الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ردا على مقال الزميلة رائدة الشلالفة

دينا سليم حنحن

2007 / 6 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


لقد صادرت نفسي بنفسي إلى أحدى المدن الاسترالية, علّي أحظى بالنسيان, لكني لم أدرك بأنه لا يمكن فصل العقل عن احدى ملكاته, فملكة التذكّر أشد تطورا, لكن, وبالمقابل, ملكة التعقل يمكنها ترويض ما يفكر فيه الإنسان والتخفيف عنه.
أعذروني إن تقمصت كلام علماء النفس قليلا, لكني أضطر أحيانا إلى ذلك, لمواساة نفسي وغيري, لذلك أنا هنا, أخط بقلمي ردا للزميلة الصحافية رائدة الشلالفة من الأردن (صحيفة الوطن, أمريكا) التي أقحمتني بكلامها الجميل, فأقول لها:
لا جدوى من أن نعذّب أنفسنا, لا جدوى من الكلام, ولا مناص من المشكلات المروعة التي أقحمت العالم, الذي لم يهنأ ومنذ تكوينه بفترة راحة وهدوء.
أسأل نفسي أحيانا, وأنا جالسة على نهر وطني الجديد الجميل, لماذا كل تلك الدماء التي تنزف في شرقنا العزيز؟ وهل يمكنها أن تصلكَ ( الله يبعد عنك الشرور) في يوم ما فتتلوث أيضا!
نعم أستراليا أصبحت وطني الجديد, بعد أن أجهضتنا أوطاننا, وقبحّت معالمنا الإنسانية, ضاع النهار منا, وضاع النور من بين أصابعنا, وأصبحت النيران تتلهف لالتهام كل شىء فينا, لماذا كل هذا! ومن المسؤول؟
أدرك أن اصبع الاتهام سيطول الغرباء, فهكذا نحن دائما, نختلق المشاكل ونعلّقها على شماعة غيرنا...
عن أي وطن نتكلم, ولماذا نطالب به ونحن نحلم بآخر, هذه حقيقة لا بدّ أن نضعها نصب أعيننا, وأن نسأل أحدنا الآخر, وأن نسأل أنفسنا, لماذا يحلم الكثير منا( ولا أريد أن أقول) جميعنا بمغادرة الشرق إلى الغرب؟
سأجيب وأرجو ألا يكون جوابي جارحا, فقد اتهموني يوما بأني صريحة أكثر من اللزوم. لن نجد الأمان, ولا الراحة ما دامت عقولنا تحمل قيودا وذاكرتنا تحمل أعباء, وأذهاننا لم يعد يسعفها الحلم حتى.

لن أعتذر كثيرا من أحد, بل سأعتذر من نفسي التي تاقت دائما الى نشود الحقيقة, هربتُ أبحث عنها, بعدما يئستُ من لملمتها عبر شوارع وطرقات لم تعد تشبه الطرقات التي في ذاكرتنا, خرجت بسلّة خاوية, خالية, باكية, وعندما وصلت منفاي الأخير, أضعت السلّة الفارغة, ربما ذهبت مع الريح, فالطريق الى هنا طويلة, بكيتُ عليها, بكيتُ على سلّة حملتها يوما, فارغة كانت, وتاهت مني وهي فارغة!
وكلما تمشيتُ واختليتُ إلى نفسي تذكرتها, أي السلّة الفارغة, تركت كل شيء يمضي من حولي وتوقفتُ أستذكر سلّتي, جميعهم يتحركون إلى الأمام وأنا واقفة على أطلال سلّتي, مضوا ينظرون إليّ من خلف زجاجات نظاراتهم وهم يتساءلون عن سبب بكائي, وكان منهم من توقف يريد التحري ولم أفهم عليه, ولم أشكي له, لأني تعوّدت أنه لا فائدة من الشكوى, وكان من نظر إليّ نظرة استهجان, وكان من صفق يدا بيد متهما إياي بالجنون, وكان من أراد مساعدتي, فأبلغ الشرطة بأمري, جاءت بمعيته سيارة الإسعاف الأولي, وممرضة بثوبها الملائكي, وسرعان من حضرت طبيبة, واخصائية نفسية, ومندوبا من دائرة الصحة, والشؤون الاجتماعية, و...و... ماذا سأفعل بعد ذلك, هل أهرب, هل أتنصل من أمر دموعي ومن الجمع الغفير المهتم بأمري, ماذا سأقول , بماذا سيتهموني إن أخبرتهم أني أضعتُ سلّتي, أكيدة أنهم سيأتون لي بمئة غيرها, لكني لم أرد سواها, هي فقط, وفقط هي.... سأكمل, جاءوا جميعا كي يساعدوني, سكتُ وتقمصت دور الخرساء, جاءوا بأحدهم يكلمني بالإشارة, فبادلته الإشارات, فكنت يوما ما مرشدة تربوية لهؤلاء المساكين الذين ولدوا مكممي الأفواه. جلبوا لي مترجما, كان أحدهم يتقن العربية, أعتقدني لا أفهم, وعلم بمشكلتي, رمقني برمقة أعرفها تماما, أخافني, عيناه تلتهب نارا, أراد أن يوثق فمي, وإطفاء نور عينيّ لو استطاع, أراد التنصل من نظراتي, لم يستطع, سكت أمام حزني! سكتَ وأحدهم يحثه على الكلام, يريدون مساعدتي, وابن جلدتي يتنصّلُ مني, أرادوا أن يفهموا وابن جلدتي يخاف من كلامي, أرادوا ... وسألني:
- ما أين أنتِ؟
- من بلاد الله الواسعة!
- أقصد من أي بلد؟
- من فلسطين.
تجهم وتبدّل لونه, وقال:
- لاحقينا حتى هون؟
- نعم هو القدر المحتم علينا, أن نرزم البقج دائما ونترحل حفاة, ألا تسألني على مشاكلي, فيريدون معرفة الذي أضعته, لقد أضعتُ...
أسكتني وسأل:
- هل أنتِ مسيحية؟
- وماذا بذلك إن كنت؟
- هل أنتِ روم, كاثوليك....؟
- وإن كنت مسلمة, أكيد ستسألني إن كنت سنيّة أو شيعية!
- أقصد إن كنتِ... (وسكت).
- أفهم قصدك, تريد أن تسألني إن كنت حماسية(حماس), أو فتحاوية, أو (جهادية)! لا هذا ولا ذاك, ولم أكن أبدا لا (عونية) ولا (قوّتجية) أيضا ...

هذه حكايتي, ولا تلوموني فقد كتبت جزءا بسيطا من الحقيقة فقط. وذهبتُ أبكي مجددا على سلّتي التي ضاعت مني. ولم أدرِ على ماذا أبكي ...
[email protected]













التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر