الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصادرات المصرية حصان خاسر في سباق التنمية

رمضان متولي

2007 / 6 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الحكومة تدعم أرباح المستثمرين والأجانب وتطالب المصريين بالانتظار إلى الأبد!


تعودنا من حكومة الدكتور أحمد نظيف على لغة الإنجازات والطفرات غير المسبوقة التي تتحقق في كافة المجالات نتيجة لسياسات الإصلاح، وهو الرجل الذي بشرنا منذ بضع سنوات بأن هذه السياسات وتلك الإنجازات سوف تنعكس ثمارها على المواطن العادي ولكن تدريجيا عبر المصطلح الذي استخدمه بنفسه وهو Trickle-Down Effect، ومنذ تولت حكومة الدكتور نظيف مهامها ونحن، المواطنون العاديون جدا، ننتظر ونترقب بشغف شديد أن تنعكس علينا ثمار هذه السياسات، ولكن يبدو أن الحكومة تريد منا أن ننتظر إلى الأبد حتى نعتاد على الانتظار أو ندمنه.
تتحدث الحكومة عن طفرة في الاستثمارات، وطفرة في النمو وطفرة في الصادرات، بينما تتجاهل بالذات تلك الأمور التي تهم المواطن العادي مثل زيادة الأسعار وارتفاع البطالة واتساع الفقر وتدهور الخدمات الأساسية في مختلف المجالات. ورغم ذلك، حتى الطفرات التي تتحدث عنها الحكومة بحماس شديد وثقة بالغة تنتابها الكثير من المغالطات وتحيط بها الأدران مما يجعلها أقل إشراقا بكثير مما تحاول الحكومة إقناعنا به، وربما تكشف لنا مناقشة نمو الصادرات المصرية عن بعض مخاطر سياسات الإصلاح في ظل حكومة نظيف.
تحدثنا الحكومة عن زيادة كبيرة في معدل نمو الصادرات خلال الأعوام التي تولت فيها إدارة البلاد، ووفقا لتقارير البنك المركزي المصري ارتفعت الصادرات السلعية بالفعل من 8.2 مليار دولار في العام المالي 2002-2003 إلى 10.5 مليار دولار في العام المالي 2003-2004، وارتفعت مرة أخرى إلى 13.8 مليار دولار في العام 2004-2005 لتقفز بعد ذلك إلى 18.4 مليار دولار في العام المالي 2005-2006، بمعدلات نمو بلغت 15.2% ثم 27.4% ثم 32.3% ارتفعت إلى 33.4% على التوالي.
ولكن الحكومة عند الحديث عن نمو الصادرات تتعمد غض البصر عن الزيادة في عجز الميزان التجاري نتيجة لنمو الواردات، على الرغم من أن معدل الزيادة في الواردات أقل من معدل نمو الصادرات وفقا للأرقام الرسمية، وإذا نظرنا إلى تطور عجز الميزان التجاري خلال نفس السنوات سنجده يبلغ 6.6 مليار دولار ثم ارتفع إلى 7.5 مليار دولار، ثم 10.4 مليار دولار، ليقفز إلى 12 مليار دولار على الترتيب حتى عام 2005-2006. وتتضح خطورة الزيادة في عجز الميزان التجاري عندما نكتشف تطور هذا العجز كنسبة من إجمالي الناتج المحلي والذي ارتفع في نفس الفترة من 8.1% إلى 10% ثم إلى 11.6% و 11.2% على الترتيب.
تتجاهل الحكومة أرقام العجز التجاري رغم أن أداء الميزان التجاري هو المؤشر على كفاءة سياسات التجارة الخارجية، ذلك أن زيادة العجز يترتب عليها تفاقم عدة مشكلات تنعكس في نهاية المطاف على مجمل النشاط الاقتصادي، مثل زيادة عجز الموازنة، وارتفاع الدين العام وزيادة معدلات التضخم التي تؤثر بدورها على معدلات نمو الاقتصاد، وما يترتب على ذلك من انخفاض فرص العمل وتراجع مستوى المعيشة، وربما كان ذلك هو الانعكاس الحقيقي للإصلاح الاقتصادي على المواطن العادي، الذي يختلف طبعا عن مواطن الدكتور نظيف.

ومع ذلك، فعند تحليل النمو في الصادرات نجده يكشف عن عدة نقاط مثيرة للجدل. أولا، أن نمو الصادرات اعتمد بشكل أساسي على الزيادة الكبيرة في صادرات مصر من مواد البناء – خاصة الأسمنت وحديد التسليح – التي شكلت حوالي 28.8% من إجمالي الصادرات غير البترولية في عام 2005 ارتفعت إلى 31.5% في عام 2006، وهي صادرات تعتمد على كثافة استهلاك الطاقة، كما أن زيادة الطلب الخارجي عليها ناتج عن ظروف استثنائية تتمثل في ارتفاع أسعار الطاقة من ناحية ونمو قطاع التشييد في المنطقة من ناحية أخرى، وهي أمور لا دخل لسياسات الحكومة فيها (وبالتالي لا تعبر عن كفاءة هذه السياسات) وسوف يترتب على انتهائها آثار سلبية على هذا القطاع وعلى النشاط الاقتصادي بوجه عام. ثانيا، أن الحكومة تقدم دعما كبيرا للطاقة التي تعتمد عليها تلك المنتجات اعتمادا كثيفا مما يعني تصدير موارد طبيعية غير متجددة للخارج ودعم للمستهلكين الأجانب بالإضافة إلى زيادة أرباح المستثمرين مصريين وأجانب على حساب مستقبل المصريين. وقد حققت بالفعل شركات الأسمنت والحديد أرباحا طائلة من صادرات هذه السلع مستفيدة من انخفاض التكاليف الناتج عن رخص العمالة ودعم الطاقة المستخدمة في إنتاجها.
ثالثا، أن أرباح هذه الصادرات لم تنعكس بالإيجاب على الاقتصاد بوجه عام، بل ساهمت في زيادة تكاليف البناء في بلد يعاني من أزمة إسكان مستعصية على الحل، وكان الهدف من تقديم الدعم لهذه المنتجات هو تعويض انخفاض القدرة الشرائية في الداخل وتخفيض تكاليف إنتاج الوحدات السكنية، ولكن بسبب التوسع في التصدير يصب هذا الدعم تحديدا في مصلحة الشركات، خاصة شركات الأسمنت التي تتسرب من خلالها موارد المصريين من طاقة مدعومة وأيدي عاملة رخيصة إلى الخارج عن طريق تحويل الأرباح والتوسع في الاستثمار خارج البلاد، وهي أمور تسمح بها قوانين حوافز الاستثمار التي تتوسع فيها حكومة الدكتور نظيف. وكان نتيجة ذلك ارتفاع أسعار الحديد والأسمنت في السوق المحلية مما سينعلكس بالضرورة في زيادة كبير في أسعار الوحدات السكنية وقد يؤدي إلى ركود في سوق العقارات.
مجموعة أخرى من المنتجات ساهمت في زيادة الصادرات مساهمة رئيسية، وهي الغاز الطبيعي والبترول والتي ارتفعت صادراتها خلال السنوات الأخيرة ارتفاعا مذهلا، فقد سجلت الصادرات البترولية حوالي 3.2 مليار دولار في عام 2002-2003 بنسبة 39% من إجمالي الصادرات السلعية للبلاد ثم قفزت إلى 10.2 مليار دولار في عام 2005-2006 بنسبة 55.4 % من إجمالي الصادرات. وخلال السنوات الثلاث الماضية من حكومة الدكتور نظيف حققت الصادرات البترولية معدلات نمو تدرجت من 32.8% في عام 2002-2003 انخفضت إلى 23.7% في عام 2003-2004، وعادت لتقفز إلى 35.5% في عام 2004-2005 ثم حققت قفزة أخرى أعلى بكثير بلغت 92.9% في عام 2005-2006 بما يعني زيادة تركيز الحكومة على هذا النوع من الصادرات لزيادة حجم الصادرات المصرية وإن كان يعكس أيضا الزيادة في أسعار البترول ومنتجاته في السوق العالمية خلال هذه السنوات.
وتحيط بهذا النوع من الصادرات مشكلات كبيرة من بينها أنها موراد نادرة وغير متجددة نحتاج إليها لتنشيط الصناعة المحلية، كما أن هذه الصادرات لا تتضمن قيمة مضافة بما يعنيه ذلك من خلق فرص عمل وتنشيط الاقتصاد، والأهم من ذلك أن الحكومة المصرية تبيع الغاز الطبيعي من خلال عقود طويلة الأجل بأسعار تنخفض كثيرا عن الأسعار العالمية مما يعني أنها تدعم المستثمرين الأجانب الذين يسيطرون على انتاج الطاقة في مصر والمستهلكين في دول أخرى على حساب مستقبل المصريين، ومثال ذلك أن ناصف ساويريس، رئيس شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة، كان قد صرح بعد فرض الحكومة رسوما على صادرات الأسمنت بأن الحكومة المصرية تبيع الغاز لإسرائيل بأسعار تقل كثيرا عن الأسعار التي تتقاضاها من المصانع المصرية!

