الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإرهاب يخرج من عباءة المقاومة

جورج كتن

2007 / 6 / 5
الارهاب, الحرب والسلام


أكدت أحداث مخيم نهر البارد أن الإرهاب الأصولي هو خطر يتهدد جميع دول ومجتمعات المنطقة إذا لم يواجه وتعالج أسبابه. وما يعيق وعياً متقدماً لهذا الخطر:
- أوضاع مجتمعات المنطقة المتخلفة والمهمشة قسراً والتي تركت لتتناهشها أفكار ومفاهيم تراثية قديمة، فأصبحت قطاعات منها مهيأة لتقبل فكرة الإرهاب الأصولي كوسيلة متوهمة للحفاظ على أوضاعها الراهنة في مواجهة الحداثة، وفي حالات متحمسة أو مأزومة التحاق متطوعين للعمل ضمن منظمات إرهابية بتفسير ديني يقنعهم بتقديم حياتهم انتحاراً لإرهاب العدو – أي آخر – ونيل نصيب من الجنة الموعودة.
- أنظمة استبدادية ضاقت في وجهها السبل وأصبحت على أعتاب الانهيار في عالم مختلف، متغيراته الدولية أطلقت العد العكسي لنهايتها بعد أن أصبحت مخالفة لمسيرة الحضارة الإنسانية المتجهة لمزيد من الديمقراطية وحقوق الإنسان، فهي تتشبث بأحبال الهواء لكسب المزيد من الوقت قبل الانهيار، متبعة طرقاً منها بشكل خاص المساهمة في إطلاق الوحش الإرهابي الأصولي كأحد الأسلحة لمواجهة قوى دولية تريد تغييراً في المنطقة يحقق أمنها ومصالحها.
- إسلام سياسي "معتدل" يسعى للسلطة مستغلاً الأوساط الشعبية المتمسكة بالنصوص التراثية، عارضاً نفسه لاستبدال الاستبداد شبه العلماني باستبداد محمي بالنصوص المقدسة، معداً المناخ، بوعي أو بغير وعي، للمجموعات الإرهابية لتنهل من نفس الأفكار التي يعممها تحت شعار "الإسلام هو الحل". وفي بعض الحالات يجد الإسلام السياسي "المعتدل" نفسه في موقع المساند "للمجاهدين" من نموذج السفاح الزرقاوي كما فعل قياديون إسلاميون أردنيون.
- نخب سياسية قومية ويسارية تحتفظ بمفاهيم الحرب الباردة عن "العدو الإمبريالي" و" الرأسمالية المتوحشة" و"مؤامرات التفتيت والتقسيم".. وجدت في الإرهاب الأصولي بديلاً عن "نضالها" شبه المتوقف، لتنادي بشعارات "المقاومة" دون أن تمارسها لعجزها، فتترك أمرها للمنظمات السلفية الإرهابية، وتبرر لها أعمالها الإجرامية بحجة "مقاومة الاحتلال"، وإذا انتقدتها فلا تتعدى "التنبيه" لعدم التعرض للمدنيين الأبرياء!!، مع رفض رؤية الواقع حيث التفجيرات العشوائية التي تحصد العراقيين هي أغلب عمليات الإرهاب الأصولي المتحالف مع بقايا النظام الصدامي، لإقناع العالم بفشل العملية السياسية التي أطلقت.

أحداث شمال لبنان أوضحت ما ذهبنا إليه في العنوان من خروج الإرهاب الأصولي من عباءة "المقاومة"، ففتح الإسلام انشقت من فصيل فلسطيني لا نعرف ماذا يقاوم في لبنان منذ أوائل الثمانينات حتى الآن!! ففي بداية انطلاقه شن "حرب مخيمات" ضد فصيل فلسطيني منافس، وآخر نشاطاته إفراز لقيطه الأصولي المدجج بالسلاح، الذي لم يحتج لبدء القتل العشوائي لأكثر من إنزال لوحات "فتح الانتفاضة" عن مكاتبها في المخيم ورفع لوحات "فتح الإسلام"، وإعلان "العبسي" بأن منظمته "جاءت لتقيم الدين ولترفع راية لا الله إلا الله فوق سماء فلسطين", وبدأ "التحرير!!" بقتل عشرات الجنود اللبنانيين غدراً وتفجير المدنيين الأبرياء في عين علق والأشرفية وفردان وعاليه..
فصائل أخرى من نفس الصنف "مقاومتها" لا تتعدى خدمة أطراف إقليمية. فيما فصائل أخرى أفضل حالاً تعترف بأنها "لا تقاوم" في لبنان ولكنها تحمل السلاح لحماية المخيمات. فإذا كانت جادة في ذلك فأين كانت عندما هيمنت عصابة فتح الإسلام على مخيم نهر البارد، أليس أمن المخيمات من مسؤوليتها؟؟ وإذا كان وضع مخيمات الشمال مختلفاً فما معنى توالد المنظمات الإرهابية مثل "عصبة الأنصار" و"جند الإسلام" وغيرها.. في كنف الفصائل المسلحة لمخيمات الجنوب؟؟
ويبقى استمرار السلاح الفلسطيني في المخيمات وخارجها عاجزاً عن حماية الفلسطينيين، صالحاً فقط كمفرخة للمنظمات الإرهابية، أو ورقة بيد القوى الإقليمية للتأثير في الأوضاع اللبنانية، أو في أسوأ الاحتمالات مولداً للفلتان الأمني وبيئة حامية للخارجين عن القانون. والحل الأسلم هو تحويل أمن المخيمات لمسؤولية القوى الشرعية اللبنانية، مترافقاً بإقرار معاملة متساوية للفلسطينيين مع اللبنانيين في كافة الشؤون الحياتية مع الحفاظ على الجنسية وعدم المشاركة في الانتخابات التمثيلية أو المراتب الوظيفية التنفيذية الأولى – كما في سوريا-، وأحد الحلول إلحاق المسلحين الفلسطينيين بإمرة الجيش أو الأمن الداخلي اللبناني، وذلك ممكن في ظل العلاقة الجيدة لمعظم الفصائل مع السلطة والجيش اللبناني.
لقد وعت معظم القوى السياسية اللبنانية أهمية بناء الدولة القوية ومدى الخراب الذي أدى إليه الأمن الخاص بالمناطق والطوائف والمخيمات والحارات.. أثناء الحرب الأهلية الدامية، كما اقتنعت الغالبية أن الدولة القوية لا يمكن أن تبنى إلا على إنهاء جميع البؤر والمربعات الأمنية، بحيث يصبح توفير الأمن للجميع وتطبيق القانون على الجميع، لبنانيين وفلسطينيين، مهمة محصورة في الدولة اللبنانية وأجهزتها العسكرية والأمنية والقضائية.
ضعف الدولة عامل مساعد على انتشار المنظمات الإرهابية، لذلك لا نستغرب وصولها إلى لبنان، إلا أن ذلك ليس قدراً أبدياً بعد اقتناع معظم اللبنانيين بالاتكال على الدولة لاستقرار الأمن، كما أن نجاح الجيش المتوقع في حسم ظاهرة فتح الإسلام الإجرامية سيزيد من الثقة بالدولة ويسهل العمل الجاد لتقوية أجهزتها الشرعية وإنهاء "الدول" القائمة ضمن الدولة.
ضعف الدولة الناشئة في العراق أيضاً سهل انتشار الإرهاب الأصولي، كما أن ضعف "شبه الدولة" في الضفة وغزة سهل الفلتان الأمني وبدء اندلاع حرب أهلية، ولن نستغرب إطلاقاً إذا خرجت من عباءة "المقاومة" هناك قريباً منظمات أصولية إرهابية تدعي العمل "لتحرير فلسطين" لتقتل المدنيين من جميع الملل!!.
إن إعلان "مقاومة" في أي بلد دون الحاجة لها يعني إعطاء فرصة لانتشار الإرهاب الأصولي والفلتان الأمني والفوضى والحروب الأهلية.. فما يجمع بين "المقاومة" والإرهاب هو ثقافة الموت ومنهج القتل العشوائي كوسيلة وحيدة، وأفضل وصف للنتائج النهائية الواحدة للطرفين ما قاله المبدع "أدونيس": أنا ضد حكومة حماس حتى لو حررت فلسطين..حماس ستبني دولة دينية شمولية تنتهك الحريات وحقوق الإنسان..
الأنظمة القوية حالياً في المنطقة التي تعلف الوحش الإرهابي فتمده بما يلزمه أو توفر له حرية الحركة.. لن يطول بها الزمن لتصبح فريسة له بعد أن تنفتح شهيته للانتحار والقتل المعمم. هذه ليست نبوءة بل نتيجة مؤكدة لتجارب المنطقة، فالسادات كان الضحية الأولى للوحش الأصولي الذي أطلقه في مواجهة الناصريين واليسار المصري. وكان الهدف الأول للقاعدة بعد قيام إمارة الطالبان هو أميركا التي دعمت " المجاهدين" بالسلاح والتدريب لإخراج الاتحاد السوفييتي من أفغانستان. ولم يوفر الوحش الإرهابي النظام السعودي رغم دعمه "للجهاد والاستشهاد" في أفغانستان والشيشان..بالأموال والفتاوى والمتطوعين..
الأفغان العرب كانوا خميرة الإرهاب الإجرامي في الجزائر ومصر واليمن.. وسيكون "مجاهدو العراق" خميرة قادمة تتوزع على دول المنطقة القريبة والبعيدة التي وفرت دعماً أو تبريراً أو وقفت موقفاً محايداً من الإرهاب أو تهاونت في مكافحته. هذه الدول لن تبقى قوية أمام الوحش الإرهابي الذي أطلقت عقاله إن لم تضع الآن خطره في المرتبة الأولى من الاهتمام.
الإرهاب الأصولي النابع من منطقتنا هو وباء مثل الإيدز، لن تثمر مواجهته إن لم تكن شاملة لكل دول العالم، فالحرب ضد الإرهاب لن تنتصر إلا بتضافر جهود جميع الدول.

– أيار 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاتحاد الأوروبي يقر إصلاح سياسات الهجرة واللجوء.. أي تداعيا


.. تونس: الاتحاد الأوروبي يطلب إيضاحات بعد موجة التوقيفات الأخي




.. ردا على افتحام مقر هيئة المحامين في تونس.. عميد المحامين يلو


.. حرب غزة والتطورات في المنطقة تخيم على أعمال القمة العربية في




.. الجزيرة ترصد معاناة سكان رفح بعد أسبوع من إغلاق المعابر