعي.
لم نعتمد على ديكور ثابت أو منظر مسرحي بمفهوم المنظر إنما حاولنا أن نلعب على ذاكرة المشاهد في المكان عبر مفرداتنا المسرحية الحياتية فربما سيعني الزي شيئا مثلما يعني الجوز والبلوط والملابس والحقائب والخيمة، فللمشاهد الحق أن يقرأ معنا أين نحن؟ ستستثمر الغناء والطقس والرقص وكل الأفعال الجسدية ليس في سياقها الطبيعي الواقعي، إنما حاولنا أن نجد واقعا جديدا ونسقا لأجل إيصال المعنى والقصد للعرض المسرحي. لقد حاولنا تغريب المألوف والمعتاد من الحياة عندما وضعناه في نسق جديد قد يصل إلى درجة اللامعقول والمغايرة، فالكلمة والأغنية وبيت الشعر والحكمة والشعار السياسي دخل في انساق معرفية جديدة أسقطنا عنها حالة القدسية والبداهة، من خلال تقديم تناقض الحالة وليس احاديتها، لم ننظر إلى الأسود اسودا والأبيض ابيضا؛ إنما نظرنا إليهما في حالة تناقض. فنحن نعرض اللامعقول بهدف دفع المشاهد لكي يفكر بما هو معقول في حياته ومستقبله.
تسعى جمعية رفند إلى استثمار هذا العمل وإيصاله الى كل التجمعات البشرية التي تعيش في الغربة وربما تعمل على إيصاله لكي يقدم في الوطن. شخصيات تلتقي مع نفسها في الغربة وتنتظر ولا تعرف اتجاهات المستقبل, تسمع أصوات انفجارات الحرب وهي قريبة من الموت أو قاب قوسين أو أدنى منه, هذه الحرب التي قذفت بهم إلى المجهول وجعلتهم يعيشون في وضعية من الانتظار تتداعى خلالها صور الماضي والخوف والرعب الذي يحملونه معهم في كل مسامات جسدهم، فأصوات الجوع والآلام تمتزج مع أصوات القنابل، والخوف لا يكمن فقط في الحرب؛ إنما الخوف من الماضي الذي لازال يرسم لهم خطوط المستقبل، الماضي الذي سيطرت عليه الدكتاتورية والتشرد والضياع ولكن المستقبل يبقى هو الآخر في منأى عن التحقيق فيضل حلما يراودهم ويتصارعون من اجله حيث يلعبون دور الضحية والجلاد ويتبادلون الأدوار في ممارسة السلطة وكأنهم جزء من ماض لا نرى له مستقبلا، حيث تتحقق الصدمة في استفزاز المشاهد الذي يجب عليه أن يبحث عن مستقبل آخر غير مستقبل الشخصيات، فالمشاهد يصدم بأخلاقه، بقيمه، بقناعاته، بمفاهيمه الأيديولوجية والفكرية مثلما يصدم بلحظة وجوده الحاضرة التي توًرقه وتوًلمه، فالحرب قائمة مادام السلام الحقيقي لم يشمل لحد ألان حياة هذه الشخصيات.
المسرحية تطرح سوالا: إلى متى تدوم أصوات الحرب، أو ضوضاء الحرب في آذاننا و مسامات جسدنا بدون أن نعرف لها سببا حقيقيا اكثر مما نتعرف عليه من خلال متن العرض؟ فأولئك الذين يتربعون على بساط النعمة والراحة والأمان ويحققون الأرباح على حساب دمار الإنسان و مثله وقيمه، إلى متى نبقى عاجزين لا نملك القدرة لكي نغير وضعية عالمنا؟ إلى متى نبقى هنا في المنفى؟ إلى متى نبقى هناك حيث الجوع والآلام والاحتراب والحصار؟ إلى متى نبقى مهجرين؟.
إن (جمعية رفند) التي نسعى من خلالها تقديم هذا العمل جاءت انعكاسا لفكرة؛ إننا نريد الحياة و نسعى إلى مساحة أوسع للإبداع حيث يمكن لنا أن نتمرن في المسرح الذي هو وطن الحرية، حاولنا أن نبعد قدر الإمكان ليست فقط الرقابة السياسية إنما الرقابة الاجتماعية أيضا. فكرة أن نقوم بنشاط مسرحي في برلين يعمل على إثارة انتباه الجالية الكردية والعربية والجاليات الأخرى، فجاءت أعمالنا كوسيلة للتعبير عن ذواتنا أولا و موقفنا وإنسانيتنا في عصر نتطلع فيه إلى الحرية والديمقراطية لشعبنا، إلى جانب رغبتنا بالتعريف بثقافتنا إلى الاقليات التي تعيش على ارض برلين والى الجمهور الألماني الواسع، إن الصعوبات التي نمر بها ليست بالسهلة بل هي مزيج من التعقيدات المادية أولا والإنتاجية ثانيا حيث مكان التمرين والعرض، لهذا نعتبر أن زيارة عروضنا لاتحمل فقط كوننا نعمل جادين من اجل ثقافة ديمقراطية، إنما نعتبرها تضامن إنساني وفني لأجل إحياء الثقافة الوطنية والإنسانية. نعمل من اجل استمرار وتطوير عمل الجمعية لكي تكون الأساس الذي يمكن أن نبني عليه آمالا في المستقبل، جمعية منسجمة بالروح والفكر شعارها المحبة والتواضع والتفاعل الجاد مع قضايا شعبنا المصيرية، فنحن امتداد لما يقدم هنالك في الداخل، أننا نعمل بهذه الأفكار من اجل إثارة انتباه المشاهدين والمتتبعين للحركة المسرحية الكردية وربما يحمل لنا المستقبل علامات واشارات الاحتضان كي نقدم أعمالنا باللغة الألمانية أيضا، لأننا ندخل بعملنا حيز مسرح الثقافات المختلطة التي تحاول أن تعبر عن شخصيتها وكيانها ووجودها وتتحاور من اجل التأثير والتأثر؛ فنحن نسعى إلى التعريف بأعمالنا بالدرجة الأولى إلى المقيمين والمواطنين في برلين وعموم ألمانيا على أن لا ننسى إمكانية التواصل مع جالياتنا التي تعيش في بلاد المهجر حيث أوروبا والعالم. إن هذا التجمع الثقافي يسعى دائما إلى الاعتناء بالقابليات والمواهب للفنانين المتواجدين في ألمانيا وهواة الفن من الذين يعملون على الاستمرار والتواصل والإبداع، إننا ننتمي إلى بيئة تضم قوميات واقليات متعددة و شعوب متنوعة تمتلك حضارات قديمة، لهذا نعتقد إن جزءا من مهمتنا هو التعبير عنها وعن طموحاتها في الحياة و همومها وبحثها عن الأمان والاطمئنان والبقاء من اجل العطاء والتألق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل