الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر الذي رحل دون أن يقول وداعا

باسم الهيجاوي

2007 / 6 / 13
الادب والفن


لستُ هنا بصدد الحديث عن الحالة الشعرية لدى الشاعر الراحل خالد نزال .. ولست هنا بصدد الحديث عن أغراضه الشعرية التي تفتتح حدائق لا تعرف النسيان .. ذلك أن الشاعر خالد نزال .. واحدٌ من الذين غادروا الحافة .. وتسلقوا كل الوهاد بحثاً عن الحواف التي تليها في الأعلى .. مدركاً أنه يستميل الخطر وتاركاً الأمان خلفه عامداً .. إلا أنه مستعد من أجل تحقيق الأشياء المحتملة قبول المجازفة الحتمية ..
هكذا أيضاً هو حال الفيلسوف الألماني فاوست .. في وصف البشر الذين يتحدّون ويزدهرون في ظروفٍ أشد تحدٍ .. مثل شاعرنا الذي عاش لنا .. وما كان يعيش في عالمنا .. هذا العالم المصبوغ بالجبن والزيف والتقدم الدائم إلى الخلف .. فجاء يصنع حالة شعرية .. يرتب فيها أشياءها .. ويختزن في خوابيها ما يقيت الجياع .

عرفته كما عرفته .. يعرف أين يضع خطواته .. ويؤمن بأن الغد سيحمل دفئاً أكثر .. وحباً أكثر .. ومنازل تفرش حدائقها للذين يعودون من ظلال الانكسار .. ويتراجعون عن طريق سرقت بهجة الناس وبهجة ما حملنا من عناوين للفرح .. حين وُجدنا على مفترق .. نقترف شهوةً .. ونشم ورداً اصطناعياً غارقاً بكيمياء التراجع عن القيم .. فجاء صوته صارخاً في برية الروح .. ينادي جياد القوافي .. لتستل صهيلها من أعمدة الضوء للشوارع المعتمة .. فيضيءُ بالكلمة عناوين كثيرة .. هجرتها مدن الاسمنت الغارقة باكتظاظ التساؤل ..
ـ لماذا ؟ .. وأين اللغة التي حملنا ونشأنا على أنغامها في المهد ؟ وهل الطيور التي هجرت أعشاشها ستعود إلى الصدور بعد اللحظة المهاجرة ؟؟ .
وحين أدرك خالد نزال مثل هذه التفاصيل .. تقافز الحرفُ بين يديه مثل صغار الحجل .. يكشف صور الزيف التي أدمناها .. وتراكضنا على ضفافها حين استباحت فينا لغات الجمال .. فأسقطت من حساباتنا كل قيمة إلا قيمة الشيكل والدرهم والدولار .

وجاء يرسل أناشيده المخملية في فسحاتٍ للتأمل المتسع .. تصاعد على جنباتها أنفاس بساتين حافلة باكتظاظ آخر للتساؤل :
ـ لماذا نسرقُ غفواتنا من الليل .. ونبكي لأن طائر الصباح لم يحط على شباكنا ؟
ـ لماذا نُقتل كل صباح لننتحر قبل النوم ؟ .. ونرفض أن نبول في فراشنا لأن أحلامنا بريئة .. ولا تريد أن تكون سوى ما هي كائنة ؟؟ .. وعندما نشربُ ماء أعيننا .. نراهم يصخبون ويلعبون ويتضاحكون في تساقط المطر الموجع .. ألأننا رفضنا تقديم اعتذار على ما لم نقل .. ؟ .. أم لأننا نرفض أن نزجَّ في كلامنا حروفاً لا تسقط سهواً .. ؟ .. أم لأننا نرفض أن نوقع للدجال الذي يتغنى بقوتنا اليومي ؟.
ـ ولماذا تُكسر أباريق اللغة على أعتاب شفاهنا حين يندلق الكلام ؟ .. لنثير زوبعةً .. ونركضُ في ملابسنا عراةً .. نحتفي برجوعنا للأندلس ؟ .
ربما لا نستطيع تدشين شهوات بعض الناس في تقديم وردة تقتحم تربتنا .. أو شمعة تقتحم ليلنا .. لاستلاف قلوبنا دون اعتذار مسبق .. ربما لأننا لا نستطيع منحهم بطاقات لجوء .. ولا ندري .. لماذا الانصراف قبل أن يُدقَّ الجرس ! .

غير أن تلك المنازل التي لم تفارق شهوتها حين رقصت .. كتبت إلى قمر الحكايات ما أرّخ القادمون من البلاد المتعبة .. والنار التي أيقظت حطب أغانيها القديمة .. تصاعدت .. لكننا انكسرنا برداً لحظة اقتراب الدفء .. فعبرنا إلى ما لا نشتهي ! .. إيه .. حين كان السؤال وميضاً لاقتراب المسافات .. ونجماً طالعاً في قلب ليلٍ يبتعد ويبتعد إلى حدود التلاشي ..

إيه يا قمر المساءات التي تنتشي .. وما لم تقله العرافة .. حين كانت تمر من أمام بيتنا الصغير .. كان يدرك ملياً أن الصحو لن يمطر الغياب .. وأن الأطفال الذين يمرون في الصباح في حقائبهم ودفاتر أحلامهم .. سيكبرون .. ولن يكبر السياج الذي يحاصر الحقل مثلما يكبرون وتكبر الأشجار .. وسيان إن ظل لامعاً أو اعترى مفاصله الصدأ .
ومع أننا ندرك أن صباحنا الخجول على موعد مع القافلة .. لكننا نحاول الاقتراب .. فنقترب .. لعلنا نشعل من همنا سراجاً للظلمة .. ونوقد من فضة أحلامنا نهجاً بديلاً للتراجع .. لعلنا نكون .. لعلنا نبدأ .. لعلنا نكتب سيرة للأمهات وهن يؤرخن العذاب على صدور أحلامهن .. ويسكبن آخر دمعة في هزيع آخر ليل سينجلي إن شاء الله .

بقي أن أقول ..
خالد نزال .. هذا النسيج الذي يختزن أدق تفاصيلنا الموجعة فيما تقدم .. يتراكض في قصائده نحو انفجارات ينابيع .. لنرتوي .. ويفتش عن أرواحنا المثقلة بالانكسار .. ليدلي ببيان الفاجعة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تزوج الممثلة التونسية يسرا الجديدى.. أمير طعيمة ينشر صورًا


.. آسر ياسين يروج لشخصيته في فيلم ولاد رزق




.. -أنا كويسة وربنا معايا-.. المخرجة منال الصيفي عن وفاة أشرف م


.. حوار من المسافة صفر | المخرجة والكاتبة المسرحيّة لينا خوري |




.. -عملت له مستشفى في البيت-.. المخرجة منال الصيفي تروي حكاية م