الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصمت بين الكلمات

عصام عبدالله

2007 / 6 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو أن نقل أو ترجمة ثقافة إلى أخرى أمر غير ممكن ، حتي الآن ، رغم ثورة الاتصالات والمعلومات، وذلك لأن "الثقافة ناتجة عن الصمت بين الكلمات، وهذا الصمت غير قابل للترجمة" حسب الفيلسوف الفرنسي " العبر مناهجي " بسراب نيكولسكو . صحيح أن محاولات التحديث أدت إلى تقارب الثقافات المختلفة، كما أدى التعدد الثقافي إلى اكتشاف ثقافتنا بشكل أفضل، وشجعت ثورة الاتصالات على ظهور الثقافة البينية – intercultural ، لكن كل ذلك لم يزد عن كونه تمهيدًا أو مدخلاً أوليًا إلى اجتياز الثقافة - transculturel ذاتها ، الذي يعني "انفتاح كافة الثقافات على ما يجتازها ويتخطاها " .
واجتياز الثقافة هو ثقافة المكان بلا مكان، فضاء الصمت، وهكذا فإن "نواة الصمت هذه تبدو لنا وكأنما لا معرفة، لأنها غور المعرفة وعمقها " . ولا يمكن التعبير عن الصمت بلغة الكلمات، وإنما بلغة من طبيعة مختلفة يسميها نيكولسكو "عبر لغة" - trans-langage.
وعبر اللغة هو لغة تلقائية مباغتة، تنبه آني، حدث مرتبط باللحظة الحاضرة التي هي الزمن الحي. "اللحظة الحاضرة"، تحديدًا، هي لا زمن non-temps، اختبار للعلاقة بين الذات والموضوع، وهي بذلك تنطوي كمونيًا على الماضي والمستقبل، كلية دفق المعلومات الذي يجتاز مستويات الواقع وكلية دفق الوعي الذي يجتاز مستويات الإدراك" .
لكن نيكولسكو يربط بين الثقافة والدين، وذلك من خلال طرحه لمشكلة "المطلق" أو "المقدس" والتي "لا يمكن تفاديها في كل مقترب عقلاني للمعرفة" وهو يستعير تحديد مرسيا إلياد لـ "المقدس"، بأنه : " منبع وعي الوجود في العالم ". والمقدس بما أنه كذلك، لا يقبل الاختزال، لأنه بالفعل العنصر الجوهري في بنيان الوعي، وليس مجرد شوط في تاريخ الوعي" .
ولأن المقدس، مسألة مفتوحة على إجابات متعددة، بتعدد الأديان والمعتقدات ، فهو مصدر موقف " عبر ديني " أساسا ، وحسب قوله "فإن صراع الحضارات لن يقع إذا وجد الموقفان العبر ثقافي والعبر ديني مكانهما الصحيح في الحداثة" .. من هنا لابد من البحث عن "نمط جديد من التربية يأخذ في الحسبان أبعاد الكائن البشري كلها" وهو يتأسس عنده على أربعة أركان هي:
1 - تعلمُّ المعرفة للتمييز بين الواقعي والوهمي
2 - تعلم الفعل، أي تحصيل مهنة قادرة على التواصل مع المهن الأخرى، وهو يعني عنده تعلم "الإبداع".
3 - تعلُّم الحياة السوية، الأمر الذي يعني الانفتاح والاحترام والتسامح.
4 - تعلم الوجود باكتشاف التناغم والتنافر بين حياتنا الفردية والاجتماعية.
وهذه الأركان الأربعة ترتبط فيما بينها، بما يمكن تسميته عبر علاقة- trans-relation. والتربية القابلة للحياة "لا يمكن أن تكون إلا تربية متكاملة للإنسان … تخاطب الكلية المفتوحة للكائن البشري، وليس مكونًا واحدًا من مكوناته" أي أنها تربية دائمة طوال الحياة.
وعلى ذلك، فإن هدف النمط الجديد من التربية ليس هو تجنب صراع الحضارات فحسب، وإنما إجراء تغييرات جذرية في العقلية والمسلك الاجتماعي، وهي مسؤولية كل فرد تجاه ذاته. ولكن "على البنى الاجتماعية أن تخلق الشروط الموضوعية لكي تستطيع هذه المسؤولية أن تنفتح فيها وتمارس " .
وبالتالي تظهر حاجة ماسة إلى شكل جديد للنزعة الإنسانية - Humanism يمكن أن "يوفر لكل كائن بشري القدرة القصوى على التنمية الثقافية والروحية" يطلق عليه "العبر إنسانية" - transhumanism . وتختص العبر أنسانية ببحث الحالة الطبيعية للإنسان الذي يتجاوز ذاته ، وذلك بالبحث عما هو "بين" - entre، "عبر" trans، وفيما يتعدى الكائنات البشرية".
كما يربط نيكولسكو بين "الأمة" Nation و "الطبيعة" Natura و"الجنسية" Nationality، من خلال الجذر اللغوي المشترك لها، ويقول "إن الاعتراف بالأرض كوطن رحمي - matricielle هو واحد من إلزامات عصر العولمة . لكل كائن بشري الحق في جنسيته، لكنه في الوقت نفسه كائن عبر وطني" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد