الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن النكسة والمقاومة وتناقضات العيش في الجولان

ليلى الصفدي

2007 / 6 / 8
القضية الفلسطينية


كان فيّ من براءة الطفولة وتفاؤل الشباب الكثير ليحول بيني وبين إدراكي كل معان الهزيمة، لم أكن بعد اعرف أن 67 ليست مجرد ذكرى مؤلمة، إنما هي هزيمة ستتجدد كل عام بحزن اكبر وخسائر نفسية أعمق، لذلك أجد صعوبة بالغة الآن بأن استجمع ذكرياتي عن تلك الأيام التي قررت بها العبور.... الجولان لم يكن بالنسبة لي بعد إلا جرح صغير في خاصرة الوطن، الجولان الآن تكثيف مؤلم للهزيمة وجرح يزداد عمقا مع كل ذكرى جديدة.
مذ لحظة العبور إلى الجولان المحتل عليك أن تعيش الشعور ونقيضه في آن.... أنت في قمة الفرح المترقب.. المتوتر.. لاكتشاف جزء عزيز على قلبك، وفي قمة الحزن، أنت هنا على الحد الفاصل تودع بعضا منك لتستقبل آخر منك، ربما سترافقك هذه المشاعر المتناقضة خلال حياتك كلها هنا في الجولان، الجولان الممزق بين ولاء وحب وعاطفة تجاه أهله ووطنه.. وبين تبعية قسرية للدولة المحتلة ومؤسساتها المختلفة...
ربما يكون هذا الحديث مناسبة للتعرف أكثر علينا كجولانيين، على تفاصيل حياتنا المعقدة وعلاقتها بدولة الاحتلال.. بدون تزيين.. وأقنعة.. ومزايدات لفظية.
للأسف الشديد.. إن مفردات الواقع الجولاني واضحة وصارخة... ومؤلمة حد الوجع..
منذ نعومة أظفاره يخضع الطفل الجولاني لماكينة التربية الإسرائيلية.. ويكبر هذا الطفل لتتشابك حياته ومصالحه أكثر فأكثر مع الدولة المحتلة، فليس من السهل نفي الدولة، أية دولة، بشحنة رغبوية أو انفعالية... فكيف إذا كانت هذه الدولة دولة احتلال تحاربك حينا بقوة وجبروت وحينا آخر بمكر ودهاء، الجولان يعيش هذه المعاناة المضاعفة مع دولة الاحتلال منذ أربعين عاماً ...
دعوات "اللاتطبيع" ومقاطعة دولة الاحتلال يمكن أن تُتخذ كأهداف في سوريا مثلا.. أو مصر أو الأردن.. أو غيرها.. أما في الجولان فهي لا بد ستبقى مجرد شعارات لفظية.. فصامية.. إلى حد غير قليل.. خصوصاً في ظل حالة انعدام البدائل والإهمال الرسمي والشعبي للجولان أرض وبشر:
ما الذي يبقى من هذه الشعارات لمعلم المدرسة الجولاني الذي تعينه وزارة المعارف الإسرائيلية ليعمل ويعلّم أطفالنا وفق قوانينها ومناهجها ومبادئها؟؟ ما الذي يبقى لعامل يكسب قوت يومه من تعمير المستوطنات الإسرائيلية على أرض جولانه المحتل.. وأرض أصحابها النازحين؟؟! ما الذي يبقى للطالب الذي يتعلم ويتقدم لامتحانات التناخ (التوراة) والتراث الدرزي ومدنيات إسرائيل واللغة العبرية؟!! ما الذي يبقى لطالب يدرس في جامعة حيفا أو تل أبيب ويصاحب.. ويحاور أقرانه من الطلاب العرب واليهود؟! ويستمع لمحاضرات الأدمغة اليهودية في الجامعات الإسرائيلية؟؟! ما الذي يبقى لسائق الأجرة الذي يعمل على خط كريات شمونة- تل أبيب ويقل المسافرين الإسرائيليين يومياً؟! ما الذي يبقى للطبيب الذي يعمل تحت لواء صندوق المرضى الإسرائيلي – كوبات حوليم- و "التأمين الوطني الإسرائيلي" ويقبض معاشه ومعاش أطفاله منها؟؟! ما الذي يبقى للمحامي الذي يقتات من سعيه اليومي لتطبيق القانون الإسرائيلي.. و "العدل الإسرائيلي"؟؟! ماذا يبقى حتى للشيخ الطاعن في السن أو للعجوز الطاعنة حين يؤمنا قوت يومهما من "التأمين الوطني الإسرائيلي"؟؟! ويقبضون النقود من البنك الإسرائيلي؟؟!... (طبعا هذه النقود ليست منة وإنما هي الضرائب الباهظة التي ندفعها أضعاف مضاعفة(.
ما الذي يبقى للمزارع.. زارع التفاح والكرز.. والذي يشتري مستلزمات زراعته من أدوية وأدوات وأسمدة من السوق الإسرائيلية.. ويقرأ تعليماتها بالعبرية، ويبيع منتوجه للتاجر الإسرائيلي في تل أبيب.. ويتعلم ويقلد فنون الزراعة الإسرائيلية الحديثة؟؟!
القائمة طويلة.. ويمكن إضافة الكثير الكثير.. فدولة الاحتلال لا تحتل الأرض فقط.. إنما تحتل تفاصيل حياتنا.. وقوتنا.. ورزقنا.. وحاضرنا ومستقبلنا ومستقبل أطفالنا...
ما الذي يبقى بعد كل هذا حتى لا نطبّع؟ ما الذي يبقى حتى نقاوم؟
عن المقاومة:
ربما سنواتي التسع فقط في الجولان لم تشهد إلا مقاومة بالكلمة، والمقاومة الفعلية التي تجلت في ابرز أشكالها وأوضحها في إضراب عام 82 وما تبعها من حركات المقاومة السرية وما نتج عنها من اسر واعتقال لمجموعة من الشباب الجولانيين الذين يرزحون إلى الآن في سجون الاحتلال هي الآن مجرد حديث وذكريات عن المقاومة.
المقاومة الفعلية الآن هي خلق وعي وثقافة مضادة لثقافة الاحتلال، كما تتمثل في إيجاد روابط وصيغ تعزز الانتماء للام سوريا تتجاوز الشعارات والخطابات وأيام محددة في السنة، المقاومة الفعلية هي أن يشعر المواطن الجولاني انه مواطن سوري له نفس الهم والحلم، له الحق أن يعاتب كما يمتدح، أن يشكو وطنَه لوطنه، أن يطالب بحقوقه من أمه وليس من الغرباء، أو من أعدائه.
متى سيتجاوز الاهتمام بالجولان المناسبات السنوية ويدخل في وعي الشارع اليومي،- وما هو موقع الجولان من اهتمامات القيادة في الوطن، هل حاولت السلطة السورية تقديم بدائل سواء في البنية التحتية الجولانية أو على المستوى الثقافي والتربوي والاجتماعي كبديل لما تقدمه المؤسسة الإسرائيلية؟ - لماذا لم تمول وخلال أربعين عاماً مدرسة أو مركز ثقافي أو مشفى؟
بالتأكيد ليست المسؤولية فقط على السلطات.. فالسلطة هي صورتنا في المرآة.. أين مثقفي هذا الوطن؟؟؟ أين الإعلاميين؟؟ أنهم مدعوون للالتفات إلى قضيتهم الكبرى، ليس فقط كأرض محتلة ومغتصبة منذ أربعين عاماً، وليس كمفهوم مجرد عن الحق والعدالة والشرعية الدولية، بل كأناس من لحم ونبض ودم، الجولان هو تفاصيل حميمة واشتياقات وفراق وأحلام عودة.... هو أفراح وأحزان غير مكتملة..
وهو أيضا شباب حائر في مستقبله...لا يعرف هل هو شرق الشريط أم غربه، مستقبله مرهون بمدى صدقنا ومواجهتنا للحقيقة الموضوعية وتجاوز منطق التزيين اللفظي والرغبات.

• كاتبة وإعلامية سورية تعمل في الجولان المحتل
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها