الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تجليات الفوضى الخلاقة

علي جرادات

2007 / 6 / 4
القضية الفلسطينية


فيما كان الإتحاد السوفييتي يلفظ أنفاسه نهاية ثمانينيات القرن المنصرم، كإشارة إلى إنتهاء دوره كقطبٍ ثانٍ في السياسة الدولية، كانت السياسة الأمريكية، وبعد أن أصبحت القطب الأوحد لها، تعدُّ العدة لسلسلة مِن الحروب والفتن التدميرية في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بهدف تشديد السيطرة عليها كمنطقة إستراتيجية مِن حيث الموقع الجغرافي والغنى بمصادر الطاقة وغيرها مِن الثروات الطبيعية، هذا فضلاً عن هدف تعزيز التفوق الإسرائيلي فيها. وقد إستثمرت السياسة الأمريكية آنذاك مغامرة صدام بإقتحام الكويت وعجز النظام الرسمي العربي عن وقف تداعياتها بحل عربي، ما أفضى إلى تأجيج ما بين أطراف هذا النظام مِن تناقضات، إلى درجة مشاركة جيوش عربية في ضرب الجيش العراقي، وكانت النتيجة كارثية على العراق وعموم العرب، حيث جرى فرض الحصار على العراق بعد تدمير مقدراته الاقتصادية وضرب قوته العسكرية في حملة "عاصفة الصحراء" عام 1991.
وبوتيرة أعلى، وبصورة جنونية وأحلام إمبراطورية، وتحت إدارة المحافظين الجدد، وبإستثمار بشع لل"غزوة" "البنلادنية" في 11 أيلول 2001، واصلت السياسة الأمريكية العمل على تشديد سيطرتها على العالم عبر بوابة الشرق الأوسط، حيث جرى احتلال أفغانستان والعراق بذريعة "الحماية الدولية لحقوق الإنسان"، ونشر الديمقراطية، وحماية الشرعية الدولية. كل ذلك إنطلاقا مِن أن المفهوم الأمريكي لهذه المباديء هو المفهوم الاصلح والأقدر على البناء، وبإعتبار أن الولايات المتحدة هي الممثل الشرعي والوحيد للإنسان، وأن "المحافظين الجدد" هم خليفة الله في أرضه، وأن كل مَن ليس معهم هو "إرهابي" حتى ينقطع النفس. وذاك ما إستدعى إستراتيجية "الحرب على الإرهاب" عبر إبتداع نظرية "الفوضى الخلاقة" التي، وإن كان للعراق وفلسطين ولبنان النصيب الأكبر مِن ويلاتها، إلا أن المنطقة العربية عموماً قد دفعت، وما زالت تدفع ثمن تطبيقاتها كضلالة "خلاقة" لكل صنوف الحروب والفتن الطائفية والمذهبية والقومية والسياسية، وذلك بدءاً مِن العراق مرورا بالسعودية واليمن عرجا على لبنان وفلسطين وصولاً إلى السودان والمغرب العربي، ليصبح مِن "المغضوب عليهم" كل مَن يقف في وجه هذه الضلالة، بإعتباره مِن "الضالّين" عن "السراط المستقيم"، إما أن يُسحق أو يعود لبيت الطاعة الأمريكية.
واليوم هناك في لبنان، وفي شماله بالتحديد، وعلى حساب دم الأبرياء مِن اللاجئين الفلسطينيين في مخيم نهر البارد، تجري عملية إعدادٍ أمريكية إسرائيلية محكمة لإغراق لبنان مرة أخرى في أتون فتنة طائفية ومذهبية مدمرة، وذلك بعد تعثر تحقيقها بنيران العدوان الإسرائيلي في تموز العام الماضي، حيث فشلت الحملة العسكرية، وتراجعت بذلك مؤقتا أحلام المحافظين الجدد جعلَ لبنان بداية التطبيق العملي لمشروع "الشرق الأوسط الجديد" كما صرحت بذلك علنا وزيرة الخارجية الأمريكية رايس، أما المدخل الأمريكي هذه الأيام، فقد توفر بوجود جماعة "فتح الإسلام" كحركة تكفيرية جاهلة عنيفة لا تربطها بالفلسطينيين ومقاومتهم أية علاقة اللهم فبركة الإسم الذي لا يدري مِن أين جاء إلا أؤلئك الراسخون في "الطبخات" الأمنية الكبيرة على النطاقين الدولي والإقليمي، وتحديدا أؤلئك الطامحون والمعنيون بوصم المقاومة الفلسطينية ب"الإرهاب"، ومساواتها به.
ولا عجب، فمنذ ولادة ضلالة "الفوضى الخلاقة"، وبإستغلالٍ إسرائيلي ماهرٍ لها، وقعت المقاومة الفلسطينية الدفاعية المشروعة العادلة في وجه العاصفة، وكان الفلسطينيون في مقدمة مَن شملتهم إستراتيجية الحرب الأمريكية على "الإرهاب"، بدءاً بحملة "السور الواقي" الشارونية الإجرامية عام 2002 على الضفة مرورا بجرائم عمليتي "أمطار الصيف" و"غيوم الخريف" عام 2006 في غزة وصولاً إلى ما تشهده غزة هذه الأيام مِن عمليات قصف وإغتيال وتدمير مبرمجة، فضلاً عما تشهده مدن وقرى ومخيمات الضفة مِن عمليات إعتقال ممنهجة وإجتياحات وتوغلات لم تتوقف، إضافة إلى ما يتعرض له الشعب الفلسطيني مِن حصار وعزل وتجويع، وما يجري للاجئين الفلسطينيين في العراق مِن عمليات ذبح مبرمجة.
ولعله مِن أشدِّ علامات الرياء والنفاق وإزدواجية المعايير التي تنطوي عليها السياسة الأمريكية العالمية، أن تمارس بحق الفلسطينيين كل هذه الفظاعات التي لا يمكن وصفها إلا بالتطهير العرقي، فيما العالم يغطُّ في عملية تنويم مغناطيسي أمريكي إسرائيلي، ولا ترف له جفن، بل يغمض عينيه التي لا تنفتح إلا على ما تصوره المناظير الإسرائيلية مِن أكاذيب "الخطر" الذي يتهدد "وجود دولة إسرائيل" جراء ما تتعرض له سديروت مِن صواريخ بدائية محلية الصنع، يعلم كلَّ مَن يمتلك حداً أدنى مِن البصيرة السياسية، محدوديةَ تأثيرها وفعاليتها العسكرية بينما يمتلك الجيش الإسرائيلي ترسانة عسكرية هائلة ومهولة، تشتمل فيما تشتمل على اسلحة "ديمونا"، وكل ما يردها مِن واشنطن مِن آخر صرعات التكنولوجيا العسكرية المتطورة "الذكية" منها و"الغبية".
من المبتذل حقاً أن يزعم "أباطرة" البيت الأبيض مِن المحافظين الجدد بقيادة بوش أن الله علمهم "الأسماء كلها"، ليحتكروا الحق والحقيقة، ويشعلوا الحروب المدمرة، ويمارسوا كافة صنوف القمع والبطش، وذلك باسم الدفاع عن القيم والمباديء الإنسانية وحمايتها، فيما يحتلون أراضى الغير (العراق وأفغانستان)، ويلوحون بغزو بلدان أخرى، متناسين أن النظام الذي يمارس الاحتلال هو نظام عنصري، لأنه، وبغض النظر عن الأيدلوجيا التي تحكمه، إنما يمارس سياسة عنصرية إزاء أهل تلك الأراضي، ناهيك عن دعمهم المطلق لإسرائيل كأسوأ وآخر دولة عنصرية في العالم، بغض النظر عن الحزب أو الأحزاب التي تقودها، ما دامت تتبنى الصهيونية كحركة عنصرية كما وصفتها الامم المتحدة، ولو تراجعت عن ذلك بفعل الهيمنة الأمريكية على مؤسساتها وقراراتها، فذاك التراجع لم يلغِ حقيقة أن الإسرائيليين ما زالوا محتلين للأرض الفلسطينية، وما زالوا يمارسون ضد الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر كل أشكال سياسة التطهير العرقي "قياما وقعودا وعلى جنوبهم وهم نائمون".
والطامة الكبرى، علاوة على مواصلة النظام الرسمي العربي إجترار عجزه عن مساندة العامل الوطني الفلسطيني، أن لا تفعل كل هذه الجرائم ضد الفلسطينيين بدءا مِن العراق مرورا بلبنان وصولاً إلى الضفة وغزة ومناطق 1948، فعلها في تعديل ما يسكن بعض القيادات الفلسطينية مِن عقلية فصائلية ضيقة، لا ترى في هذه الهجمة الأمريكية الإسرائيلية الشرسة سوى هجوماً على فصيلها وحوزتها الفئوية الضيقة، ولا تكلف نفسها عناء الإجابة على أسئلة:
هل ضربُ اللاجئين الفلسطينيين في العراق هو ضربة لفصيل سياسي فلسطيني بعينه؟!!! وهل الهجوم على العرب الفلسطينيين في مناطق 1948 هو ضربة لفصيل سياسي فلسطيني بعينه؟!!! وهل محاولة الزج باللاجئين الفلسطينيين في لبنان في ما يُخطَّطُ له مِن فتنة لبنانية داخلية هو ضربة لفصيل سياسي فلسطيني بعينه؟!!! وهل كانت محاصرة المرحوم الشهيد ياسر عرفات ورحيله مسمَّماً ضربة لفصيل سياسي فلسطيني بعينه؟!!! وهل كان تدمير الأجهزة الأمنية الفلسطينية أيام كانت السلطة بيدٍ فتحاوية خالصة، ضربة لفصيل سياسي فلسطيني بعينه؟!!! وهل التركيز على ضرب عناصر "كتائب شهداء الأقصى" في شمال الضفة (مثلا) هو ضربة لفصيل سياسي فلسطيني بعينه؟!!! وهل تركيز الهجوم اليوم على حركتي "حماس" و"الجهاد" هو ضربة لفصيل سياسي فلسطيني بعينه؟!!!! أم أن كل ذلك يندرج في إطار سياسة احتلالية هجومية تستهدف علاوة على إستباحة كل ما هو فلسطيني، تعميق شرخ الداخل الفلسطيني وإذكاء نار فتنته وجره إلى المزيد مِن لعبة الدم المدمرة، التي سقط الوعي الفصائلي وإدقاع وعيه الوطني، في إمتحان تجاوزها، في مرحلة ضلالة "الفوضى الخلاقة" تتجلى في إستراتيجية "الحرب على الإرهاب"، ومحاولات وصم المقاومة الفلسطينية به؟!!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تحاول فرض إصلاح انتخابي على أرخبيل تابع لها وتتهم الصي


.. الظلام يزيد من صعوبة عمليات البحث عن الرئيس الإيراني بجانب س




.. الجيش السوداني يعلن عن عمليات نوعية ضد قوات الدعم السريع في


.. من سيتولى سلطات الرئيس الإيراني في حال شغور المنصب؟




.. فرق الإنقاذ تواصل البحث عن مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئ