الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


11سبتمبر: الدروس والعبر

هاشم صالح

2003 / 9 / 13
الارهاب, الحرب والسلام



 

يقال بأنهم سألوا ماو تسي تونغ في الخمسينات عن الثورة الفرنسية ونتائجها، فأجابهم: من السابق لأوانه ان نحكم على الموضوع! فهل يمكن ان نقول نفس الشيء عن 11 سبتمبر؟ هل ينبغي ان ننتظر اكثر من قرن ونصف لكي نحكم عليه ونقيم انعكاساته المباشرة وغير المباشرة، القريبة والبعيدة؟
كل ما نستطيع قوله هو ان الاحداث التاريخية الكبرى تقسم التاريخ عادة الى قسمين: ما قبلها وما بعدها. بهذا المعنى فإن 11 سبتمبر يمثل ذروة التطورات التي حصلت في اواخر القرن العشرين وادت الى انتقالنا من عصر الى عصر. وقد ابتدأت هذه التطورات بسقوط الشيوعية وجدار برلين، ثم استمرت الامور تتفاعل من خلال حرب الخليج وتحرير الكويت حتى وصلنا اخيرا الى الحدث الصاعق: 11 سبتمبر.
في رأي المفكر «بنيامين باربر» استاذ العلوم السياسية في جامعة نيويورك وصديق بيل كلينتون ان هذا الحدث لا يمكن فهمه الا على ضوء عدة اشياء. أولها هو ان فلسفة التنوير التي تحكم الغرب تتعارض مع النظام الاصولي الديني سواء أكان اسلاميا ام مسيحيا ام غير ذلك، بل انها قامت على انقاضه.
فالقيم التي تتحكم بالحضارة الغربية بعد التنوير وانتصار الحداثة هي غير القيم التي كانت تتحكم بها قبل ذلك. وبما ان الانظمة السائدة في العالم الاسلامي تشبه تلك التي كانت سائدة في الغرب ابان العهد القديم فإن الصدام محتوم بين الطرفين. فإذا كان الغرب قد بنى حضارته على اساس القطيعة مع أصوليته الدينية المسيحية بالذات، فكيف يمكنه ان يقبل بأصولية تنتمي الى دين آخر؟ هذه نقطة اساسية لا ينبغي ان نتجاهلها: نقطة الحرب بين القيم المتضادة. ففلسفة التنوير تقبل بالتعددية الدينية والمذهبية داخل المجتمع، وتعتبر الايمان او ممارسة الشعائر شأنا فرديا لا علاقة للدولة، او حتى للمجتمع به. كما تؤمن بقيم التسامح، والحوار الديمقراطي بين العقائد المختلفة. اما النظام الاصولي فلا يقبل بأي شيء من ذلك، وانما يعتبره كفرا وخروجا على الدين. فكيف يمكن الا يحصل الصدام اذن؟
وبالتالي فالمواجهة بين بن لادن والحضارة الغربية كانت شيئا مبرمجا تقريبا واجباريا. وهي لا تختلف كثيرا عن معارضة الاصوليين المسيحيين في القرن التاسع عشر للحداثة والليبرالية والديمقراطية. فبابا روما عام 1869 اصدر فتوى شديدة اللهجة ضد قيم العالم الحديث وادانها بطريقة لا تختلف في شيء عن ادانة زعماء الاصولية الاسلامية لها اليوم.
بالطبع لا ينبغي ان ننسى السياق العام لهذه المواجهة كما يقول بنيامين باربر. فهناك حزازات كثيرة بين العالم الاسلامي والغرب. وهي تعود الى زمن الاستعمار وتنتهي بكارثة فلسطين. ولا ينبغي، ايضا ان ننسى الفقر المدقع الذي يشمل شرائح واسعة في كل العالم العربي. فهذا ايضا يؤدي الى تغذية الحقد على الغرب وبطره وجشعه وثرواته الفاحشة.
ولهذا السبب فإن الفيلسوف الاميركي يدعو الى محاربة اسباب الارهاب العميقة وليس فقط محاربة الارهاب ذاته. واذا لم نفعل ذلك فإننا سنخلق ارهابيين جددا باستمرار.. وهذه نصيحة موجهة الى جورج دبليو بوش وادارته. بالطبع فإن هذا الكلام لا يعني اعفاء المسلمين من مسؤوليتهم. فهم بحاجة الى حركة تنويرية واسعة تجعلهم يفهمون الدين بطريقة عقلانية متسامحة لا بطريقة تقليدية متعصبة كما هو سائد الآن وكما كان سائدا في اوروبا المسيحية سابقا.
وربما كانت احدى نتائج 11 سبتمبر الاكثر اهمية تكمن هنا. فهي ستجبر المثقفين في العالم العربي والاسلامي كله على اعادة قراءة التراث بطريقة تاريخية مسؤولة. كما ستجبرهم على اعادة النظر في البرامج التعليمية التي تلقن للاطفال منذ الصغر بعض اليقينيات العدوانية التي تنتمي الى القرون الوسطى والتي تؤدي الى تكفير الآخرين، كل الآخرين. وبالتالي يستحيل التعايش السلمي معهم.
هنا ايضا يكمن السبب الاكثر عمقا لتشكل العقلية الارهابية. ولا نستطيع بعد الآن ان نتجاهل حل هذه القضية او ان نلف حولها وندور. لماذا؟ لأن انظار العالم بعد 11 سبتمبر اصبحت متركزة علينا بكل بساطة. وقد ابتدأ كبار المسؤولين السياسيين والمثقفين العرب يعون خطورة المشكلة ويتخذون بعض القرارات الجريئة التي تمشي في اتجاه التطور والانفتاح العقلاني. انظر ما يحدث في السعودية مثلا، او المغرب، او قطر، او الكويت، او معظم الدول العربية والاسلامية الاخرى.
فالعرب لهم تراث طويل عريض، وفيه الكثير من البذور العقلانية والقيم الاصيلة، ولكن تيار الجهل والتعصب طغى عليها وغطاها في فترة من الفترات: اي في فترة عصور الانحطاط بشكل خاص.
ويمكن القول بأن «العراق الجديد» سوف يمشي في هذا الاتجاه الحر والانساني والديمقراطي. وسوف يطوي تلك الصفحة السوداء المرعبة من تاريخ العراق والعرب. وتصريحات وزير خارجيته هوشيار زيباري وبعض كبار المسؤولين في مجلس الحكم الانتقالي اكبر دليل على هذا التوجه العقلاني في مجال السياسة والفكر. وهذا ايضا من نتائج 11 سبتمبر. وبالتالي فرب ضارة نافعة. نفس الشيء يمكن ان يقال عن افغانستان على الرغم من هشاشة الانتصار هناك ومحاولة الطالبان العودة الى الساحة من جديد. ولكن عقارب الساعة لن تعود الى الوراء. وسوف تندحر قوى الشر والظلام في نهاية المطاف.
في الواقع ان هناك الرهان الاكبر لـ 11 سبتمبر يكمن هنا. والسؤال المطروح هو التالي: هل سيؤدي هذا الحدث الكبير الى تسريع حركة التاريخ في العالم العربي خصوصا، والاسلامي عموما؟ هل سيؤدي الى حصول تلك المصالحة التاريخية المنشودة بين الاسلام والحداثة؟ اذا ما حصل ذلك فإن 11 سبتمبر لن يذهب سدى. وهكذا نلاحظ ان التاريخ يحتاج احيانا الى فاجعة كبرى لكي يتقدم خطوة واحدة الى الامام. قد يبدو هذا الكلام «وقحا» او غير لائق في حق الضحايا الذين اطبقت عليهم النيران في ذلك اليوم المشؤوم. ولكن التاريخ البشري مليء بالشيء وضده، مليء بالفواجع بقدر ما هو مليء بالمسرات. ويبدو ان جدلية المتناقضات ضرورية لتقدم التاريخ.
مهما يكن من امر فإن 11 سبتمبر جعل من مسألة التطرف او الغلو في الدين مسألة كونية بعد ان كانت محلية محصورة بمجتمعات معينة. لقد اصبحت مشكلتنا بحجم العالم بعد ان كانت محصورة بالجزائر، او السودان، او مصر، او سوريا.. الخ. وبعض المثقفين الغربيين يعتقدون ان هذه المشكلة سوف تشغل القرن الحادي والعشرين كله، مثلما ان مشكلة التوتاليتارية الفاشية او الشيوعية شغلت القرن العشرين كله. من هنا خطورة الآيديولوجيات المغلقة او المفعمة باليقينيات المطلقة.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستشرق إسرائيلي يرفع الكوفية: أنا فلسطيني والقدس لنا | #السؤ


.. رئيسة جامعة كولومبيا.. أكاديمية أميركية من أصول مصرية في عين




.. فخ أميركي جديد لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؟ | #التاسعة


.. أين مقر حماس الجديد؟ الحركة ورحلة العواصم الثلاث.. القصة الك




.. مستشفى الأمل يعيد تشغيل قسم الطوارئ والولادة وأقسام العمليات