الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدلالات الشعرية في قصيدة عبد الحسين فرج

علي قاسم مهدي

2007 / 6 / 11
الادب والفن



يقول د- علي جعفر العلاق ،في كتابه ( في حداثة النص الشعري ) ((تشكل الرؤيا الشعرية ،في حقيقة الأمر ، مسعى يستهدف الشاعر لا القصيدة . أي إنها تعُنى بتجديد الشاعر أولا : وعياً ، وثقافة ،ونظرة إلى الحياة والعالم ، قبل أن تعُنى بتجديد النص )).لان القصيدة في النهاية ليست إلا محصلة لجهد الشاعر ،وهي تجسيداً جمالياً ، حسيا لمسلكه الثقافي والذوقي والنفسي في لحظة حياتية ما . أن شعرنا الحالي يعاني من غياب الرؤيا في معظم نتاجه ، وهناك الكثير من الأسباب التي ساعدت عن الابتعاد عن الرؤيا الجيدة منها الوضع المتغير الذي أخُضعه له النتاج الأدبي بشكل واضح، متمثل بضعف المغامرة الشعرية ،والخمول الفكري وتباعد الكل عن معالجة هذه الأزمة بالهبوط نحو الاقتراب من الجهد الزخرفي الذي أورث القصيدة جانب الملل، بتبسيط اللغة الشعرية بالابتعاد عن الرمز المؤثر واختيار التجريب على حساب الإبداع .. لكننا نجد ممن يحاول سبر أغوار الرمز والتأويل باقتحام جمرة الشعر الحسي الملموس . على اعتبار أن الرؤيا الشعرية ، محتوى متكامل للمعنى داخل كيان القصيدة . أن الرؤيا هي الوجدان المثمر داخل جسد القصيدة .. فهذه محاولة للكشف عن مسعى الشاعر عبد الحسين فرج ،داخل الرؤيا والرمز ،لنصه الشعري . فقد استطاع من خلال بعض قصائده المنشورة مثل قصيدة (مكان ما )
يزدحم المكان
بالأصوات
الأصوات تبتلع المكان
دوائر دوائر
شخير ودخان
دخان وشخير صرخ المكان
لماذا يجرجرني الدخان
إلى دوائر مغلقة
المكان
ورقة بيضاء.
أن يستوعب تأثير الرؤيا من خلال نفاذه إلى ما تحت المرئيات وما تخبئه وراءها من معان ، وكيف استطاع كشف النقاب عنها من خلال اكتشافه لأشكالها ، وهذه الخصائص مجتمعة هي قدرة الشاعر على الرؤيا . واستطاع كذلك أن يستوعب الدلالات الخاصة للرمز وما يحتوي من مضمون ،يمثل الأساس للرؤيا. ففي قصيدته
(ثلاثة حالات لاهثة )
في اللحظة تموت المسافة
وظلك المزروع
في منفى القلب
يتضوع الق الغبش
العالق في أهداب الفجر .
يعتمد الصلة العميقة للتصور الشعري النابض بالخيال ، وثرائه التعبيري رغم بساط اللغة التي تجسد المضمون . واستطاع أن يتجاوز الموضوعات الكبيرة ، التي من طبيعتها الفخامة والحماسة والانفعال ، مما أعطى ميزة ،مميزة ، تمكن القارئ من عدم بذل الجهد الواسع في احتوى المعنى . وهذا الاختزال جعل القصيدة تقترب بدرجة كبيرة من عاطفة ووجدان المتلقي . أن ابتكارات الشاعر عبد الحسين فرج استطاعت أن تخدم الفكرة لديه ، وشكلت لديه مزاج ووعي مضاعف في ملامسة الرموز ،وكذلك الابتعاد عن الرمز الذي يعاد استهلاكه باستمرار في الكثير من الشعر.وكل هذا جاء بسبب تكامل الرؤى الشعرية لديه،ومعرفة خصائصها الفنية الإبداعية الخلاقة.وفي قصيدته ( شيــــخ)
فوق رصيف ما
جلس الشيخ منحني الظهر
منحني النظرات
منحني الفكرة
في يوم ما
جلس الشيخ
فوق رصيف منحني .
استخدم الرمز بطريقة قريبة من المباشرة ، وهذا الاستخدام عادة يكون صعب ،ويبتعد عن التأثير الوجداني ، لكن الشاعر أدرك هذا المأزق ، فتجنبه وتغلب عليه ، لاستخدامه إيقاع مفتوح من ناحية جمالية المفهوم .( الشاعر في مفهوم الرؤيا الشعرية ،ليس واصفا أو مراقبا،أو معلقا على ما يراه )(كما يقول د –علي جعفر).فعندما نقراء قصيدته (جندي ) نجدها اقرب إلى لوحة متجانسة الصور ،من عواطف تدور في خلده المتنامي، يأخذ أو تأخذ أبعادها من شاعريته المتجددة المبدعة ،
جندي يقرأ في جسده كتاب
الحرب
يبحث عن …
من الكف طار الكف
من الظهر طار الظهر
ومن القدم
ومن الرأس
ومن … ومن..
لازال الجندي يبحث
عن كلمات طارت
فوق النعش .
حيث تنتقل القصيدة في صورها عبر عوالم الشاعر المترابطة وكأنها سلسلة متصلة الحلقات من الصور ، التي أطرها بدقة . مما يدفع القارئ ، إلى إنها اختيرت اختياراً ، لكنها في الواقع جاءت من ذات الشاعر ، التي أوحت بها منابعه المتفجرة . واعتقد أن هناك عاملاً يتصل بحياة الشاعر الشخصية وضروفه الخاصة في فترة كتابة معظم قصائده ،فلو كانت الحياة والضروف منسجمة تمام الانسجام مع ميوله وأهدافه ورغباته .لكان هناك الكثير من القصائد التي ترتقي إلى مطاف الشعر الجيد الراقي . ورغم هذا يمتلك الشاعر عبد الحسين فرج الكثير من الإبداع في هذا الزمن الذي فقدت فيه خدمة المبدعين ، بسبب الخضم المتلاطمة بشتى الأشكال ، حيث أصبحت العلاقات والروابط المصطنعة تحكم في تقييم الأدب . أن مسيرة حياة الشاعر حافلة بالعذاب المرير، فمن مطارد ، إلى معتقل في سجون البعث ، إلى مراقب سياسي (مقيد) .والقيد هذا أشبه بالنفي داخل المجتمع الذي عاش فيه ،مما جعلته هذه الصروب يشعر بالاغتراب .
الصحيح عكس أيضا
طالما العكس
هو الصحيح .
ورغم كل هذا تجد روحه واقعية اقرب إلى الأشياء التي تحيط به ، وإفراطه في حزنه ، أيقن ، إن الشعر مطلوب منه ، لانه يمنحه أملا عميقا بالحياة ، وعليه في نفس الوقت أن يجسد آلام الناس ، وان يظل شاهداً أمينا على الحياة ، في كل لوحة رسمتها يداه على شكل قصيدة .إذ يقول
لن افترض تكوينا آخر
لا يمت لما نراه بصلة
جدران جدران
الصمت والهذيان ميزتها البارزة .
نتلمس ابتعاده من القيود النفسية ، ليرسم ثورية هادفة قوية ، فهو يتعاطف مع وطنه تعاطف العاشق ..وهذه معالم واضحة بسيطة . تحتطب الحب من واقع الإنسانية المؤلم ،واقع حاله وحال الكثير من أبناء وطنه ،فالآخر غير بعيد عن ذاته وأحاسيسه كإنسان شاعر.
ألانا
التي خرجت منها توا
هي ذاتها
التي أدخلتني
إلى دائرة
ال نحن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث