الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريجور سامسا

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2007 / 6 / 7
الادب والفن


مرت قبل أيام ، وبالتحديد في الثالث من حزيران الذكرى الثمانون للغياب الجسدي للروائي العظيم فرانز كافكا، عن هذا العالم . عالم حيث الملايين يستيقظون، فيكتشفون أنفسهم حشرات ، مثلما كان الموظف البائس جريجور شمسه.
لقد تنبأ فرانز كافكا بحسه الرهيف و المذهل بجوهر العصر الرأسمالي في مرحلة انحطاطه وتفسخه ، والذي نعيشه في هذه الفترة المسماة عصر العولمة ، والنظام العالمي الجديد بقيادة الإمبريالية الأمريكية، حيث يتحول البشر تدريجيا إلى درجات أدنى من البهائم.
فلو لقي جريجور سامسا نفسه فجأة حشرة في الظاهر ، لكنه داخليا كانت عملية الانمساخ بدأت منذ شعوره باليأس والإحباط ، ومعاناته الاستلاب في ظل العلاقات اللا إنسانية للرأسمالية.
فقليل من التأمل يضعنا أمام صورتنا الحقيقية ، حقيقة أنه عبر نشاطنا، و أعمالنا، ونزهتنا، و تمضية أوقات فراغنا و ظروف معيشتنا، كلها قد استحلنا نسخا مكرّرة من جريجور سامسا . وأن ماكينة الزمن قد أمست آلة استنساخ جريجورسامسا ، بالملايين من النسخ التي ترعب ذاتها.

إن للكاتب الكبير فرانز كافكا عبارته الشهيرة:"الكفاح يملؤني سعادة تفوق قدرتي على فعل أي شيئ ، ويبدو لي أنني لن أسقط في النهاية تحت وطأة الكفاح ، بل تحت وطأة الفرح."
هذه العبارة ، و التأمل في كتاباته تفند الرأي القائل بسلبية موقف فرانز كافكا من تغيير الوضع المزري للموظفين والعمال المعانين من العزلة والقلق الاغتراب والاستلاب.
لقد صور لنا قبل قرن، هذا الحزن العظيم، وهذا القلق و الاستلاب الذين يكادان يخنقاننا. وقد علمنا أننا نحن المسئولون قبل غيرنا عن الأوضاع التي نعيشها، و التي يعيشها غيرنا أيضا.
أجل ، ثمة ملايين النسخ البشرية من جريجور يموتون من العزلة والحزن واليأس والغضب . كلنا نشبه جريجور سامسا في تعاملنا وعلاقاتنا بالآخرين، وقد أضحت سمة حياتنا التوتر والشعور بالظلم والقهر.
وإن النهايات الفاجعة في أعمال كافكا غدت نهاياتنا جميعا، ملخصة الحياة البائسة نفسها التي كان يعيشها جريجورسامسا، والتي نعيشها نحن . واليأس المحدق به، هو نفسه المحدق بنا اليوم. وأن سوداويته هي سوداويتنا . ومثلما كان يحمل الكثير من الحزن والوجع والآلام، فنحن أيضا نحمل أكثر مما كان يحمل في ظل النظام العالمي الجديد.
ونحن أيضا مثل جريجور سامسا ، معذبون ، لكن لا ندع اليأس ينخر روحنا ،و عزيمتنا ، و مثله كذلك بات الغضب الذي يولده القلق يطبع روحنا بطابعه.
وفي ظل ما بعد الحداثة " البوست مودرنيزم" و النظام العالمي الجديد أمسينا غرباء إضافة إلى كوننا مستلبين ، لكن كافكا عانى من
العزلة، والغربة، إذ أنه كان ألمانيا بين التشيك، و يهوديا بين الألمان، وكافرا وملحدا بين المؤمنين اليهود و المسيحيين. لكننا أصبحنا غرباء عن كل شيء بين كل الأشياء التي خلقتها الطائفية و المذهبية و القومية التي فجرتها الرأسمالية الإمبريالية.
وكلنا ، مثل كافكا و سامسا يشعر بالقهر ، وأن كافكا بقيامه بفضح هذا القهر وتعريته ، إنما هيأ الأرضية أيضا لتغييره ، و إزالته.
لقد كان ثمة شرخ كبير في علاقة كافكا بالعالم عالمه المحيط والداخلي معا، وهذا الشرخ اليوم أكبر بيننا وبين هذا العالم ، وكذلك الشرخ واسع بين ظاهرنا وبين باطننا، بين المرئي و المخفيّ. هذا العالم الذي نعيشه لا نريده إلى الأبد، فإنه عالم الغربة الخانق المجرد من الإنسانية، عالم مسلوب منا، بعد أن أجبرنا على بنائه.
أجل ، فكلنا اليوم استحلنا جريجور سامسا ، يخنقه إحساس عميق بالمرارة والظلمة ، و يعامل كحشرة كبيرة تشيه الخنفساء ويتحول من احتفاء إلى مصدر إزعاج.
وتتنفس الأسرة الصعداء حين تموت تلك " الحشرة" وكأنما الذي يربط الإنسان بأسرته حاجة مادية إذا لم يستطع أن يحققها تخلت الأسرة عنه وحاربته كما تحارب حشرة ضارة. فهذا هو جوهر العلاقات المادية للرأسمالية ، ونظامها العالمي الجديد ، بأيديولوجيته البوست مودرنية واللبرالية الجديدة.
‏الاربعاء‏، 06‏ حزيران‏، 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم ولاد رزق 3 بطولة أحمد عز يقفز لـ 193 مليون جنيه منذ طرح


.. عيد ميلاد خيرى بشارة.. بصمات سينمائية مميزة وقدم عمرو دياب و




.. ما هو المسلسل أو الفيلم الذي لا تمل من مشاهدته؟.. الجمهور ير


.. الفنان أيمن عبد السلام ضيف صباح العربية




.. الكوميدي أم التراجيدي؟.. أقرب الأدوار إلى قلب الفنان أيمن عب