الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حجارة على الجسر

عبدالقادر حميدة

2007 / 6 / 14
الادب والفن



تحية لكاتبة " رسالة خاصة إلى مالك حداد الدهشة الأدبية الخالدة "

Ce sont pas les années qui pèsent le plus , mais tout ce qui n’a pas était dit
تلح علي عبارة الطاهر بن جلون هذه في " ليلة القدر " .. كلما مرت بخاطري ذكرى مالك حداد ، هذا الشاعر و الروائي المميز الذي امتنعت هذا العام عن الكتابة عنه و عن جميع الراحلين ، لأني و منذ سنوات تعودت أن أكتب عنهم مذكرا بهم من نسوهم ، حتى لا أكتب في عداد الناسين .. و على ذكر النسيان و التذكر ، أحب أن أتذكر هنا ذلك الشعر الذي سألت عنه الطالبة الزائرة ضمن وفد مدرسي للأديب الكبير عباس العقاد .. حين سألته عن معنى قول الشاعر الصوفي :
عجبت لمن يقول ذكرت ربي فهل أنسى فأذكر ما نسيت
ليكمل العقاد البيت قائلا :
أموت إذا ذكرتك ثم أحيا و لولا حسن ظني ما حييت
فالتذكر يكون للناسي .. و التذكير يكون للمتناسي .. أما أنا فقد لازمت رصيف الأزهار منذ مدة أصغي لإجاباته الشحيحة ، التي لم تعد واضحة النبرات ، صافية الكلمات ، منبلجة المعاني .. يقول لوركا :
ما هذا الشيء .. يرن بعيدا جدا ..

و أقول : ها أنا أحتفي بالرنين القريب ..
و كنت قد ذكرت أنني لن أكتب هذا العام عن الراحلين ، في روايتي الجديدة " شجر بري " التي نشرت فصلا منها في كيكا " صمويل شمعون " .. لكنني عزفت عن ذلك حين أثارتني كتابة سهيلة بورزق عن مالك حداد .. فأعادت لي الحال الأولى ، التي كنت أعتقد أني شفيت منها .. و ها إني أتداوى بكلماتي .. و أسير متعثر الخطوات على غير نهج .. يطوح بي الحزن الشفيف حينا .. و تناديني الذكريات حينا ، و يهزمني خوفي و ترددي .. فأتأبط حروفي و خوفي و أوغل في رمل المعاني بحثا عن صدر يعيد ترتيب أشيائي .. و يعيدني إلى ذاتي ..
و هنا عند هذا المنعرج أستحضر عبارة الاستهلال التي كتبتها بلغتها التي وردت بها عمدا .. لأن الذي يتعب حقا هو كل ما لم نقله .. و الذي أتعب الراحلين و جعلهم يتأسفون و هم هناك على رحيلهم ، هو أنهم لم يقولوا كل ما عندهم ... و أنهم يحتاجون أجيالا أخرى من الكلمات لتنزع من على كواهلهم أثقالهم .. " و أثقالا مع أثقالهم " ..
هكذا هم الراحلون .. و هكذا يستقبلون الموت .. ليفنوا أجسادهم .. ثم ليستمروا أحياء بكلماتهم .. و هذا ما حدث مع مالك حداد .. الذي أحيته اللغة العربية .. وفاء منها لموقفه الخالد معها .. و أعادت بعثه " ذاكرة الجسد " .. وسيما كما هو .. ناصع البياض .. جميل الابتسامة .. متشبثا بلوحته الخالدة .. قسنطينة ..
مدينته ، التي تحدثت عنها سهيلة قائلة : هناك الكثير من الحكي في انتظارك وانتظاري كحقيقة طائشة ترسم بالونات الفرح على سعة غيابك وترسم باقة شوق لك وللوطن.
ها أنت تتقاسمين و إياه رغيف الغربة .. و تشتاقين لتراب قسنطينة .. و جسورها ..
ها هي مدينة تهوى التفاصيل كما تقول أحلام مستغانمي .. و تحب على مهل .. و تشتاق بلوعة آسرة .. لوعة تختصر كل المدائن ..
تدفئي بالذكريات .. و استعدي لملاقاتها بالروايات الجميلة .. فقسنطينة تعودت على حب الروايات ..
قسنطينة امرأة لا تقبل اعتذارا غير الكتابة ..
و خارج النثر الجميل لا توجد قسنطينة ..
ها هي تعد نخب اللقاء ..
ها هي تفرد ذراعيها ..
ها هي تشتاق لكل كتابها ..
ها هي قسنطينة تبكي صاحب " الانطباع الأخير " .. و تأمل في جيل جديد .. يقول كل ما أثقل كاهل الأولين ..
ما الذي أثقل كواهلهم يا ترى ؟ ..
عودوا إلى عبارة الطاهر بن جلون ..
tout ce qui n’a pas était dit
فشكرا لك أيتها الكاتبة سهيلة بورزق لأنك أثرت في هذه الشجون .. و شكرا لمالك حداد .. الذي هو الآن ك " النائم ينبت العشب بين يديه " .. و يسيل الماء من يده اليسرى .. ليفيض النبع من اليمنى ..

عبدالقادر حميدة
الجلفة في : 10 جوان 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقع لفنانة حول كارثة مدمرة في اليابان يثير زوبعة في البلاد.


.. السيدة الأنيقة أيقونة الرُقي والفن ?? ذكرى رحيل الفنانة القد




.. تأملات - الأدب بين ويلات الحرب والسلام


.. أغنية الوداع من أم كلثوم لجمهورها.. آخر أغنية على المسرح




.. صور نادرة جدًا لأم كلثوم