الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع الباحث إدريس لكريني حول تطورات قضية الصحراء

إدريس لكريني
كاتب وباحث جامعي

(Driss Lagrini)

2007 / 6 / 4
مقابلات و حوارات


أجرى الحوار مرشد الدراجي

س- قدم المغرب أخيرا مشروع الحكم الذاتي، ما هي قراءتكم لهذا المشروع ؟
ج- من خلال قراءة أولية لهذا المشروع، يبدو أن المبادرة تعكس إرادة حقيقية لإخراج القضية من مأزقها وركودها الحاليين؛ وبخاصة بعد استحالة تنظيم الاستفتاء، فهي تحاول أن توفق بين طرحين متباينين: الاندماج والانفصال، وتؤكد في مضامينها على أهمية التفاوض الجدي باتجاه حسم القضايا الخلافية؛ لبلورة حل يحظى بنوع من الواقعية والتوافق بين الطرفين.
وضمن هذا السياق، يلاحظ أن المشروع لم يتحدث بتفصيل عن محددات الحكم الذاتي؛ بقدر ما حدد توجهاته العامة، وإن كان يحرص على سيادة المغرب في الأقاليم الصحراوية؛ من خلال احتفاظ الدولة بمجموعة من الصلاحيات السيادية المرتبطة بالعلم والنشيد الوطني والعملة والاختصاصات الدستورية والدينية للملك والدفاع والعلاقات الخارجية..؛ فهو ينص على مجموعة من الصلاحيات الحيوية والهامة التي ستخول للسكان؛ مع تخصيص مجموعة من الموارد المالية؛ بما سيضمن تدبيرا ديموقراطيا لشؤونهم المحلية؛ عبر مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية خاصة.. والتأكيد على أهمية الانضباط للمقاييس الدولية المتعارف عليها في هذا الشأن.
كما حاول استحضار الخصوصيات الاجتماعية والثقافية للمنطقة، ومن جهة أخرى، يلاحظ أن المشروع نص على إمكانية عرض الصيغة النهائية المتفاوض بشأنها منه على استفتاء حر أمام السكان؛ كشكل من أشكال تقرير المصير.
وأعتقد أن هذا المقترح يمكن أن يشكل مدخلا ملائما لحل عادل ومناسب كفيل بإغلاق هذا الملف الذي عمر طويلا، وبخاصة وأنه سيمكن السكان في الأقاليم الجنوبية من تدبير مختلف شؤونهم المحلية في إطار ديموقراطي..

س- البوليساريو أو الجمهورية الصحراوية المزعومة تعترف بها حوالي 80 دولة منها 5 دول عربية: الجزائر اليمن ليبيا سوريا موريتانيا، تعليقكم؟
ج- من وجهة نظر القانون الدولي، الاعتراف يكتسي أحيانا قيمة رمزية فقط، ذلك أنه لا ينشئ دولا طالما لم تتوافر لها الشروط والعناصر المادية والقانونية الأساسية اللازمة لذلك (السكان، الإقليم، السلطة السياسية الفعلية، الشخصية القانونية والسيادة)، إنه سلوك إرادي انفرادي يعلن بموجبه شخص من أشخاص القانون الدولي أو أكثر رغبته الصريحة أو الضمنية في الإقرار بقيام شخص أو واقع معين يمكن أن تترتب عليه آثار قانونية.
حقيقة أنه وإلى جانب الاعتراف بالدول، هناك الاعتراف بالثوار والاعتراف بالمحاربين والاعتراف بحكومة المنفى والاعتراف بالأمة.. غير أن العديد من هذه الاعترافات (80) التي تحدثت عنها؛ جاءت إما في سياق حسابات سياسية ضيقة أو بحكم الترويج الجزائري لطروحات الانفصال واستثمارها لمختلف إمكانياتها في هذا الإطار.
وأكثر من ذلك فهي أسهمت بشكل كبير في عرقلة مختلف المبادرات السياسية التي طرحت باتجاه إيجاد حل مناسب وواقعي للقضية، أو شوشت عليها في أقل الأحوال.
ومن جانب آخر؛ فتنامي هذه الاعترافات جاء أيضا نتاجا للتدبير الانفرادي والمغلق لهذا الملف خلال سنوات عديدة؛ وما تمخض عنه من انحرافات ومشاكل؛ فمعظم علاقات المغرب الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية والثقافية؛ كانت تتركز نحو دول أوربا؛ في حين لم تحظ مختلف دول العالم بنفس الاهتمام؛ مما فتح المجال للأطراف الأخرى- البوليساريو والجزائر- للترويج لطروحاتهم في هذه المناطق.

س- ما هي انطباعاتكم حول تعامل المجتمع الدولي مع المقترح المغربي؟
ج- مما لا شك فيه أن مبادرة المغرب في هذا الشأن تعبر عن رغبة وإرادة حقيقيتين لطي هذا الملف، وبخاصة وأنها اقترحت صيغة حاولت المواءمة بين مختلف المصالح؛ ولذلك فقد لقيت استحسانا كبيرا من قبل مجموعة من دول العالم؛ بما فيها القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا..
وهذا الاستحسان يترجم الشعور بواقعية وموضوعية هذه المبادرة؛ وبخاصة وأن المجتمع الدولي أصبح أكثر اقتناعا ووعيا بأهمية وضرورة حسم هذا المشكل الذي أضحى من بين أقدم النزاعات التي خلفتها مرحلة الحرب الباردة، وكلف شعوب المنطقة والمنتظم الدولي الكثير..؛ كما أن مجلس الأمن بدوره أشاد بهذه المبادرة واعترف بجديتها؛ رغم التشويش والتعتيم الذين حاولت الجزائر والبوليساريو إثارتهما في هذا الخصوص.
وأعتقد من جانب آخر أن التفاعل الإيجابي الدولي مع هذه الخطوة يبرز أيضا مدى التطور الحاصل في تدبير هذا الملف؛ بعد انتقاله من المجال المغلق إلى ملف مفتوح – ولو بشكل محسوب - أمام مختلف الفاعلين (الحكومة، المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية، الأحزاب السياسية، المجتمع المدني، الإعلام..).

س- من بين نقاط القوة في هذا المقترح هو أنه يرتكز على مفهوم الحكم الذاتي كما هو معرف في القانون الدولي، ما هي القيمة المضافة التي يمكن أن تضيفها هذه المسألة إلى هذا المشروع ؟
ج- أود في البداية أن أشير إلى أن التعامل مع مبدأ تقرير المصير ينبغي أن يتسم بالمرونة والواقعية؛ ذلك أن الحكم الذاتي يمكن أن يشكل امتدادا له؛ إذا ما مورس في إطار ديموقراطي وضمن اختصاصات حيوية وهامة..
إن الانفصال هو أحد المظاهر فقط لحق تقرير المصير، لأن هناك سبلا أخرى تجد أساسها في القانون الدولي بإمكانها تحقيق أهداف وغايات هذا المبدأ؛ والحكم الذاتي يعد أحد هذه المظاهر الناجعة إذا ما تمت مقاربته بشكل ديموقراطي، وتبدو موضوعية هذا الطرح في ضوء الحقائق والوقائع التي تجسدت في المنطقة على امتداد أكثر من ثلاثين سنة.
والممارسة الدولية تحفل بتجارب نموذجية رائدة في هذا الشأن؛ سواء داخل الدول البسيطة كفرنسا وإسبانيا.. أو المركبة كبريطانيا وألمانيا.. والتي أثبتت نجاعتها على مستوى تدبير العديد من الصراعات الإقليمية أو العرقية المزمنة.

س- بعد تقديم مشروع الحكم الذاتي، وفي أول رد فعل له، عبر الأمين العام الأممي عن عدم توقعه حلا سريعا للنزاع ؟
ج- لا أعتقد أن رد الأمين العام الأممي في هذا الشأن يعكس موقفا سلبيا أو تشاؤميا من مشروع الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب، أو من القضية ككل ومستقبلها، بل هو يعكس نظرة واقعية تستحضر مختلف المعطيات والتحديات التي تحيط بالمسألة، فالمقترح المغربي للحكم الذاتي يقابله طرح انفصالي، وهناك أطراف إقليمية تسعى لتعطيل هذه التسوية بسبل مختلفة..
حقيقة أن الطرفان وافقا على الدخول في مفاوضات مباشرة تحت إشراف الأمم المتحدة، وهذه بداية طيبة ومشجعة، غير أن طريق التسوية النهائية للملف تتطلب جهدا كبيرا ونفسا طويلا من قبل الأطراف المعنية مباشرة بالقضية أو تلك التي لها دور فيها، وهو ما يظل بالفعل بحاجة إلى وقت كاف.

س- الآن مجلس الأمن دعا الأطراف المعنية إلى المفاوضات، برأيكم هل يمكن اعتبار مشروع تخويل الصحراء حكما ذاتيا هو مبادرة للتفاوض؟
ج- يلاحظ أن مشروع الحكم الذاتي أشار بشكل مكثف ضمن فقراته إلى التفاوض، فهو يتأسس في جزء كبير منه على الحوار؛ حتى أنه لم يشر بتفصيل مدقق إلى الاختصاصات التي ستخول للسكان في هذا السياق، وأعتقد أن واضعي المشروع كانوا على وعي بهذا الأمر؛ وذلك لإتاحة الفرصة في هذا الصدد لما قد يتم بلورته من مقترحات تفصيلية ستعززه؛ من خلال المفاوضات بين الطرفين.
وبغض النظر عن مدى تبني مجلس الأمن لهذه المبادرة أم لا، وبغض النظر عن كونها ستشكل أرضية للتفاوض أم لا، فيبقى الأساس هنا هو أن طرح المغرب لهذه المبادرة أعطى إشارات إيجابية للأمم المتحدة وللقوى الدولية بجدية جهوده في إيجاد تسوية ملائمة وواقعية للمسألة.
ولذلك؛ فإن القرار 1754 الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 30 أبريل 2007 الذي حاول من خلاله إرضاء جميع الأطراف؛ أشاد بالجهود التي بذلها المغرب والرامية لتسوية النزاع، وعبر عن اقتناع واضح بضرورة حسم الخلاف من خلال مفاوضات مباشرة بين الطرفين تحت إشراف الأمم المتحدة، بعيدا عن أي حل مفروض.. وهذا أمر إيجابي، وبهذا الشكل يمكن القول أن المبادرة أسهمت بشكل ملموس في توفير شروط نفسية وأجواء ملائمة للمفاوضات.

س- السفير الأمريكي اقترح مشاركة بعض دول الجوار في هذه المفاوضات، كالجزائر وإسبانيا، ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الدول في هذا الملف؟
ج- مما لا شك فيه أن مشاركة هذه القوى الإقليمية في هذا الصراع يكتسي أهمية بالغة، فإسبانيا هي البلد الذي كان يحتل المنطقة، أما الجزائر فهي تساند بشكل علني حركة البوليساريو وتحتضنها منذ سنوات.
والحقيقة أن بلورة حل عادل ونهائي يظل في جانب مهم منه متوقفا على إبداء القوى الإقليمية المجاورة لحسن نيتها اتجاه هذه القضية؛ بعيدا عن أي تحريض أو وصاية أو تشويش؛ والسعي إلى دعم أي حل توفيقي ودي بين الطرفين؛ وإتاحة الظروف الملائمة لإجراء مفاوضات بناءة؛ كما على البوليساريو أن يتخلص من الوصاية الجزائرية..
وأعتقد أن إجراء مفاوضات مبنية على حسن النية تستحضر مصلحة شعوب المنطقة، بالإضافة إلى انخراط هذه الأطراف الإقليمية في القيام بأدوار إيجابية بعيدا عن التحريض والمعاكسة والحسابات المصلحية والاستراتيجية الضيقة؛ من شأنه أن يوفر الظروف الكفيلة ببلورة حل عادل ودائم للجميع..
ذلك أن استمرار التوتر في هذه المنطقة الحيوية لن يكون في صالح أي طرف، فالتسوية السلمية أمر تفرضه التحديات الدولية الراهنة أيضا والتي تؤكد يوما بعد يوم أن مناطق التوتر والصراع تفرز تداعيات اجتماعية وسياسية واقتصادية.. خطيرة تتجاوز الحدود.

س- ما هو تصوركم للأقاليم الجنوبية بعد الحل النهائي للنزاع؟
ج- لقد فوت هذا النزاع فرصا عديدة على المنطقة المغاربية برمتها؛ فهو أثر بشكل سلبي ملحوظ في مسيرة المغرب العربي في زمن أصبح فيه التكتل أمرا ملحا؛ وأسهم في تنامي المشاكل بين المغرب والجزائر..، كما كانت كلفته الاقتصادية على دول المنطقة ضخمة جدا، ومن هذا المنطلق فإن حسمه بشكل نهائي سيكون في صالح السكان محليا عبر إتاحة الفرصة لتدبير محلي كفيل بتحقيق تنمية شاملة بالمنطقة، وبخاصة إذا ما تم تعزيزه بتطوير نظام الجهوية وطنيا؛ عبر مقاربة ديموقراطية مؤسسة على اعتبارات اقتصادية واجتماعية أكثر منها أمنية.. كما سيكون في صالح شعوب المنطقة المغاربية بفتح آفاق واسعة من التنسيق والتعاون.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بوتين في -عيد النصر-: لن نسمح لأحد بتهديدنا والقوات النووية


.. رحلات إنسانية.. الإمارات تنفذ عمليات إجلاء للأطفال المصابين




.. خيانة و قتل من أجل الحب


.. سموتريتش: يجب أن تستمر الحرب حتى القضاء على حماس بشكل كامل




.. استهداف جرافة عسكرية للاحتلال بعبوة ناسفة خلال اقتحام قباطية