وأخيرا، فإن النمو الاقتصادي الذي يعتمد على التصدير، وخاصة في الحالة المصرية، ينطوي على مخاطر كثيرة، من ذلك أن اعتماد الصادرات المصرية على ظروف استثنائية تمر بها المنطقة يعني أن انتهاء هذه الظروف سوف يؤدي إلى تراجع الصادرات وبالتالي تدهور معدلات النمو. ولأن الزيادة في الصادرات لم تنعكس في نمو القوة الشرائية في السوق المحلية – لأنها صادرات تعتمد على انخفاض الأسعار الناتج عن الدعم ورخص الأيدي العاملة أكثر من اعتمادها على ارتفاع القيمة المضافة – فسوف ينجم عنها أزمات كبيرة عند نهاية الدورة بتراجع الصادرات في نفس الوقت الذي يحدث فيه الركود خاصة في سوق العقارات نتيجة لارتفاع التكاليف وانخفاض القدرة الشرائية. ومن هذه المخاطر أيضا أن الموارد البترولية التي يتم تصديرها بأثمان رخيصة تتميز بالتقلب الشديد في أسعارها بالسوق العالمية التي ارتفعت في السنوات الأخيرة نتيجة لظروف سياسية خاصة تمر بها المنطقة ولم تتدخل فيها عبقرية سياسات الحكومة بما يعنيه ذلك من أخطار تراجع الأسعار وبالتالي عائدا ت التصدير على الاقتصاد.
الاختبار الحقيقي لسياسات حكومة نظيف سوف يكمن في قدرتها على إجابة السؤال التالي: وهو متى سيشعر المواطن العادي بنتائج الإصلاح؟ ومتى وكيف سيتحقق ما سماه رئيس الوزراء Trickle-Down Effect؟ والواضح أمامنا أن الحكومة تستبعد الإجابة على هذا السؤال من حساباتها.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غموض يلف أسباب تحطم مروحية الرئيس الإيراني؟ • فرانس 24


.. التغير المناخي في الشرق الأوسط: إلى أي مدى مرتبط باستثمارات




.. كيف يسمح لمروحية الرئيس الإيراني بالإقلاع ضمن ظروف مناخية صع


.. تحقيق لـCNN يكشف هوية أشخاص هاجموا مخيما داعما للفلسطينيين ف




.. ردود الفعل تتوالى.. تعازى إقليمية ودولية على وفاة الرئيس الإ