الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرية المرأة العراقية .. آفاق ومعوقات ..دور المرأة في تدجين نفسها

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2007 / 6 / 11
الكتاب الشهري 4: دور المرأة في عراق ما بعد التغيير, حرية ومساواة المرأة بالرجل جزء أساسي من قيم المجتمع المدني الديمقراطي


تاريخيا ،ومن اجل الوقوف على جذور معضلة التمييز ضد المرأة واضطهادها وقمعها وحرمانها من حقوقها الانسانية والمدنية ،تبرز امامنا الحقيقة التالية : ان مرجعية فكرة الاضطهاد والقمع هذه هي نتاج الاسس المختلة التي تقوم عليها فلسفة المنظومة الاخلاقية والقيمية للرجل والموروث الاجتماعي للمجتمع الشرقي . وبمعنى اكثر دقة : ان الخلل الذي قامت عليه فكرة التمييز ضد المرأة ومصادرة حقوقها ،متأتية من عملية اتخاذ المؤسسة الاجتماعية من قضية الجنس ـ فرج المرأة تحديدا ـ وما يتعلق بها من عقد الاستحواذ والامتلاك ،من اجل المتعة الصرف ،وعلى خلاف جميع ادعاءات الرجال وما يتذرعون به من دعاوى حفظ الانساب وصفاء الذرية ومنع المرأة من الانحراف والانسياق خلف شهواتها ،كقاعدة لنظمهم الاخلاقية وقواعدهم التربوية والقيمية والاجتماعية ؛متناسين ،وبطريقة النعامة ،ان الحجر على المرأة وحبسها في البيت وحرمانها من حرية الحركة ،او حتى تشديد فعل الرقابة عليها وعلى سلوكها ،غير كفيل بالسيطرة عليها ؛وان قضية انحراف المرأة ـ بحسب تصورهم ـ او بحثها عن علاقات عاطفية وجنسية خارج اطار علاقة الزواج انما يأتي كنتيجة لتلبية حاجة تفرضها ظروف موضوعية ونفسية (غالبا ما يكون الرجل مسؤولا عنها ) وليس لها علاقة بحسابات المنظومة الاخلاقية او العرف والموروث الاجتماعي لمجتمع من المجتمعات ،وانه ليس ترفا ذوقيا او انحرافا نفسيا او سلوكيا الا في بعض الحالات الشاذة التي لا يعتد بها ولا يجوز اخذها كقواعد يقاس عليها . وكل اسباب احترازات الرجل الشرقي وتخوفاته من انحراف المرأة وخيانتها ـ وهي همه الاول والاخير ـ يعود مردها الى سيادة فكرة الموروث الاجتماعي القائلة بقصورعقل المرأة وضعفها النفسي الذي صير منها العوبة سهلة الاغواء لما تنطوي عليه ،بالفطرة ،من استعداد للانحراف والتهتك ،والذي تعد مسألة قمعه ـ استعداد الانحراف الفطري ـ مسؤولية الرجل وواجبه الاول الذي يجب ان يقف له بالمرصاد ، لان متى ما انحلت اخلاق المرأة ولم تحافظ على نقاء علاقاتها الجنسية الى مرحلة الزواج وداخل منظومته ،انهار المجتمع وسحقت اخلاقه وقيمه ونظمه القيمية والسلوكية وسار في طريق الانحلال والتدهور والرذيلة والضياع الابدي . ورغم ان حقائق الواقع تدلل على ان المرأة اعف وانقى من مثل هذا التصور الساذج بطبعها ،ولكننا سنساير هذا التصور الساذج ،على سبيل المحاججة : حسنا ،ولكن المجتمعات غير العربية وغير المسلمة (مجتمعات الثورة الصناعية والتقدم التكنلوجي وكل معطياتها العلمية والتقنية والحضارية التي ننعم بها اليوم ولم يعد بمقدورنا ـ نحن الشرقيين على وجه الخصوص ـ الاستغناء عنها لحظة واحدة ،من الطيارة الى ابرة الخياطة ) هي نتاج مجتمعات متهتكة ـ بحساب الرجل الشرقي ومنظومته القيمية ـ تمارس نسائها علاقات عاطفية وجنسية خارج علاقة الزواج وقبلها (وضمن علاقة الزواج في بعض الحالات ) او كما قال عمر بن الخطاب : " يتسافدون تسافد الحمر" ولم تنهار تلك المجتمعات او تنزل بها الكوارث ،(ما نعانيه كعرب من فرقة وتشرذم وتخلف ربما كان ادعى للشك ان ينتظرنا مثل هذا المصير اكثر من غيرنا من شعوب الارض ـ ومازالت حضارتهم تسجل في كل يوم تقدما جديدا واكتشافا علميا اكثر رقيا لخدمة البشرية جمعاء : في الطب والهندسة والالكترونيك والكهرباء و...... و...... و...... والى آخر قائمة المنجزات العلمية) . اذن ،ما نعانيه كشرقيين عامة ،وكعرب خاصة ،وكعراقيين بصورة اخص (في ظرفنا الراهن على وجه الخصوص) ليس له من سبب سوى تخلفنا وجمود منظوماتنا الفكرية والقيمية ،والتي من بين اهم مظاهرها تخلفنا الفكري / السياسي الذي يقوم على قمع جميع الحريات المدنية والفكرية والسياسية وحرية التفكير والتعبير وحرية الضمير والمعتقد ،التي انتجت حالة الجمود الفكري التي قادتنا لمعاداة كل اشكال الحرية وكل ما هو حداثوي على صعيد الفكر والثقافة والممارسة والتطور الحضاري ،والتي تقف على رأس قائمتها قضية التمييز ضد المرأة ومصادرة حقوقها وتهميش دورها واقصاءها عن ميادين الحياة العامة ورهن مصيرها ودورة حياتها في المسافة المحصورة بين سرير غرفة النوم وموقد المطبخ . ومن المؤسف ان تتحول المرأة الى عامل مساعد لسيادة مثل هذه المفاهيم و(الانظمة) المتخلفة عن طريق خنوعها لعوامل ونظم التدجين ،التي انتجها وانتهجها الرجل وكرسها ، بمؤازة العملية الاجنماعية ، (التي تشكل المرأة احد اطرافها) كنظام مقدس لشكل حياة المجتمع ودور المرأة فيه . وهذا ما يتضح من خلال تعامل المرأة مع مجموعة هذه المفاهيم وخنوعها لها وعدم رفضها ومجابهتها لها الا على نطاق ضيق ومحدود جدا ،وخاصة في العقدين الاخيرين من القرن الماضي الذي شهد ذروة التراجع في العراق على صعيد تهميش دور المرأة وقمعها وحرمانها من حقوقها . ففي حين كانت قد بلغت نسبة السفور بين صفوف المتعلمات العراقيات ما يقرب من 80 % في ستينيات القرن الماضي ،نجد هذه النسبة قد تراجعت الى ما دون الـ 40 % في ثمانينياته ،تحت وطأة ضغوط الحرب الايرانية العراقية وما رافقها من قهر وترويع وقتل وترميل للنساء ،وما خلفته ظروف الحرب الطويلة وآثاراها الكارثية من نكوص نفسي لدى الرجال والنساء على حد سواء . . في حين ان المجتمع ـ لم يكن من وجود للمجتمع المدني ،كمؤسسات ، في تلك الحقبة ـ والدولة لم يقدما أي حل او رؤية او تدبير لمنظومة المشاكل والاثار المركبة التي افرزتها تلك الحرب ،والتي اثقلت كاهل المرأة بالمزيد من اوجه المعاناة والظلم الاجتماعي والقهر النفسي والاعتباري . بل ،وعلى العكس مما كان يجب على المرأة ،نراها تستقبل معاناة وآثار ذلك الفعل الهمجي (الحرب ) بالمزيد من الاستسلام والتكيف مع افرازاتها ونتائجها (انا اعني بكلامي هذا الاستعداد الفكري والنفسي الذي قادها في النهاية ،كما سيتضح لاحقا ،للانضواء تحت عباءة المرجعية الدينية دون نأمة احتجاج واحدة ،قاذفات بذلك تاريخ ونضال وتضحيات مئات النساء اللاتي ضحين بارواحهن على مذبح الحرية ،الى مهاوي النسيان) والتضحية بالبقية الباقية من حقوقها المدنية والسياسية التي كانت قد حققتها عبر نضالها الذي بدأته مع انبثاق الدولة العراقية الحديثة ، عام 1921 ،التي حرص الملك فيصل الاول على اقامتها على اسس علمانية صرف . وهذا ما لحق بها ايضا مع محنة الاجتياح الصدامي للكويت وما لحقها من سنوات الحصار الاقتصادي الذي ضاعف من معاناتها واشكال قمعها ليصل بها حد التقوقع التام الذي ادخلها اعصار حرب احتلال العراق ،من قبل القوات الامريكية ،وهي في اضعف حالاتها واكثرها قنوطا و نكوصا ،لنراها في احزاب وبرلمان دولة الاحتلال مكبلة باغلال اشكال من الحجاب التي لم تمر بتاريخ المرأة المسلمة كله ؛وهي المرحلة التي يتندر عليها الشارع العراقي ـ لغرابتها عن تاريخه وثقافته ـ بمرحلة (اكياس الفحم)!اذ تظهر المرأة مكللة بالسواد من قمة رأسها الى اخمص قدميها ،ودون حتى فتحة للعينين ،في اغلب الاحيان . لقد كان لادوات ترهيب المؤسسة الدينية وفتاواها القمعية وسيطرتها على اجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية ،عبر احزاب الاسلام السياسي ، التي سلطتها ادارة الاحتلال على مقاليد الامور في العراق ،الجهد الرئيس والدور الاول في فرض اشد حالات النكوص الحضاري والتسطيح الفكري والثقافي على الشعب العراقي والتي كرستها عبر دستور (موازنة القوى والفئات) الذي سنته ادارة الاحتلال كخطوة رسمية اساسية لمشروع تقسيم العراق وتفتيته ؛والذي كانت حصيلة المرأة (الكارثية) منه المادة 41 التي تضمنت الالغاء الضمني لقانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 ،والتي كانت اولى تطبيقاتها القمعية قرار عدم منح المرأة جواز سفر بدون موافقة ولي امرها ،والذي لم تقابله المرأة بمظاهرة احتجاج واحدة ،او ـ في حالة تعذر المرأة بالظرف الامني ـ تبني المنظمات النسوية ومؤسسات الدفاع عن حقوقها ـ الغريب ان عددها قد فاق عدد محلات البقالة في عراق حقبة الاحتلال ـ دعوة المرأة العاملة الى الاعتصام في بيتها ومقاطعة الدوام في جميع دوائر الدولة ،وهذا من انجح سبل الاحتجاج واكثرها اثرا وامانا و مراعاة لسلامة المرأة خلال هذه الفترة التي غاب فيها الامن والامان عن العراق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تفض بالقوة اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق بين حماس وإسرائيل




.. جيروزاليم بوست: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ا


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. فلسطيني يعيد بناء منزله المدمر في خان يونس