الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تكاد أن تكون توائم

نور الدين بدران

2007 / 6 / 9
سيرة ذاتية


السجن.الخدمة العسكرية الإلزامية.الغربة.ثلاثة أزمنة وثلاثة أمكنة.متشابهة.تكاد أن تكون توائم.
هنالك وهناك وهنا.تلتقي أناساً لم تختر أحداً منهم.تدخل في علاقات مفروضة وغالباً مرفوضة.
في جميع هذه الأزمنة والأمكنة.عاجلا أو آجلا بوعي أو بلا وعي.سيفرض الطبع وجوده.فالإقامة ليست قصيرة. محددة كانت كما في العسكرية أو غير محددة كما في الحالتين الأخريين.هي جزء من الحياة ويجب مواجهة هذه الحقيقة.شيئاً فشيئاً ينحك المعدن.يظهر الإنسان على حقيقته.شاء أو أبى يجنح إلى الشفافية والصراحة.
(2)
أبشع هذا الثلاثي هو السجن.لحسن حظي لم أخضع لهذه التجربة.ظلت بطاقة إحضاري إليه عاملة لمدة عقدين من الزمن.كنت حازما في الفرار.طورت المطاردة حواسي في هذا المجال.أطلق الرصاص ورائي.ضعت على حدود الوطن في ليلة بلا قمر.تناهت إلي أصوات وحوش مفترسة.آثرتُ أن تنتهي حياتي برصاص أو بين فكي وحشن على إهانة السجن.نجوت.هذا أحد نجاحات عمري التي عددها أقل من أصابع يد واحدة.
لم تتجاوز الضريبة عشرين عاما من مطاردة وتشرد.
علق والدي في بداية تلك الفنتازيا:"لا أعرف من الأكثر حماقة أنت أم هم!"وأكمل :"كلاهما ملعونان.رجل يهاجم قرية وقرية تطارد رجلا".
احتجت سنوات طويلة لأفهم حكمة سخرت منها.
(3)
أعرف اليوم أني كنت أحلم ولا أعلم أني أحلم.
في وقت واحد.في شخص واحد.اجتمعت غيبوبة الصوفي.غرور الجاهل.هيام العاشق.طيش المراهق. وحرية المجنون.
أية سلطة ضد الحلم والحالمين.
في المطاردة امتحنتُ غبار الغربة.عسلها.مجاهلها.جنونها.حكمتها.حنينها.قسوة الوطن.حبه.كرهه.جماله.قبحه.
أدهشني تساقط أيقونات الإطلاق.كأني لم أسمع بأن"كل شيء نسبي"إلا هناك.
قبل أن يسقط الاتحاد السوفياتي.قبل أن أسمع بفوكوياما.مررت بأشلاء العقائد والإيديولوجيات.
كنت أسكن في بناية يسكنها أناس من عدة جنسيات.من عدة مذاهب وأديان.كأني يومئذ فقط عرفت أن الإنسان واحد من شطرين:أنثى وذكر.ما تبقى ثرثرة وجفاء.
قلب بعض اليساريين شفاههم حين رأوني أطالع صحيفة يمينية.لم أخيب ظنونهم.نشرت نصوصا شعرية في صحيفة النهار التي كانت بنظرهم لسان حال القوى اليمينية.وكم حملت هذه النظرة من ضلال وافتراء!!.
بعد ذلك بعشرة أعوام على الأقل.صعدت موجة الليبرالية.ثرثر رعاة ومستبدون وفلاحون بالديمقراطية.توجه كثير ممن هاجموا خطوتي إلى تلك الصحيفة وشقيقاتها.
لقاء مجموعة من المقالات.استحققت مبلغاً من إحدى الصحف اليسارية.مازال اسمها السفير."صديق"يساري موظف فيها سرق المبلغ.استقوى بوضعي كمطلوب.باسمي المستعار.بما لا أدري..
حين سألته عن الأتعاب.أجاب:"اعتبرناها مساهمات...."لم أقل له أن المحاسب أخبرني بعكس ذلك.
اكتفيت بنظرة "احترام".
(4)
التهمت المطاردة زهرة الشباب. بدأت خدمة العلم في الرابعة والأربعين.
أناس من مذاهب متنوعة.من كل المدن.مستوى ثقافي متواضع.المسافة ليست كبيرة بين الأمي والجامعي.
كل شيء مفروض ومرفوض بالنسبة لي.المطلقات موجودة بقوة.ليس الإنسان أنثى وذكراً.إنه ذكر فقط.قائد الكتيبة يصرخ بأعلى صوته:"أنا رب الكتيبة.لا يتحرك كلب إلا بإذني".
الصغار يتجمعون في قعر المذهب والطائفة.تالياً حسب العشيرة والعائلة.
تجربة سخيفة ومقرفة.الرسالة الحقيقية لخدمة العلم غائبة.
الرشوة بأنواعها.لاسيما المال.يمكن شراء المهام الوطنية والواجبات العسكرية.أحيانا يكون المقابل خدمات جنسية.مثلية بالطبع.علمت بأكثر من إصابة بالإيدز.لحسن الحظ عزل بعضهم.
(5)
اليوم في الغربة.منذ اليوم الأول.المجاملة والمصانعة وبقية أشكال النفاق في حدها الأدنى.
علم العزلة يرفرف.رائحة الوحدة تضوع المكان.يمكن حماية الحرية بسلام.معادلة بالغة الصعوبة.ممكنة التحقيق.
يستغرق الجاهل وقتاً مضنياً حتى يفهم أنك لست ضده إذا لم تكن معه.
الأمر مكلف.كلفته أقل من المداهنة والمراعاة.
الغربة في الوطن لا حل لها.قربة مثقوبة.ترتق جهة الخبز.تخر الحرية.ترتق جهة الحب.تخر الكرامة.
خارج الوطن ثمة حلول.الشعور بأنك غريب نصف المشكلة ونصف الحل.
حب وقراءة.نفحات إنسانية من معارف تقارب الصداقة.حياة كريمة برفقة وسائط الحضارة.
ريما يحتاج ذلك إلى قليل من الصبر الجميل لاجتياز الصحراء العربية.
(6)
من الماء إلى الماء. بقعة ملعونة لم ترتق إلى السياسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيل الشباب في ألمانيا -محبط وينزلق سياسيا نحو اليمين-| الأخب


.. الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى إخلائها وسط تهديد بهجوم ب




.. هل يمكن نشرُ قوات عربية أو دولية في الضفة الغربية وقطاع غزة


.. -ماكرون السبب-.. روسيا تعلق على التدريبات النووية قرب أوكران




.. خلافات الصين وأوروبا.. ابتسامات ماكرون و جين بينغ لن تحجبها