الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الورقة الثالثة/اسرار الكتب المسروقة

مهدي النجار

2007 / 6 / 3
سيرة ذاتية


كنت كلما أراه، ذاك الرجل المربوع القامة ، صاحب الوجة البابلي الجميل ، يبتسم ، كأن وجهه محكوم علية بأبتسامة أبدية ، خلال عقدين تقريبا من السنيين حين ألتقيه . يسألني بمرارة : أين الكتاب ؟ أركن الى أعذار مشبوهة وأبادر بتسيير الحديث الى جهة أخرى ، يستجيب الرجل لرغباتي الماكرة ويتفتح مثل مشتل أزهار يتحدث بصفاء عن التاريخ وعن الوعي المزيف وعن الثقافة وعن أحلام الناس ..... يتكلم بلهجة لم يهزمها ضغط الواقع الذي لا يطاق ، يمتلك موهبة "روزخون" ماهر في سرد الاحداث ، لم أرّ واحدا ً مثله في حياتي به شغف جنوني للكتاب ، يتأسى للكآبات التي نخرت قلوب البشر ، يتأسى للفواجع التي صبت على رؤوس الفقراء ، يتأسى للمصائب التى نزلت على الصحارى والاهوار والجبال . يخبيء بكتمان شديد الحزن لوعاته الخاصة ومصاعبه الاقتصادية . في نهاية لقاءاتنا القصيرة الشحيحة أتهيأ لأستحضار أعذار أخرى ، أتوقع سيسألني بمضض : أين الكتاب الذي أستعرته مني .. أنه كتاب علي ؟!
يمضي بعينين مثل بركتين ذاهلتين في طريق الاحلام دون وجل أو خوف الى أبعد الحدود ، لا يشعر بوحشة دروب الحرية لقلة سالكيها ، ما زال وجهه حيا ً في ذاكرتي كأنه نخلة .
حين ألتقيت شقيقه الدكتور علي ، الشاعر القلق والاعلامي المتوتر مثل سهم على وشك الانطلاق في مدخل جريدة " بغداد " في يوم مضى ، مثلت أمامه مثل متهم ، عرفته بنفسي كسارق ، أنا سارق كتابك "مائة عام من العزلة " تأملني بدهشة من خلف عدستيّ نظارته الكبيرتين اللتين تجعلانه هرما أكثر بكثير من سنه ، بعدقليل أطلق كركرة بلورية : أهو أنت ؟! ضمنى الى صدره بحنان أخوي .. فجأة خطف منك يا علي ومنا ذاك البهي ، ضاع منا عاشق الكتاب قاسم عبد الامير عجام في غمرة الخراب الجميل ، مزقت قلبه "الجمار" طلقات لئيمة عجز أصحابها أن يكونوا في يوم من الايام نشطاء في حقل الوئام الانساني ، هنالك صرع قاسم وهو يبذر الحب لأجل أن ينبعث في جميع الاخاديد والطرق عابقا ً برائحة النبل وخلف في قلوبنا سلاءات حزن ، هئنذا أعترف بأن الكتاب ما زال بحوزتي يتدفق منه الضوء ولكن ما عساي أن أفعل ، سأذهب الى المقهى العتيق ، مقهى "حسن عجمي " وكما ألتقيته أول مرة في قيظ ظهيرة غابرة لنبدأ صداقة ستستمر حتى الفراق ، أجلس أنتظر وأنتظر محتبساً كرة من الدموع ، لعل الرجل المربوع القامة يأتي ، أعطيه الكتاب وأعتذر ، لا سوف لن أعتذر لأننا يا صديقي أصبحنا جميعا ً مثل كتب مسروقة !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظومة الصحة في غزة الأكثر تضررا جراء إقفال المعابر ومعارك


.. حزب الله يدخل صواريخ جديدة في تصعيده مع إسرائيل




.. ما تداعيات استخدام الاحتلال الإسرائيلي الطائرات في قصف مخيم


.. عائلات جنود إسرائيليين: نحذر من وقوع أبنائنا بمصيدة موت في غ




.. أصوات من غزة| ظروف النزوح تزيد سوءا مع طول مدة الحرب وتكرر ا