الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سر رأس المال 2

فتحى سيد فرج

2007 / 6 / 7
العولمة وتطورات العالم المعاصر


فى سبيل شرحه للسر الأول يوضح المؤلف الأوضاع القائمة فى بلدان العالم الثالث مقارنة بالدول المتقدمة، فقبل 1950 كانت بلدان العالم الثالث فى معظمها، مجتمعات زراعية راسخة، وبعد 1950 بدأت فى هذه البلدان ثورة اقتصادية شبيهة بالاضطرابات الاجتماعية والاقتصادية التى حدثت فى أوروبا عام 1800، حيث بدأ سكان المدن يتزايدون بمعدلات متسارعة مما جعلهم يسكنون الأكواخ، كان كل شئ يحث كما لو كانت المدينة تتهاوى، البناء بلا ضوابط ، يتركز المهاجرون فى مناطق لا يتوفر فيها بنية أساسية، الصرف الصحي عاجز عن تصريف مياه الأمطار ، وينسد كل يوم، الباعة الصغار يفترشون أرصفة الشوارع، لقد أصبحت المدينة غير قابلة للحياة فيها .
لم يكن وجود الفلاحون مرحبا به فى المدن، وكانوا يواجهون بالعداء المتزايد من القواعد التى حالت دون وصولهم إلى الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية الرسمية، كان من الصعب عليهم الحصول على مسكن قانوني، أو دخول مجالات العمل الرسمية .
أوضح المؤلف من خلال الدراسات الميدانية صعوبة حياة هؤلاء المهاجرين، ففي بيرو حاول فريق الباحثين معه فتح ورشة صغيرة للثياب فى ضواحي ليما، كان الهدف إقامة مشروع بشكل قانوني، عندئذ بدأ الفريق استيفاء الاستمارات، والوقوف فى الطوابير للحصول على الشهادات المطلوبة، كانوا يمضون 6 ساعات يوميا فى مثل هذه الأعمال، وأخيرا سجلوا المشروع بعد 289 يوما، ورغم أن المستهدف كان تشغيل عامل واحد بالورشة، فقد بلغت تكاليف التسجيل 1231 دولار بما يعادل 31 مثل الحد الأدنى للأجر شهريا .
الأمثلة كثيرة فللحصول على ترخيص رسمي لبناء بيت على أرض مملوكة للدولة، استغرق الأمر ما يقارب من 7 سنوات، وتطلب 207 خطوات إدارية فى 52 مكتبا حكوميا، ولاستكمال الحصول على سند ملكية لهذه الأرض اقتضى الأمر 728 خطوة .
وفى مصر يتعين على الشخص الذي يرغب فى الحصول على قطعة أرض من الصحراء المملوكة للدولة، ويسجلها قانونا، أن يسير 77 إجراء بيروقراطيا، فى 31 هيئة، ويستغرق ما بين 6 إلى 11 سنة من المشاحنات- لم يوضح المؤلف مقدار تكاليف كل خطوة، سواء كانت شرعية أو غير شرعية فى صورة إتاوات ورشاوى، قد يعجز الكثيرين عن الوفاء بها، مما يؤدى إلى ضياع العديد من الحقوق - من أجل ذلك ليس بمستغرب أن يعيش أفقر الفقراء فى أطراف القاهرة بالمقابر القديمة، ويفسر هذا أيضا السبب فى أن 4.7 مليون مصري اختاروا بناء مساكنهم بصورة غير قانونية، وإذا قرر المستوطن شراء الحقوق الخاصة بمسكنه، فإنه يخاطر بهدمه ودفع غرامة باهظة، وقد يمضى فى السجن ما يصل إلى عشر سنوات، وفى النهاية يتبن أن الأجزاء من المدينة التى لا يمكن تسجيل الأصول بها، فإنه من المستحيل خلع حياة على رأس المال فيها .
الواقع أننا وجدنا فى كل بلد أن بقاء الوضع غير قانوني، يماثل فى صعوبته اكتسابه الصفة القانونية، ومن المحتم، أن المهاجرين لا يحطمون القانون بقدر ما يحطمهم القانون، لذا فإنهم يؤثرون الخروج على النظام، فنجد فى البرازيل على سبيل المثال أن 3 % فقط من الإنشاءات المعدة للإيجار مسجلة، والباقي يعمل خارج الاقتصاد الرسمي .
فى مراكز تجمع هؤلاء الفقراء يرتبط الناس بعقد اجتماعي بدعم من مجتمعهم، وقد خلقت هذه العقود التى لا تتمتع بحماية القانون قطاعا نابضا بالحياة، فرغم أن المهاجرون هم فى الحقيقة لاجئون من القانون، فنادرا ما انسحبوا إلى البطالة، إذ تعج هذه المراكز بالعمل الشاق والإبداع، فقد قامت الصناعات الصغيرة على جانبي الشوارع، نجد الورش تصنع وتعيد تجميع الآلات على وصلات سرية للكهرباء والمياه .
منظمو هذه المشروعات يسدون الثغرات فى الاقتصاد الرسمي، حيث يوفر الباعة القادمون من الأكواخ معظم الأغذية المعروضة فى الأسواق، سواء على عربات تذرع الشوارع، أوفى الأكشاك والنصبات القائمة بالبنايات
التى يشيدونها، عدم التمتع بحماية القانون هو القاعدة، فالقوى البازغة فى بلدان العالم الثالث والبلدان الشيوعية السابقة، هم جامعوا القمامة، وصناع الأدوات المنزلية، وشركات التشييد غير القانونية القائمة فى الشوارع البعيدة، والاختبار الوحيد المتاح لحكومات هذه البلدان هو ما إذا كانت ستدمج هذه الموارد فى الإطار القانوني المنظم، أم تتركها لتستمر موجودة فى حالة فوضى .
كم يبلغ مقدار رأس المال الذي لا يدر عائدا ؟ فى سبيل الإجابة على هذا السؤال المثير يذكر المؤلف أنه خلال العقد الماضي أجرى الباحثين المعاونون لي مسوحا لخمس مدن هي : القاهرة، ليما، مانيلا، مكسيكوسيتى، و بورت، وذلك فى محاولة لتقدير قيمة ممتلكات الأشخاص الذين استبعدتهم القوانين عن الاقتصاد الرسمي أو الرأسمالي، وعلى خلاف ما يمتلكونه من أعمال لبيع الأغذية والأحذية، وإصلاح السيارات وتصنيع الآلات الصغيرة وخلافه – والتي يصعب حصرها وتقدير قيمتها – فقد ركزنا انتباهنا على الأصول الملموسة، والتي يمكن حصرها وتقدير قيمتها بشكل أفضل، وهي العقارات، وقد تبين أن رأس المال غير المنتج فى هذه البلدان النامية يمثل تلالا فى الشوارع، من العقارات فقط .
ففي الفلبين، يعيش 57% بالمدن و67% بالريف فى بيوت لا تدر عائد، تبلغ قيمتها 133مليار دولار ، بما يمثل 4 أضعاف رأس المال الرسمي المسجل فى البورصة، فى هاييتي 58% بالمدن و97% بالريف .
أما فى مصر فنجد 92% ممن يسكنون بالمدن و 83% من أهل الريف، يحوزون عقارات لا تدر عائد، تبلغ قيمتها 240 مليار دولار ، بما يعادل 30 مثل قيمة الأسهم المسجلة فى بورصة القاهرة، و55 مثل قيمة كل الاستثمار الأجنبي فى مصر .
فى كل بلد درسنا أحواله، خلق إبداع الفقراء فى مجال تنظيم المشروعات ثروة واسعة النطاق، ثروة تشكل حتى الآن أكبر مصدر لرأس المال المحتمل اللازم للتنمية، لا تزيد هذه الأصول على حيازات الحكومة، والمتداولة فى البورصات، وكل الاستثمارات الأجنبية فحسب، وإنما تزيد مرات عديدة على كل المعونات التى قدمتها الدول المتقدمة، وكل القروض التي يمنحها البنك الدولي .
ووفق حساباتنا، فإن القيمة الإجمالية للعقارات التي يحوزها الفقراء وإن لم يملكوها بصورة قانونية، فى العالم الثالث وفى البلدان الشيوعية السابقة تبلغ على الأقل 9.3 تريليون دولار، وذلك رقم له قيمته ووزنه الكبير، فهو يمثل نحو ضعف إجمالي عرض النقود المتداولة فى الولايات المتحدة، وهو مبلغ يساوي تقريبا القيمة الإجمالية لكل الشركات المسجلة فى البورصات الرئيسية فى أكثر 20 بلدا تقدما فى العالم، ويزيد على 20 مثل إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر بعد 1989، وكذلك يزيد عن 46 مثل كافة قروض البنك الدولي فى العقود الثلاثة الأخيرة، و93 مثل كل مساعدات التنمية المقدمة من كافة البلدان المتقدمة للعالم الثالث فى نفس الفترة .
إن عبارة " الفقر الدولي " تورد على الخاطر صور الشحاذين فى شوارع كالكتا، والأطفال الجوعى الذين يمتون بالآلاف فى أفريقيا، بالطبع هذه مشاهد حقيقية، ولكنها تصرف الاهتمام عن الإنجازات التي حققها صغار منظمي المشروعات، الذين انتصروا على العقبات التي يمكن تخيلها لخلق الجزء الأكبر من ثروة مجتمعاتهم، وإنني أعترض على وصف هؤلاء الأبطال، بأنهم مساهمون فى مشكلة الفقر العالمي، إنهم ليسوا المشكلة، بل إنهم هم الحل، إذا أمكن التوصل إلى السر الذي يبين كيف يمكن تحويل أصولهم إلى رأس مال حي قادر على أن يدر عائد .
فما هو هذا السر ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-