الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قراءة في فكر هانس كينغ34 مقاييس وانحرافت في الاديان
سلطان الرفاعي
2007 / 6 / 4اخر الاخبار, المقالات والبيانات
إن النقد الأكثر جدة لكل شكل من أشكال الانحراف في الديانات يكمن في الديانات نفسها . فكم من مرة حادت الديانات عن مصدرها وأعطت صورة مشوهة لجوهرها ؟
تمتلك الديانات كلها كتبا تشريعية ، كالكتاب المقدس والقران والبنغدافادجيتا وأقوال بوذا والكتاب الصينيين الكلاسيكيين --
كل الديانات لها وجوهها المقدسة التشريعية ، السيد المسيح ومحمد الرسول والحكيم بوذا--
وغالباًما أُرغمت الديانات من قبل نقادها ومصلحيها وانبيائها وحكمائها على أن تتذكر أنها انحرفت عن جوهرها . وبتعبير آخر ، يشكل (الجوهر) الأصلي الخاص كل ديانة ، أي (مصدرها) أو (قانونها) التشريعي أو (مقاسها) ، (مقياساً ) داخلياً للحقيقة ، فيصح بطريقة مختلفة لكل ديانة ، ويضمن في الوقت عينه الهوية التي تخص كل ديانة .
ما من ديانة تستطيع أن تقلع عن تطبيق مقاييس حقيقتها الخاصة على الديانات الأخرى . فالحوار لا يعني أبداًالتخلي عن القناعات الذاتية . والنقد الناتج عن الآخرين يبقى دوماً ضرورياً . والذي يتوخى الموضوعية والنزاهة يعرف جيداً أن هذه المقاييس لا تكون صحيحة وملزمة إلا للديانات المعينة ، وليس للديانات الأخرى .
وإذا اكتفت كل ديانة في الحوار بالتشديد على مقاييس حقيقتها الخاصة ، يضحي التقايس الحقيقي منذ البداية مستحيلاً ، كالكتاب المقدس مثلاً . فللعهد الجديد ، الذي هو شهادة أولية تختص بالمسيح ، دور نقدي وحاسم ومحرر في الحوار بين الكنائس المسيحية ، تماماًكالكتاب المقدس العبراني في الحوار بين المسيحيين واليهود . أما في الحوار مع المسلمين الذين يرون في الكتاب المقدس نقضاً كبيراً لكتابهم ، أو بالاحرى في الحوار مع الهندوسيين والبوذيين ، فكل دعوة مباشرة الى اعتماد الكتاب المقدس قياساً للحقيقة ، سوف لن يؤدي الى النتيجة المرجوة .
كيف يمكننا أن نتوقع من المسيحيين أن يقتنعوا بكتاب يُكفرهم ويُبيح قتلهم ؟ وكذلك بقية الديانات وكيف لهم أن يقتنعوا بجواب على مسألة الحقيقة الناجمة عن القران أو البغاغادجيتا أو عن أقوال بوذا ؟ فما الذي يبقى بعد كل هذا ، إذا كان لا يحق لليهود والمسيحيين بين الديانات العودة بكل بساطة الى الكتاب المقدس ( أو للمسلمين الى القران أو الهندوس الى الجيتا أو للبوذيين الى قانونهم ) كسلطة مسلم بها كي يكونوا في مواجهة الآخرين وكي يكونوا على حق ويكونوا في الحقيقة ؟ هذا هو السؤال الشاق .
ويعود السؤال من أجل ايجاد خطة جديدة غايتها الإسهام في إرساء السلام بين الديانات .
إذا قارنا الديانات بعضها ببعض ، وإذا فكرنا ملياً بالتجاوزات التي نجمت عن كل ديانة ، تبرز مسألة مقاييس الحق والخير العامة التي تطبق تطبيقاً متشابهاً على كل ديانة ، ولا سيما ، في مسائل حق الشعوب والسلام بينها .
إلى جانب المقاييس الخاصة التي تستخدمها كل ديانة من أجل حسابها الخاص ، تستدعي المقاييس الأخلاقية العامة اليوم ، أكثر من أي يوم مضى ، نقاشاً عميقاً . فتبّين عبر الأجيال ان الدين كان البرهان الأكثر إقناعاً ، إذ نجح ، وذلك قبل فترة طويلة من المحاولات الاستقلالية في العصر الحديث ، في تبيان الحق الإنساني ضمن أفق مطلق . يكفي أن نذكر الوصايا العشر ، وخطبة الجبل ، وبعض ما جاء في القران وأقوال بوذا ، والبغافادجيتا . فكل رسالة دينية ، حتى المسيحية ، مدعوة بحرية اليوم إلى تفكير جديد ، انطلاقاً من الأفق الجديد للعالم المتبدل .
في العصر الحديث ، أُرغمت المسيحية ، قبل سائر الديانات الأخرى ، على اختيار مسيرة تحول ، اختيار ذي أهمية كبرى بالنسبة الى الديانات الكبرى . فقد جاور منطقة نفوذ المسيحية ، إبان مسيرة التحرر الحديث الناجم عن عصر الأنوار ، التيار الإنساني ( وهو تيار علماني قاده بعض علماء اللاهوت المسيحي المتمرد على سلطة الكنيسة ) ، وراح يستلهم العقل والطبيعة والوعي ويبتعد عن الدين . أعلن بعض رجال الدين مناهضتهم لمثل هذه الأفكار المستقلة الإنسانية . بيد أن هؤلاء لم يكونو على حق أبداً ، إذ لم يستفيدو في آخر الأمر من مسيرة الاستقلال لأن الحرية والمساواة والأخوة و0الكرامة الإنسانية ) ( أي جوهر البعد الإنساني ، حتى الشرائع المصاغة ، كالبند الأول من دستور جمهوية المانيا الاتحادية ) كانت في الأصل قيماً مسيحية ، ((اكتشفت من جديد) في العصر الحديث واستخلصت العبر القاسية للعصر الحديث . فالذين أعلنوا حقوق الإنسان في أمريكا لم يكونوا ملحدين ، بل كانوا مؤمنين وحتى رجال دين . وفكر بعض الثوار في مطلع الثورة الفرنسية أن يعلنوا باسم الله حقوق الإنسان الناجمة عن ثورة 1789 ، إلا أنهم عدلوا عن ذلك في آخر الأمر . وحدث التحول الكبير في الكنيسة مع يوحنا الثالث والعشرين ، ومن ثم ، المجمع الفاتيكاني الثاني بعد النصف الثاني من هذا القرن .
بعد أن تمكن التيار الإنساني في العصر الحديث ، والذي قاده بعض اللاهوتيين الجدد ، من نيل استقلاله الديني والكنسي ، تمكن أخيراً من أن يستقر من جديد في المنطقة المسيحية ، قبل أية ديانة أخرى . فالنظام الروماني نفسه لم يتمكن من تحقيق كامل لحقوق الإنسان ، كدور النساء واللاهوتيين المنشقين .
من صالح المجتمع العلماني أن يكون للبعد الإنساني صلة ضمن دين ما ، وعملياً ، في ما يتعلق بنا ، ضمن المسيحية . ومما لا شك فيه ، أنه بوسع المسيحية والديانات الأخرىفي زمن الضياع والانحطاط في العلاقات والحرية والتهكم الوقح ان يكون لها جميعا من جديد شأن عظيم في تنمية الضمير الفردي ، فتقدم لهذا الضمير السند العاطفي والوفاء والتعزية والشجاعة ، متخطية علم النفس والتربية والحقوق والسياسة . ففي الصراع من أجل الأنسنة ، يستطيع الدين من دون أي التباس ، أن يجعل من الأخلاق والقيم الأخلاقية أكثر من مسألة ذوق أو حكم شخصي ، أو فرص سياسية ، وأكثر من مسألة حكم فردي ، بل من اتفاق اجتماعي أو اتصال . وبتعبير آخر ، يستطيع الدين أن يبرر من دون التباس لماذا ترغم الأخلاق والقيم والقواعد الأخلاقية بطريقة غير مشروطة ، وبالتالي بطريقة شاملة ( أي ترغم كل الفئات والطبقات وكل الأعراق).
على هذا النحو ، يخلص الإنسان حينما يجد أصله في البعد الإلهي . وقد دل التاريخ على أن المطلق قادر وحده على الإلزام بطريقة مطلقة . وحده المطلق يمكنه أن يُلزِم .
دمشق
3-6-2007
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الجيش الإسرائيلي يُصدر أوامرَ إجلاءٍ من رفح ويقصف شمال القطا
.. قصف متبادل بين مليشيات موالية لإيران وقوات سوريا الديمقراطية
.. إسرائيل و-حزب الله- يستعدان للحرب| #الظهيرة
.. فلسطين وعضوية أممية كاملة!.. ماذا يعني ذلك؟| #الظهيرة
.. بعد الهجوم الروسي.. المئات يفرّون من القتال في منطقة خاركيف|