الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السبحة

البتول المحجوب

2007 / 6 / 13
الادب والفن


بين دمعة متحجرة في المآقي،وبسمة منكسرة على الشفاه. تمتد المسافات بين مهنئ بقدوم هذا وتعزية بفقدان ذاك.
بين هذا وذاك تقف مذهولة شاردة النظرات. وجوه تحيط بها بعضها تعرفه والبعض صادفته يوما ما، في شارع مجهول أو في زقاق من أزقة مدينتها الجريحة.تختلط تقاسيم الوجوه في ذاكرتها،في حين تمتد الأيادي نحو يدها المرتعشة الأنامل.يالسخرية الزمن كيف تتداخل لحظات الفرح والحزن معا.البسمة والدمعة تتعانق في اللحظة ذاتها.
مذهولة وسط الجموع يمسك أحدهم يدها. يربت على كتفها،يمسح دمعة منكسرة على خدها الشاحب علها تهدأ قليلاويسحبها نحو ركن منزوي.يمد لها مغلفا صغيرا..تتردد في أخذه ماهذا..؟ هذه أمانة الثامن عشر من أيار الموافق لعاشر رمضان..
تقاطعه أي أيار وأي رمضان تعني..؟يتابع قوله.. يوما أليما كان ياصغيرتي. يوم لفظ-من أمنني أمانته- أنفاسه على إسفلت زنزانة باردة دون شربة ماء.تذكري تاريخ الثامن عشر من أيار،احفريه في ذاكرتك المهمومة،تذكري دوما أنه طلب لحظة احتضاره قطعة سكر أو شربة ماء دون جدوى.
تذكري هذا، إياك والاستسلام، إياك والضعف..إياك والانكسار...
تنصت لوصاياه بذهول تكاد لاتصدق مايجري. يمر المشهد في لحظة أمامها كشريط رعب،تشعر بدوران تسند رأسها على أقرب حائط كي لاتفقد توازنها، تنظر له بصمت.يشجعها على فتح المغلف الصغير لتجد بداخله سبحة صغيرة ونظارة طبية.تطبع على المغلف قبلة مبللة بالدمع.يتابع كلامه بحرقة وغصة لقد قضى شهورا في جمع نواة التمر كي يصنع هذه السبحة الصغيرة.
نظراتها تائهة بينه وبين السبحة، تقربها من أنفها.. أتبحث عن رائحة أنفاسه المُغيبة عنها عبر نواة التمر..؟ أم تشم رائحة زنزانته الموحشة..؟يحترم رفيقه صمتها بحزن. يتأمل ارتعاش حبات السبحة بين أناملها، يحتضن وجهها المبلل بالدمع بين كفيه،مرددا:
دوما كان يفتخر بك بيننا،لايريدك ضعيفة ولانحن نريد ذلك.
تردد بصمت أيظن ان دموعي ضعفا..؟يتابع قوله ..موجع ما سأقوله لكن أمانة الشهادة تُقال لك يامن قضيت عمرك في الانتظار. يوم استشهاده يوما حزينا كان. فقدناه قبل ان تفقديه.عاش العذاب،الألم،الوحدة،النسيان.. وقدم جلاد قذر يرفسه بين الاوانة والأخرى.
عاش سنينا ألم أضلاعه التي لم ُيجبر كسرها.يوم حُملنا كقطيع غنم من مخبأ "اكدز" لجحيم "قلعة مكونة" لاتنسي هذا.. يوصيها بعدم النسيان ..؟ هل نسته يوما..؟ حتى تنسى جلاديه وبرد زنزانة موحشة ورفات مرمية في احد قلاع جحيم "مكونة"دون أسم أو إشارة.
تمسك السبحة بأنامل مرتعشة. تمسح بكم قميصها بقايا دمع
وترسم ابتسامة منكسرة على شفاه ذابلة، بحثا عن لحظة فرح منفلتة من قبضة الزمن الموجع.
ضمت حزنها بين جناحيها على فقدان من قضى نحبه في المعتقل الرهيب. لتبسم لمن حولها مرددة بحسرة يافرحة لم تكتمل،لله الامر من قبل ومن بعد.
السبحة لاتُفارق معصمها النحيل. كلما عدت حباتها تعد سنين عذاباته الطوال، سنين الجرح الغائر وسنين انتظارها المرير.
تمسك نظارته، تمسحها وتضعها قرب صورته..تبسم للصورة كل صباح ومساء وتردد بصوت مسموع:
"نم قرير العين..لن أصالح..ولن أسامح".
*البتول المحجوب لمديميغ*








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة