الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سر رأس المال 3

فتحى سيد فرج

2007 / 6 / 9
العولمة وتطورات العالم المعاصر


السر يكمن فى مجموعة من الإجراءات والعمليات الطويلة والمعقدة، التي تؤدي فى النهاية إلى إطلاق الطاقة الكامنة فى الأصول، ففي البلدان النامية تخدم الأصول الأغراض المادية المباشرة فقط ، بيد إن نفس الأصول فى الغرب تحي أيضا حياة موازية، باعتبارها رأس مال خارج العالم المادي، إذ يمكن استخدامها لبعث الحركة، ولمزيد من الإنتاج بكفالة مصالح أطراف أخري " كضمان " لرهن، أو كائتمان فى صورة قرض .
لماذا لا تستطيع المباني والأراضي فى العالم الثالث أن تحي حياة موازية ؟ ولماذا لا تنتج قيمة وراء حالتها الطبيعية ؟ يتطلب ذلك عملية معقدة جدا، لا تختلف عن عملية أينشتين التي بمقتضاها يمكن جعل قرميدة واحدة تطلق قدرا هائلا من الطاقة .
ولمزيد من توضيح الأمر وكشف السر، يعود المؤلف إلى معنى الكلمة فى اللغة اللاتينية، حيث كانت تدل على رأس من الماشية، والتي تتميز بأنها ثروة منقولة، يسهل عدها وقياسها، والأمر الأكثر أهمية هو إمكانية الحصول منها على ثروة إضافية، بتشغيل صناعات أخري على منتجاتها من الألبان واللحوم والجلود والصوف والوقود، كما أن للثروة الحيوانية قدرة على إعادة إنتاج نفسها، وهكذا اكتسب رأس المال الوظيفتين، الاستئثار بالبعد المادي للأصل، وكذلك إمكانية توليد قيمة مضافة منه .
كان علماء الاقتصاد العظام من آدم سميث إلى كارل ماركس يعتقدون أن رأس المال هو الذي يزود اقتصاد السوق بالقوة المحركة، فبالنسبة لسميث كان التخصص الاقتصادي المترتب على تقسيم العمل هو مصدر الإنتاجية المتزايدة، ومن ثم تتكون " ثروة الأمم " وكان رأس المال هو الذي جعل التخصص والتبادل أمرا ممكنا،وقد حدده باعتباره رصيد الأصول المتراكمة الذي يمكن تداوله، ووافق ماركس على ذلك،وأضاف إلى ذلك أن الثروة التي تنتجها الرأسمالية تتبدى فى السلع الأساسية .
وقد أكد سميث على نقطة تعتبر الجوهر الأساسي لسر رأس المال، فالكي تصبح الأصول المتراكمة رأس مال منتج، ينبغي تحديدها وتثبيتها، فرأس المال ليس هو الرصيد المتراكم من الأصول، وإنما الإمكانية أي عملية التحويل، فطبيعة رأس المال فى الأساس لا مادية على الدوام، حيث إنه ليست المادة هي التى تشكل رأس المال، وإنما قيمة هذه المادة، كما فرق بين النقود ورأس المال، فالنقود ليست سوى شكل من أشكال رأس المال، ومن الخطأ افتراض أن النقود هي ما يحدد ويثبت رأس المال، فقد أوضح سميث إن النقود هي مجرد عجلة التداول أو الطريق السريع الذي تسير عليه الأصول، وليست هي رأس المال، لأن القيمة لا يمكن أن تتمثل فى هذه القطع المعدنية .
ولصعوبة الأمر فإن المؤلف يضرب العديد من الأمثلة لتوضيح الطاقة الكامنة فى الأصول، لننظر فى حالة بحيرة جبلية، التي يمكن اقتصار استخداماتها الأولية، فى التجديف بالقوارب، وصيد الأسماك، ولكن عندما نوسع استخدامها بمنظور هندسي، وذلك بإضافة محطة كهرومائية، فإن ذلك يمثل تحويل إمكانيات البحيرة الكامنة لإنتاج طاقة جديدة، والتحدي الذي يواجهه المهندس هو التوصل إلى الطريقة التي يستطيع بها خلق عملية تتيح له تحويل وتحديد وتثبيت هذه الإمكانية الكامنة، ويتم ذلك عن طريق الكهرباء التي يمكن التحكم فيها ونقلها لتدير ماكينات فى مصنع، وتنير المنازل، فالشيء الذي كان مطلوبا هو عملية خارجية من صنع الإنسان أتاحت لنا تحديد الطاقة الكامنة، أي تحويل "طاقة الوضع" إلى كهرباء يمكنها إضافة قيمة مضافة .
إن رأس المال مثله مثل الطاقة، له أيضا قيمة راكدة غير مستخدمة، ويتطلب بعث الحياة فيه النظر إلى ما وراء الأصول، ورغم أن العملية التي تحول الطاقة الكامنة إلى كهرباء معروفة جيدا، يمكن إدراكها فى التوربينات والمولدات والمحولات والأسلاك، فإن العملية التي تخلع على الأصول الشكل المطلوب لتحقيق مزيد من الإنتاج ليست معروفة، يرجع ذلك أن تلك العملية الأساسية لم توضع قصدا لخلق رأس مال، وإنما لغرض دنيوي، هو حماية الملكية العقارية، فمع نمو نظم الملكية فى الغرب تطورت آليات لا يمكن إدراكها، واندمجت فى عملية تمخضت عن تشكيل رأس المال، إن ما يخلق رأس المال فى الغرب دائما، هو عملية ضمنية مطمورة فى تعقيدات النظم الرسمية للملكية .
قد يبدو أمر الملكية بسيط جدا وفى نفس الوقت معقد جدا، فلا يمكن استخدام الأصول إن لم تكن ملك شخص محدد، ومسجلة فى وثائق، ففي الغرب بدأ نظام الملكية الرسمية يحول الأصول إلى رأس مال، بوصف وتنظيم هذه الأصول، والاحتفاظ بهذه المعلومات فى نظم تسجيل، وتحكم هذه العملية مجموعة من القواعد القانونية المفصلة، فالملكية هي الوسيلة التى تربط الأصول ببعضها وتربطها أيضا بالأسواق، أنها بمثابة المحطة الكهرومائية، أي المكان الذي يولد فيه رأس المال .
أن أي أصل لم تحد وتثبت أوصافه وجوانبه الاقتصادية والاجتماعية، يصعب تحركه فى السوق، والمشكلة الأساسية التي تواجهها بلدان العالم الثالث، لا تتمثل فى الافتقار إلى تنظيم المشروعات، فلقد راكم الفقراء من العقارات فقط ، خلال 40 عاما تريليونات، إلا إن ما يفتقر إليه الفقراء هو سهولة الوصول إلى آليات الملكية، ففي الغرب كل قطعة أرض، كل بيت، وكل شئ منقول، مملوك، ومحدد ومثبت رسميا فى سجلات يجري تحديثها دوريا، حتى الشركات يملكها بصورة غير مباشرة أشخاص حقيقيون، من خلال السندات والأسهم .
لماذا إذن يصبح تكوين رأس المال سرا ؟ ولماذا لم تشرح الدول الغنية التي كثيرا ما تقدم المشورة للدول الفقيرة، أن الملكية الرسمية نظام لا غنى عنه لتكوين رأس المال ؟ الإجابة هي أنه يصعب ذلك لأقصى حد، لعدم سهولة تصور الملكية، حيث أنها مستترة فى آلاف النصوص واللوائح والتنظيمات، والطريقة الوحيدة لرؤيتها هي من خارج النظام، فالملكية مثلها مثل الطاقة مجرد مفهوم، لا يمكن اختبارها مباشرة، فلم نشاهد الطاقة، ولا نستطيع كذلك مشاهدة الملكية، فالمرء لا يستطيع أن يختبر الطاقة أو الملكية إلا بآثارهما، لذلك فإن الملكية فى الغرب لها أثار يمكن فقط رؤيتها، وهي فى نفس الوقت التى تنتج للمواطنين توليد رأس المال .
أثار الملكية
· تحديد وتثبيت الإمكانيات الاقتصادية الكامنة للأصول : فرأس المال يتولد أساسا عن التمثيل فى – سند ملكية، أوراق مالية، عقود – حيث أن كل هذه المستندات تخرج الأصول بصورة آلية من العالم المادي، إلى الكون الخاص بالمفاهيم، ويظهر الدليل على أن الملكية هي مفهوم صرف، عندما يتغير ملاك المنزل، إذ لا يتغير من الناحية المادية، ويبقى على نفس الشاكلة سواء كنت املكه أو أستأجره، فالملكية ليست هي المنزل نفسه، وإنما المفهوم الاقتصادي له، مجسدا فى تمثيل قانوني، وهذا يعنى أن التمثيل الرسمي للملكية شئ منفصل عن الأصل الذي يمثله .
والتمثيل الرسمي ليس شئ يحل محل الأصل، أو صورة فوتوغرافية له، وإنما هو تمثيل لمفهومنا عنه، إنه يمثل الخصائص غير المرئية التي لها إمكانية كامنة لإنتاج قيمة، وهذه ليست الخصائص المادية للمنزل، وإنما الخصائص ذات المعنى من الناحية الاقتصادية والاجتماعية التي نخلعها نحن البشر عليه، وفى البلدان المتقدمة يعمل هذا التمثيل الرسمي للملكية كوسيلة لضمان مصالح الأطراف الأخرى، ويخلق الخضوع للمساءلة بتوفير كل المعلومات والقواعد وآليات التنفيذ المطلوبة للقيام بذلك .
فى الغرب إذن يمكن بسهولة استخدام الملكيات الرسمية كضمان لقرض، أو كحقوق للمساهمين، فالبيوت التي تستخدم كمأوى أو أماكن عمل يضيف لها تمثيلها حياة موازية، لذا وفرت الملكية القانونية للغرب أدوات لإنتاج فائض القيمة إضافة إلى أصولها المادية، وأصبحت السلم الذي ارتقت عليه دول الغرب من عالم الأصول فى حالتها الطبيعية إلى عالم مفاهيم رأس المال، كما أصبحت أيضا مفتاح التنمية الحديثة للمواطنين وللمجتمع بيسر وسهولة كبيرة وبشكل مستمر .
· إدماج المعلومات المتناثرة فى نظام واحد : يرجع السبب الرئيسي فى أن الرأسمالية انتصرت فى الغرب، وتعثرت فى باقي دول العالم إلى أن معظم الأصول فى الغرب قد تم دمجها فى نظام رسمي واحد، فخلال القرن التاسع عشر جمع السياسيون والقضاة معا الحقائق والقواعد المتناثرة، من المدن والقرى لتعمل معا .
قبل ذلك كانت القدرة على الحصول عن المعلومات صعبة حيث كانت مبعثرة، وكان التسجيل فى دفاتر بدائية أو شهادات شفوية، ففي كاليفورنيا بعد هوجة الذهب، كان هناك نحو 800 سلطة قضائية منفصلة، لكل منها سجلاتها ولوائحها التي تم وضعها بتوافق الآراء، وبعد أن اتفقت روابط الحقوق المدعى بها على القواعد وانتخبت مسئوليها، تم دمج أكثر من 35 نظاما قضائيا، واستغرق الأمر أكثر من 100عاما .
وفى ألمانيا بداـ عملية تسجيل الملكية فى القرن الثاني عشر، ولم تكتمل إلا فى نهاية القرن التاسع عشر، لعل ذلك يفسر صعوبة تتبع حركة الإدماج لأنها تمت عبر فترات طويلة جدا، كانت النتيجة النهائية للإدماج قيام سوق متكاملة للملكية حركت النمو الاقتصادي الذي تفجر فى جميع الولايات المتحدة، كما أدي الإدماج والتكامل فى البلدان المتقدمة إلى أن المتعاملين لم يعودوا فى حاجة لرؤية الأصول لرؤية، أو السفر لزيارة الملاك، ذلك أن نظام الملكية الرسمي يجعلهم يعرفون ما هي الأصول المتاحة، وما هي الفرص القائمة لخلق فائض القيمة، ومن ثم أصبح تقييم وتبادل الإمكانيات الكامنة للأصول أكثر سهولة، مما يعزز إنتاج رأس المال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا