الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عدت حاملة رأسي

نبال شمس

2007 / 6 / 13
الادب والفن


دخلت الحديقة حاملة رأسي, نعم انه رأسي, نفس العيون والأنف والفم والأسنان. الناس من حولي نظروا إلي باستغراب واشمئزاز وتساؤلات كثيرة رأيتها في عيونهم. تهامسوا بصوت خافت عن سبب قطع رأسي, ومن الذي قطع لي رأسي, افترضوا الافتراضات وتحدثوا عنها, فمنهم من اتهم والدي ومنهم من اتهم أخي ومنهم من الصق لي التهم, فلم أفهم ما دار حولي ولماذا أخي قطع رأسي, هل أراد الانتقام مني لأني ضربته مرة لكمة على ظهره فسقط على الأرض وانكسر سنه؟

الحديقة كانت في مكان بعيد عن المدينة, حديقة صغيرة فيها بعض أشجار السرو, وعلى جوانبها بعض العشب المعمّر والزجاجات الفارغة, المكان كان غريبا بالنسبة لي فقد ظننت أني سأنعم قليلا برائحة زهر الربيع لكن بول القطط لم يبق أزهارا ولا رائحة للأزهار, وفي الوقت ذاته عرفت أني دخلت هذا المكان سهوا, فأنا لم اقصد هذه الحديقة.
إني اسمعهم وأراهم, أمشي وأتنفس, لكن بدون رأس, الصحفيون وأصحاب المنابر تجمعوا على مدخل الحديقة مع كاميراتهم وأقلامهم يريدون تصوير الحدث المجنون والحديث عنه ونقله إلى العالم, حفلة إعلامية لا بأس فيها, لامرأة مقطوعة الرأس وجدوها في حديقة عارية الشجر والزهر, لا يأوي إليها الأناس العاديون المحترمون, حديقة تفوح منها رائحة المشروبات الروحية والمسكرات.
الروح كانت لا زالت في جسدي, وكنت في كامل وعيي وإدراكي, لكن أحدا من المارة لم يعرض المساعدة أو يستدعي سيارة إسعاف لنقلي لأحد المستشفيات, فقد رمقني الجميع بنظرات ازدراء واشمئزاز وربما انتظروا أحدا ليسحب جسدي إلى مثواه الأخير.
كلامهم رّن في أذني عندما اقترب إلي شاب في الأربعينات أراد أن يطلب لي مساعدة: " كيف تساعد امرأة رميت في مثل هذا المكان, امرأة مقطوعة الرأس, فمن يدري ماذا فعلت أو بماذا تورطت....فلماذا تريد توريط نفسك وهي إنسانة مجهولة الهوية, غامضة الأمر", لم استغرب كلامهم أو همسهم في الوقت ذاته أردت أن اشرح لهم سبب تواجدي هنا, لكني لم انجح فانا بالنسبة لهم كنت احتضر.
أردت أن انفي الاتهامات الباطلة التي الصقوها لي, كوسام سلبي, لكنهم ابتعدوا عني وصدّقوا أنفسهم وصدقوا ما افترضوه, فادعاءاتهم كانت أضخم من الكلمات التي أردت شرحها.
كنت كالمشاهدة التي تشاهد مسرحية حية تعرض لأول مرة في حديقة عامة, فلم افهم ما حدث بالضبط ولماذا أثيرت تلك الضجة.
تساءلت عن طلابي اللذين كانوا معي, فقد كان علي إرجاعهم إلى بيوتهم قبل المساء وإلا فصلت من عملي كمعلمة.
تساءلت عن مكان تواجدهم, فهل قطعت رؤوسهم مثل رأسي, أو هل حملوا رؤوسهم وذهبوا إلى حديقة أخرى؟
بيني وبين نفسي أدركت أني دخلت حديقة للمارة المتسكعين, ولسكارى الليل اللذين لا مأوى لهم في المدينة.
فجأة دخل طلابي من بين الناس وسيارات الصحافيين, دخلوا واحدا تلو الآخر, دخلوا بوجوههم الحمراء وعيونهم المتسعة دهشة واستغرابا لوصولنا لهذا المكان.
جلسوا حولي يتهامسون ويتضاحكون: لقد هربنا منك عمدا لنجعلك تقلقين علينا, نحن لم نبتعد فقد كنا خلف أشجار السرو مختبئين لك.
لم انه حديثي مع طلابي وإذا بثلاثة أطباء وسيارة إسعاف وصلوا إلى المكان,والصحافيون تفرقوا مع سياراتهم. فجأة رأيت الذين كانوا مجتمعين حولي يقولون للطبيب: المسكينة لقد ضربتها الشمس أثناء رحلتها مع طلابها.
تغيرت الامور وانعكست الأشياء. تبرأ أبي من تهمة قطع رأسي, وتبرأ أخي من تهمة قتلي, وتبرأت أنا من تهمهم, وكل ذلك دون أن أتكلم أو أنبس ببنت شفة, فافترضوا وتكلموا وتهامسوا وصدقوا أنفسهم حسب رغباتهم, حسب المكان وحسب الزمان .
جمعت طلابي وخرجت تاركة الرأس المقطوع لهم, بينما كان الجميع يستعد لتقديم المساعدة لي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل