الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جولة بن لادن السياحية، وثقافة الكراهية!

باتر محمد علي وردم

2003 / 9 / 12
الارهاب, الحرب والسلام


كاتب أردني

قدمت لنا قناة الجزيرة هديتها المسمومة في ذكرى 11 أيلول المشؤومة على العالم الإسلامي، فبثت شريطا للإرهابيين أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وهما يتنزهان بشكل أقرب إلى الرومانسية في أحد المناطق الجبلية في مكان مجهول. المشهد الباهر للجبال والخضرة كاد أن يبعث على الهدوء والطمأنينة والسكينة، ولو شاهدهما شخص يجهل تاريخهما لاعتقد إنه بصدد إثنين من أولياء الله الصالحين لا شخصين نشرا الدمار والموت والكراهية في كل أنحاء العالم، وتسببا بقتل عشرات الآلاف من الأبرياء مسلمين وغير مسلمين، وبنيا جدارا من الكراهية والشك بين المسلمين و5 مليارات شخص آخرين على وجه الأرض.

لست في صدد التعليق على ما قاله بن لادن في الشريط، فقد سمعنا هذا الكلام الفارغ كثيرا وسئمنا منه، ولكن هذه فرصة أخرى للتذكير بما يمكن أن تصنعه ثقافة الكراهية والحقد التي نشرها بن لادن وتنظيم القاعدة في أرجاء العالم الإسلامي وعبرت عن نفسها بأسوأ صورة في تفجيرات 11 أيلول 2001 في نيويورك وتفجيرات تشرين الأول الماضي في بالي في إندونيسيا.

خلال سنتين من تفجيرات أيلول مر العالم الإسلامي بثلاث مراحل تشابه ما يمر به المريض الذي يتم تشخيص مرض السرطان لديه. فقد كانت المرحلة الأولى هي مرحلة الرفض والإنكار والتي تميزت بالتشكيك في الروايات الأميركية حول التفجيرات وتحويل أصابع الاتهام إلى جهات أخرى واستحضار نظريات المؤامرة والأساطير، والمرحلة الثانية كانت الصدمة والذعر التي عمت العالم الإسلامي من جراء معرفة الحقيقة وتميزت بتشديد القمع والرقابة والشك على كل الحركات الدينية بلا استثناء والنقل المستنسخ للأفكار والطروحات الأميركية حول مكافحة الإرهاب. 

ويبدو أننا قد دخلنا الآن المرحلة الثالثة المفيدة وهي محاولة التعامل الجدي مع المرض والتخلص منه والوصول إلى الشفاء إن أمكن، والإرهاب هو العارض الرئيسي للمرض ولكن السبب هو ثقافة الكراهية،  والتي لا يمكن علاجها إلا بنشر الثقافة المضادة لها وهي الحرية والعقل والتسامح والحوار.

ثقافة الكراهية تتجسد ببساطة في رفض الآخر المختلف والمطالبة بالقضاء عليه والتخلص منه، وهو الجوهر الرئيسي للخطاب الثقافي الذي تنشره تنظيمات إرهابية مثل القاعدة. أن هذا الخطاب العدواني لا يمكن أن تبرره السياسات الأميركية والغربية والإسرائيلية تجاه العرب والمسلمين بشكل مبسط.  خطاب مقاومة الاحتلال مبرر تماما، وأبرز من يستخدمه بشكل ايجابي في العالم العربي حزب الله، فخطابه الديني يشحذ القيم الجهادية ضد عدو واحد محدد وهو التشكيلات العسكرية للجيش الإسرائيلي المحتل، ولكنه يدعو بنفس الوقت لعدم الاعتداء على المدنيين ويدعو ويطبق بشكل ناجح نظريات الحوار والتسامح مع الفئات الأخرى غير المعتدية. 

أما خطاب التنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وأنصار الإسلام فهو لا يفرق بين مدني وعسكري، ولا بين عدو محتل وأخر يختلف عنا في الدين والعرق، بل يدعو إلى قتل الجميع، مدنيين وعسكريين ومسلمين وغير مسلمين ورفض التعاون والاختلاط مع الآخرين ورفض الديمقراطية وأي نظام آخر يختلف عن تأويلهم الخاص للإسلام. ولكنه في نفس الوقت يستخدم مناخ الحرية والديمقراطية في البلدان الغربية للتخطيط للعمليات الإرهابية كما فعل أعضاء القاعدة في ألمانيا أثناء ترتيب "غزوة مانهاتن" الشهيرة. وتملأ هذه التنظيمات الدنيا ضجيجا في حال اعتقال أحد أفرادها أو المتواطئين معها ويطالبون بالحرية والديمقراطية لهم ويرفضونها لغيرهم.

لن نتخلص من سرطان الإرهاب إلا بالتخلص من ثقافة الكراهية وأن ننشر ثقافة عربية إنسانية تكون طرفا في الحضارة والتفاعل مع الآخرين، وأن تكون ثقافة عقلانية تؤمن بقيمة الحرية والكرامة والعدالة للجميع، واشعر بتفاؤل بالرغم من كل هذه الظروف الصعبة بأن العالم الإسلامي في طريقه لتطوير هذه الثقافة أخيرا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل يصوت الناخبون يوما لذكاء اصطناعي؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. ما تداعيات إلغاء إسرائيل -المحتمل- للإعفاءات المقدمة للمصارف




.. الانتخابات الأوروبية.. صعود اليمين | #الظهيرة


.. مارين لوبان تعلن استعداد حزبها لتولي السلطة إذا منحه الفرنسي




.. استقالة غانتس.. مطالبه وشروطه | #الظهيرة