الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستشراق الإسرائيلي واختراق المجتمعات العربية

سليم بن حيولة

2007 / 6 / 3
العولمة وتطورات العالم المعاصر


بعد الأحداث السياسية والعسكرية الأخيرة التي كان الشرق الأبدي مسرحا لها وجب طرح تساؤلات عديدة سبق أن طرحت ولكنها لم تجد الاهتمام الكافي فعادت في هذه الظروف لتفرض نفسها بقوة علينا، ومجمل هذه الأسئلة هي : لماذا لا نقوم ( نحن العرب) بدراسة الآخرين، وخصوصا أمريكا وإسرائيل ؟ ولماذا لا نقيم المدارس والمعاهد المهتمة بدراسة الأشكال الثقافية والاجتماعية والحضارية للغرب بأكمله؟
إن المعرفة وحدها هي التي ستمكن العرب من الوقوف في وجه السيطرة الأمريكية والعنجهية الإسرائيلية في المنطقة العربية، ولكن- للأسف- ليس هناك اليوم مساهمة عربية أو إسلامية مهمة في محاولة دراسة التجليات الثفافية والاجتماعية في الولايات المتحدة أوتخصيص البحوث حول أوروبا،.بينما تتواصل المساهمات الغربية بكل أشكالها في دراسة المجتمعات العربية من أجل معرفة الأنماط الثقافية مع متخللاتها من الأقليات والإثنيات المختلفة وكذلك متابعة الإصدارات المتنوعة في الميادين الروائية والشعرية والفكرية،والاهتمام بكل صغيرة وكبيرة تتصدر صفحات الجرائد اليومية؛ الأمر الذي يمكن القول معه بأن تلك الدراسات قد كونت تراثا من المعرفة، ضخما يخص الدول العربية والدين الإسلامي.
أمضى المفكر إدوارد سعيد سنوات في التدريس في جامعة بيرزيت بفلسطين وفي إحدى محاضراته على طلبتها، أبدى تأسفه من عدم وجود معهد للدراسات الأمريكية في أي من الجامعات العربية ، وقاطعه أحد الطلبة مشيرا إلى عدم وجود أقسام في الجامعة الفلسطينية تهتم بدراسة المجتمع والثقافة الإسرائيلية، في كل الجامعات في الدول العربية لا توجد معاهد متخصصة أو أقسام مهمة تقوم بمثل تلك الدراسات بالعكس من ذلك نجد معاهد كثيرة تنفق عليها الأموال من أجل تقديم بحوث في وجوه الثقافة العربية-الإسلامية من مثل "مركز الدراسات الأندلسية وحوار الحضارات" الذي يرأسه الدكتور عبد الجليل التميمي رئيس مؤسسة "التميمي للبحث العلمي والمعلومات" ومقرها بتونس. فما الفائدة من إعادة مثل تلك الدراسات حول مجتمعات بائدة - وإن كانت مهمة- وبحث التأثيرات التي أحدثتها في المجتمعات المغاربية؟ في الوقت الذي هو واجب علينا تخصيص مثل تلك الجهود لدراسة الغرب للحد من هيمنته؛ الهيمنة التي كانت نتيجة من نتائج المعرفة التي حصل عليها والتي يقدمها له مثل ذلك المركز الذي أشرنا إليه وهناك مراكز أخرى مثل " معهد الدراسات المغاربية" بوهران وكذلك " معهد الدراسات الإفريقية" الذي قبلت الجزائر مؤخرا إقامته. أظن أن الخاسر الأكبر في مثل هذه الحالات هو أمتنا بالدرجة الأولى لأننا سنكون قد حققنا للغرب ما يريده من معرفة.

في إسرائيل اليوم معاهد ودوائر للدراسات الاستشراقية تعج بالخبراء في الشؤون العربية وتعرف أدق التفاصيل عن التطورات الحاصلة فيها، ويكفي الإشارة إلى أن المستعربين والمستشارين الذين يحددون كيفية التعامل مع الحركات الإسلامية الفلسطينية هم ،ببساطة، خريجو الأقسام الاستشراقية في الجامعات العبرية.
والحقيقة إن اليهود قد أولوا اهتماما كبيرا لمثل تلك الدراسات وامتلكوا تراثا هائلا حول العقلية العربية، وكيفية تفكير الإنسان العربي والطريقة الأصلح لحكمه والسيطرة عليه، وطرق التعامل مع الحركات الإسلامية وكذلك معرفة تطور الأشكال الثقافية والتعبيرية التي تدل على تطور عقلية أصحابها. الجنرال الإسرائيلي الذي شارك في قتل الفلسطينيين وتهجيرهم من أوطانهم" ميتيتيا هوبيلد" حصل على درجة دكتوراه من جامعة كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1971 حول الأديب المصري نجيب محفوظ بعنوان "عقيدتي" دراسة في أدب نجيب محفوظ" ،كما قام "ساسون سوميخ" بكتابة "دنيا نجيب محفوظ" وأكاد أجزم بان الدراسات و البحوث التي وضعها اليهود حول نجيب محفوظ هي التي فرشت له الأرض للحصول على جائزة نوبل للآداب، وكان قبل هذا وزير خارجية إسرائيل السابق" أبا إيبان" قد قام بترجمة " يوميات نائب في الأرياف" لتوفيق الحكيم إلى الإنكليزية عام 1947.
لا يسع المجال للحديث عن الدراسات الاستشراقية التي قام بها مستشرقون معروفون أكدوا انتماءهم لأوطانهم الأوروبية بقدر تأكيد اهتمامهم للديانة اليهودية نصرتهم للصهيونية من أمثال : ليفي بروفنسال وبول كراوس وإسرائيل ولفنسون، و يوسف شاخت وإغناس غولدزيهر، ومرغليوث وبرنارد لويس ومكسيم رودنسون، هؤلاء كونوا تراثا واخترقوا المجتمعات العربية-الإسلامية ودرسوا مختلف الأشكال الثقافية والحضارية فيها ، ولقيت مؤلفاتهم رواجا كبيرا في الدوائر السياسية والاستخباراتية الغربية.

ما نفتقر إليه اليوم هو تناول الغرب بالدراسة والبحث وفتح المجال للباحثين الأكفاء والاستثمار في ميدان يمكن أن نسميه" الدراسات الغربية" في مقابل "الدراسات الشرقية" ، ولعل مصطلح" استغراب " الذي اقترحه الدكتور حسن حنفي هو الحل المفروض علينا في الوقت الحالي . والذي قام به " حزب الله " أخيرا هو المسار الأنسب والعمل الأصلح الذي يمكن تسميته بـ"الاستغراب "، ولا أظن بأن سر الفوز العسكري يعود إلى قائده " حسن نصر الله" بالدرجة الأولى، لأن الإكثار من الحديث حول زعيم هذا الحزب سوف يسفه عمل المقاومة اللبنانية، ببساطة لأن السلاح الأشد في هذه المعركة كان "المعــرفة" أي قدرة هياكل الحزب على اختراق المجتمع الإسرائيلي ومعرفة أدق التفاصيل في الميادين المختلفة ،وامتلك –بحق- تراثا يحدد كيفية تفكير المجتمع الإسرائيلي ويبين نظرتهم إلى الدول والشعوب العربية ، والكتب الأكثر مبيعا في تل أبيب والأفضلية التي يوليها الفرد اليهودي في قراءاته ، وكذلك آخر الإصدارات في الميدان الديني، وتوضيح كيفية تعامل حاخاماتهم مع القضايا الدينية والفتاوى التي يصدرونها ، ويغلف كل هذا دراسات وبحوث يقوم بها أعضاء من هذا الحزب تخص بعض القضايا الثقافية والأدبية التي تدل على التعب الذي بدأ الروائيون والشعراء اليهود يشعرون به داخل إسرائيل .

وفي مقابل هذه الصورة تبقى الدول العربية منشغلة بذاتها وبالحديث عن أفضلية السنة على الشيعة وهذا الانشغال بالذات نوع من أنواع التفكير السلبي، فعندما ينحصر تفكير المرء بذاته يظهر خطر الوقوع ضحية لثقافة أقوى، وهو-للأسف- الحاصل لدى العرب اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الهدنة في غزة: ماذا بعد تعقّد المفاوضات؟ • فرانس 24


.. هل تكمل قطر دور الوساطة بين حماس وإسرائيل؟ • فرانس 24




.. 4 قتلى وعدة إصابات بغارة إسرائيلية استهدفت بلدة -ميس الجبل-


.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه




.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. والضبابية تحيط بمصير محادثا