الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طرد عرفات

خالد عبدالله

2003 / 9 / 13
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

كاتب عربي يقيم في وارسو

تثير إسرائيل ضجة إعلامية وسياسية حول إمكانية قيامها بطرد عرفات. ويقود هذه الضجة وزير الخارجية نفسه، الذي يقول أنه لم يعد وحيدا في الدعوة إلى طرد عرفات بل أن الأغلبية الكبيرة في مجلس الوزراء أصبحت ترى صواب هذا الحل. كما أن أجهزة المخابرات التي كانت تعارض في الماضي مثل هذا الإجراء باتت ترى عقلانية الإقدام عليه.

 ولم يعد موضوع طرد عرفات مجرد تصريحات تعبر عن التأفف والضيق من عرفات، وإنما انتقل إلى حيز الخطوات والإجراءات. فقد طلب الوزراء الإسرائيليون من الجيش وضع خطة لتنفيذ هذا الأمر حينما يصبح قرارا. ثم أصدر مجلس الوزراء الأمني موافقته المبدئية على طرد عرفات.

ولكن لم هذه الضجة حول طرد عرفات؟ هل هي حقيقية، أم مفتعلة؟ وإن كانت حقيقية فهل تعبر عن تخطيط واع لمسارها ومآلها؟ من الصعب كما هو الحال في كل القضايا السياسية الجزم بالإجابة. فالمؤشرات كثيرة ومختلطة وأحيانا متناقضة. وهي كما تشي بالعقلانية، فإنها تومئ إلى التخبط.

 وبادئ ذي بدء، لا يمكن إسقاط الافتعال من الحسبان. ويحتاج إليه السياسيون في العادة حينما تنكشف عوراتهم. فشارون ما انفك يؤكد لشعبه على مقولة لم يتزحزح عنها أبدا لأن في ذلك سقوط مدوي له. فهو قد حشى عقول الإسرائيليين بالظن أنه قادر على تحقيق الأمن لهم لأنه يملك الدواء السحري، القوة العسكرية الباطشة. بل أنه ذهب مدى بعيدا في الوعد بتحقيق الأمن خلال مائة يوم.

 وحينما يضرب الفلسطينيون في قلب إسرائيل تتعرى الوعود من ملابسها. حينذاك لا بد من تفسير أو بالأحرى تبرير للإخفاق. كما لا بد من إجراءات تعيد الهيبة المفقودة. وقد أصبحت كل الإجراءات الإسرائيلية مألوفة في فجاجتها حتى لدى الشارع الإسرائيلي. فالدخول المدرع للمدن والقرى والخروج منها أصبح لا يشفع. كما أن الاغتيالات أضحت تأتي بعكس مراميها.

 بل أن الأسلوب الأخير، قتل القادة السياسيين، انقلب بعبعا. فقد ظنت إسرائيل أن سياسة ملاحقة القادة السياسيين في حماس قد تقودهم إلى الضغط على الجناح العسكري لوقف مقاومته. وقد خاب ظنها حينما لم يميز هؤلاء القادة أنفسهم وأسرهم في التضحية عن رفاقهم وإخوانهم. وحينما أصبح واضحا للعيان أنه ليس من عصمة لأحد من البطش الإسرائيلي، أصبح لا عصمة لإسرائيلي من الثأر الفلسطيني.

 غير أن السياسة الإسرائيلية الأخيرة لم تكن خائبة عمليا فحسب، بل غبية جوهريا. فهي تقوم على التصور أن الذين يضحون بأغلى ما يملك الإنسان، سيقعدهم عن التضحية تقاعد قياداتهم. ولذلك، فلا يمكن استبعاد أن تكون الضجة حول طرد عرفات هي الإيحاء للإسرائيليين أنهم يريدون الإقدام على عمل يقطع " الإرهاب " عن أصوله، لكن قدرتهم يغلها صداقتهم للأمريكان الذين لا يرون هذا الرأي الآن، لأنها قد تؤثر على قواتهم في العراق والمنطقة.

 وقد يكون للافتعال هدف آخر منفرد أو قرين للأول. فهي قد تكون رسالة إسرائيلية لعرفات تقول له آن الآوان كي تحسم أمرك فيما عرض عليك من حل للقضايا النهائية. فإن لم تقبل بها فلن يعود لك اعتبار في استراتيجيتنا، وبالتالي سنتخلص منك لكي نفسح المجال للحصان الذي يقبل أن نسرج عليه شروطنا.
 
غير أن الضجة قد تكون حقيقية وليست مفتعلة. وهي قد تكون تعبيرا عن إحدى حالتين. الأولى، أن القيادة الإسرائيلية قد أفرغت ما في جعبتها من إمكانيات لمواجهة مأزقها، وهي تبحث عن حل يهدئ روع شارعها ولو لفترة. وهناك كثير من المؤشرات مصداقا له. فالوضع الاقتصادي مصداق له، وأزمة الهجرة مصداق آخر، والتخبط الأمريكي في العراق مصداق ثالث وهكذا.  وليس الهروب من الإخفاق إلى الإخفاق حالة عربية، فهي موجودة في كل بلدان العالم، وإسرائيل لا تمتنع على هذه الحالة.

 أما الحالة الثانية، فهي أن إسرائيل قد درست الموضوع بعمق وقارنت بين كلفه ومنافعه ووجدت أن الاستثمار في الطرد مربح. فقرار مجلس الوزراء الإسرائيلي يقول " أن الأحداث في الأيام القليلة الماضية قد برهنت مرة ثانية أن ياسر عرفات عقبة مطلقة في وجه كل المحاولات للمصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين " وقد قال ذلك أيضا شالوم وزير الخارجية " أنه ليس باستطاعة أية حكومة فلسطينية أن تجري إصلاحا أو أن تحارب الإرهاب ما دام عرفات يحتل قمة السلطة في الأراضي ". بل أن وزير الدفاع موفاز يريد أن يذهب أبعد من ذلك " اطردوه أو أزيلوه ".

 ولا يختلف اليسار في رأيه في عرفات عن رأي اليمين. فساريد رئيس الميريتس، أقصى اليسار الإسرائيلي، يقول " إن عرفات مشكلة كبيرة. والأذى الذي يحدثه كبير، والضرر الذي يقع منه ثقيل في الحقيقة" لكن ساريد كبيريز يرى أن طرد عرفات سيعمق المشكلة. فهو يرى أن " عرفات المطرود الذي يقوم بدور الضحية أو الشهيد القديس، أو حتى الرحالة العالمي، لهو عرفات أشد خطرا ".

 فليس هناك خلاف حول أن عرفات مشكلة، لكن الاختلاف حول كيفية مواجهتها. فما هي المشكلة؟ ليست " الإرهاب ". فهذه للدعاية. المشكلة هي الحل النهائي، أي حق العودة، والقدس، والمستوطنات، وحجم الدولة المقترحة. فعرفات قدم فيها جميعا تنازلات، لكنها ليست التنازلات التي يريدها اليسار الإسرائيلي ناهيك عن يمينه.

 وقد لاح للإسرائيليين بعد أحداث سبتمبر أن حلهم ممكن الحصول. وبعد أن غزت أمريكا العراق جاءوا بعباس ظنا أنه يستطيع أن ينفذ ما لم يستطعه عرفات. وأخفق عباس بسبب ما ذكر فعلا من عدم التعاون الإسرائيلي. فإسرائيل تريد من كل حصان تركبه أن يجري سباقها. كما أن عباس أخفق في شراء فتح كما تصور، وظن خطأ أن السبب عرفات. لكن عرفات متميز لدى فتح لأنه مختلف عن عباس. وفي الحقيقة أن عرفات يمتنع بفتح الآن أكثر مما هي تحتمي به.

وقد تفاقمت المشكلة الإسرائيلية بتفاقم المأزق الأمريكي في العراق. فكيف إذا اضطرت أمريكا إلى تسليم العراق إلى الأمم المتحدة؟ ستنعكس حينذاك لعبة الدومينو. فإذا كانت أمريكا أخفقت في فرض إرادتها في العراق، فكيف سيقبل الفلسطينيون أن تفرض إسرائيل إرادتهم عليهم؟ هذا ما يقلق القيادة الإسرائيلية في الوقت الحاضر.
 
وقرار المجلس الوزاري الإسرائيلي يجعل كل هذه الاحتمالات ممكنة. فهو يقول " إن إسرائيل ستزيل هذه العقبة " عرفات " بالشكل والوقت الذي سيقرر فيما بعد ". فهو قرار يرضي الشارع الإسرائيلي. وهو قرار يخوف الرئيس الفلسطيني، وهو قرار يتذرع بعدم التنفيذ الفوري بالاعتراض الأمريكي، وهو قرار قد ينفذ حينما تظن إسرائيل أن كرزاي فلسطين، على حد تعبير ياسر عرفات، جاهز لأن يسرج بالشروط الإسرائيلية. 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