الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجربة الصينية

يحيى الشيخ زامل

2007 / 6 / 10
الارهاب, الحرب والسلام


الصين من بلدان الشرق الأقصى ، ذو الطابع الأصيل العميق والذي ينظر إلى الوجود الخارجي ببصيرة تنفذ خلال الظواهر البادية للحس إلى حيث الجوهر الباطن ، فيدرك ذلك الجوهر بحدس مباشر يمزج ذاته في ذاته مزجاً تفنى معه فردية الفرد لتصبح قطرة من الخضم الكوني ، ومثل هذه النظرة المعتمدة على اللمسة الذاتية المباشرة التي لا تحتاج إلى تعليل وتحليل ومقدمات ونتائج ، أو إن شئت فقل إن إدراك حقيقة الوجود بما يشبه التذوق ، لأن هذه الأشياء كلها جوانب لوقفة واحدة ، هي وقفة من يدرك العالم بروحه لا بعقله .( الشرق الفنان / ص7) .
وفي تجربة ( صينية ) مثيرة وغريبة من رحم هذا الشرق العريق ، نشرتها وسائل الإعلام مؤخراً حول مقاطعة صينية أسست لمشروع إنساني لرعاية الوالدين والاهتمام بهم .
وعنوان الخبر يقول : ( مقاطعة صينية تشترط للترقية معاملة الوالدين بإحسان) .... فيما نصه يقول : (قالت وكالة أنباء الصين الجديدة(شينخوا) إن مقاطعة في وسط الصين تعتزم إجراء مراجعة متعمقة بشأن كيفية معاملة مسئوليها لآبائهم وأمهاتهم، وإعطاء أولوية في الترقية لهؤلاء الذين يحسنون معاملتهم. وأضاف التقرير إن محققين سيناقشون ما يصل إلى ( 500) من أفراد العائلات والأصدقاء والزملاء والجيران بشأن سلوك كل مسؤول من مسؤولي مقاطعة (تشانجيوان ) بما في ذلك القيم العائلية، أو أي عادات تتعلق بشرب الخمر أو لعب القمار.
وستأخذ النتائج في الاعتبار عند تحديد الترقيات، ونقلت (شينخوا ) عن ( ليوسين) الزعيم المحلي قوله: يجب على المسؤولين التحلي بالقيم الصينية من طاعة الوالدين والمسؤولية العائلية والتي تمثل أساس حياة مهنية ناجحة.......... .
ويأتي هذا المشروع الإصلاحي نتيجة لقلق الزعماء الصينيون بشأن كيفية إعالة السكان المسنين بشكل يتناسب مع أعمارهم وما بذلوه من جهد وتعب بتربية جيل من الشباب هم اليوم عماد الدولة وسندها من العقول و الأيدي العاملة .
وبشأن تداعي المعايير الأخلاقية مع اندفاع الأجيال الشابة للاستفادة من ازدهار الاقتصاد الوطني ومضيهم شوطاً بعيداً وراء أحلامهم ، فيما يتناسون بذروة هذا الاندفاع المجنون من كان السبب في مجيئهم إلى هذه الحياة .
ويأتي هذا الخبر في وقت تتفكك فيه الأسر في مختلف البلدان سواء كان في الشرق الأقصى أو المتوسط أو الغرب أمريكا وأوربا ، مع أن معظم هذه البلدان قد قطعت أشواطاً بعيدة في الرعاية الاجتماعية والصحية والتربوية ، إلا أنها تشهد تراجعاً ملحوظاً في البناء الأسري الذي بدأ نسيجه في التهدم والتهشم لأسباب معلومة ومختلفة .
لقد كانت الأسرة فيما مضى تضم جميع الأقارب من ناحية الذكور والإناث والأرقاء والمتبنين ، ولكنها بدأت في لملة هذا الأتساع شيئاً فشيئاً إلى أن اقتصرت الأسرة الحديثة على الأب والأم والأبناء غير المتزوجين وهو ما أصطلح عليه بـ (الأسرة النووية ) ، وكانت الأسرة تكفي نفسها بنفسها في مختلف أنشطة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والدينية والتربوية والترفيهية ، وبدأت هذه الأنشطة تتقلص تدريجياً وينتقل بعضها إلى مؤسسات أخرى كالقبيلة أو الدولة وصار دور الأسرة الحديثة يتلخص في معظم المجتمعات بوظيفتين هما : 1ـ الوظيفة البيولوجية ( الجسمية ) ، 2ـ والوظيفة الثقافية ( التربوية ) ( علم الاجتماع التربوي / ص64 ) .
ولعل هذا المشروع الصيني يندرج تحت طاولة تحول النشاط الإنساني والتربوي من الأسرة بمفهومها الضيق ، إلى رعاية المؤسسة سواء كانت مؤسسات حكومية أو منظمات المجتمع المدني ، كما أن تبنيها بهذه الصورة يعطي انطباعا مفرحاً ومهماً ، للاهتمام الجدي الذي تبديه تلك المقاطعة الصينية ، والتي نتمنى أن تحذوا حذوها بلداننا العربية بصورة عامة ، ومحافظاتنا العراقية بصورة خاصة ، للتخلص من هذا الركام الهائل والعالق في ذاكرتنا التعبة على مر الأيام من الإهمال المتعمد أو غير المتعمد لرعاية الأسرة وانتشالها من واقعها المتردي المرير ،والذي ترك انطباعات وندوب كثيرة ومؤلمة في حياة الكثيرين من الناس رافقتهم حتى مماتهم .
وقد نستطيع في وقت ما ، بعد بعض الإصلاحات في البنية الأجتماعية من عدم مشاهدة المتسولين، خصوصاً منهم النساء وكبار السن ، وهم يفترشون أرصفة الشوارع، والأنفاق وإشارات المرور، علَهم يطالون شيئاً من حسنات الناس أو صدقاتهم .... مع أن هذا المشهد أصبح لا يحرك فينا ذرة من شعور أو إحساس، لأنه أصبح عادياً ومألوفاً جداً ، ونفتقدهم إن غابوا عن ناظرنا يوماً ، مع الاعتقاد شبه الأكيد بأن معظمهم يعمل لحساب متعهدين يجنون من ورائهم أرباحاً طائلة..... وهنا الضربة القاضية للقيم والأخلاق.
والسؤال هنا : لو طبق هذا القانون الصيني في مجتمعنا ودوائرنا الرسمية...... ترى هل سيبقى البعض في مراكزهم الوظيفية الحساسة والرفيعة ؟ ..... وكم هو عدد الذين سيبقون بدون ............. ترقية ؟ ....... وإلى اللقاء في تجربة أخرى من بلد أخر .











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قوات الاحتلال تخرب محتويات منزل عقب اقتحامه بالقدس المحتلة


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل إلى صفقة ونتنياهو يقول:




.. محتجون أمريكيون: الأحداث الجارية تشكل نقطة تحول في تاريخ الح


.. مقارنة بالأرقام بين حربي غزة وأوكرانيا




.. اندلاع حريق هائل بمستودع البريد في أوديسا جراء هجوم صاروخي ر