الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمال النفط .. ( أبو ضامن ) يناديكم !

عبد الجبار السعودي

2007 / 6 / 13
الحركة العمالية والنقابية



سريعاً ، بدأ يتحدث بلهجة غضب واضحة عبر الهاتف عما قرأه من خبر ٍعن الأمر الذي صدر بأعتقال عمال النفط المضربين لليوم الثالث عن العمل في شركة نفط الجنوب، بسبب عدم تلبية سبعة عشر مطلباً تقدموا بها الى الحكومة والذي يأتي في مقدمتها ضرورة مشاركة أتحاد نقابات عمال النفط في النقاش حول قانون النفط المقترح والذي يراد تمريره أستجابة لرغبات الشركات الأحتكارية العالمية وكذلك بخصوص تحسين ظروف العمل وما يتعلق بالعلاوات الى غيرها من المطاليب، وأزدادت حدة لهجته في الكلام عندما ذكــّرني بحادثة سقوطه من كرسي الحديقة في بيته المستأجر المتواضع في موقع ما من الأرض التي تختزن كنوز من بحيرات النفط والتي لم يجن ِ منها لا هو ولا أجداده من قبل ولا أولاده ولا أحفاده شيئاً ما، سوى أزلام وأحفاد الفاشيين و من لفّ لفـــّهم من المنتفعين والمتلونين ومن تلوثت ضمائرهم قبل أياديهم وحتى السراق والمهربين والى يومنا هذا !!
هدأت ّ عليه قليلاً، لكي أسترجع معه بعض من الذاكرة حول حادثة سقوطه من الكرسي التي أعادها علي عبر سؤال كرره لمرات عدة : هل نسيت يوم جئتني الى البيت و وجدتني في لحظة ما ، مترنحاً ومستلقياً على الأرض في (الحديقة) التي أسمها حديقة، وهي لا تمت للحدائق بصلة ؟ هل نسيت كيف أنك أعنتني على النهوض أنت و(أم ضامن) وأنا أمسك بخاصرتي التي هــدّها التعب من سنوات الصراع مع الحديد و شد البراغي بالأضافة الى تخرصات أزلام السلطة آنذاك .. ؟ هل نسيت ذلك ؟
نعم ، يا (أبو ضامن)، نعم، يا نعمَ الصديق، ونعم الأميــــــن الذي لم يسرق ولا (برغيــــاً) واحداً من أجل كرسي الحديقة ! نعم لازلت أتذكر كيف حملناك من كتفيك الى السرير وأنت تتلوى من ألم تلك (السقطة) التي كنت تتوقعها وتنتظرها يوما ما ..! ولكن، ربما ساهمت أنت يا عزيزي في حدوثها ولم تنتبه رغم تحذيرات و (توسلات) (أم ضامن) لك بأن تداري كرسي الحديقة جيداً، فهو (سلوتنا) الوحيدة في هذا الزمان المُر، فلا( حديقة ) البيت تنبت فيها الحشائش لكي نفرش عليها حصيرة ونكَـــعد، ولا (مرجوحة) فيها مثل مراجيح (المسِعدات) نتمرجح عليهه ! فقد كانت صلوات (أم ضامن) تتوالى عليك وأنت تهــــمّ فجراً مسرعاً نحو الباص الذي يقلك الى صحاري الرميلة و ورش العمل هناك حيث تمتزج الهموم والهمم من أجل لقمة العيش وتأدية الواجب وأنتظار الأمل بحياة سعيدة ورفاه مرتجى من كل هذه الكنوز التي تسعون لأستخراجها من أجل خير الناس والوطن !
لا زلت أتذكر جيداً حكاية ذلك الكرسي الذي كان يهتز عند جلوسك عليه بسبب عدم تثبيته جيداً وربطك له بـ (واير)، والذي كان بأمكانك أن تلتقط (برغيا) واحداً منه من مكان عملك أو من الأرض التي تعج بمخلفات السكراب الخردة المنتشرة في هذا المكان أو ذاك ..
أتذكر رفضك في أن تمتد يدك الى واحدٍ من تلك (البراغي) لكي تديم قوة كرسي الحديقة، رغم أن البعض يأخذ ما بحاجته بكل يسر وسهولة ودون حساب أو رقيب ، وكنت تردد أمامي دوماً :
إنْ أمتدت يدي الى هذه الحاجة البسيطة التي هي ليست ملكي رغم مقدرتي على ألتقاط واحدة منها وإخفائها في جيبي ، فكيف سنحافظ على شرف عملنا وثروة ما موجود في هذه الأرض !؟
أصغى (أبو ضامن) جيداً لحديثي هذا عبر الهاتف، دون أن يقاطعني و شعرت أن حسرة طويلة قد نفذت من صدره المتعب وتساءل من جديد : كيف يسرق هؤلاء المهربين يومياً و دون حساب وكتاب واضح كما يقال، كل هذه الكميات و يصدّرونها الى البلدان المجاورة ولم نسمع عن عقاب هذا وذاك ؟ كيف يــُراد لثروة الوطن التي سُرق منها الكثير وتبعثرت أيام النظام السابق و أستثمرت في حروب رعناء ومجنونة وتسليح منفلت ومشاريع وملذات خاصة، أن تسرق هذه المرة أيضاً من قبل الشركات الأحتكارية العالمية، دون أن يشارك عمال النفط الذين يديرون عملية الأنتاج لهذه الثروة الكبيرة في القرار الذي يراد منه بعثرة النفط من جديد على الحرامية، ودون أن ينعموا هـُم بثرواته من خدمات كتخصيص قطع أراضي و دور سكن صحية ولائقة لأسكانهم هم وعائلاتهم ورفع أجورهم ورواتبهم بما يتناسب والجهد الذي يبذلوه في العمل المرهق والمضني الذي أعرف جيداً تفاصيله بالكامل وعشت معه لسنوات طوال؟ ولماذا لا توزع عليهم بعض من الأرباح السنوية من الموارد الهائلة التي تدرها عمليات بيع النفط وتسويقه أسوة بالعاملين في بعض شركات القطاع العام والشركات النفطية العالمية ؟ لماذا لا تنظر الحكومة والوزارة الى ما يُقدّم الى العاملين في قطاعات النفط المختلفة من شركات الحفر والتنقيب والأستخراج والمصافي وصولاً الى التصدير من أمتيازات هائلة في البلدان القريبة والبعيدة التي تستخرج وتصدّر هذه النعمة التي منحتها الطبيعة الى بلدنا ؟ لماذا .. ولماذا .. ؟
أسئلة كثيرة .. ردّدها صاحبي الذي أهلكته سنوات العمل في صحاري الوطن وثرواته الهائلة ، ولم يجن منها ولا ( بيــزة ) و ولا شبر واحد في أرض الوطن وهو الذي لم تمتد يده للأستعانة بـ (برغي) واحد لديمومة حاجة ما في بيته الذي لايشبه بيوت العاملين من أقرانه في البلدان النفطية المجاورة !
لم يودعني ( أبو ضامن ) وسط هذه التساؤلات المريرة التي حملها عبر الهاتف ، لكنه قال وبنفس عفوية وحماسة الأنسان المقهور والمهضوم منادياً عمـــال النفط المضربين وما سمعه عن أضرابهم الذي يستمر منذ أيـــــــــام، بما يشبه الهوسة الشعبية ( عمال النفط .. أبو ضامن يناديكـــــم ) :
كافي ضيــــــــم يا أخوتي .. كافـــــــــي غــُلب .. ماكو بعد شي ينخاف منــــّه .. تره الحراميــــــــة كِثــــــروا .. واللهيبيـــــة داير ما دايركم .. ! نسيتوا السنين اللي ضاعت بالحروب و فلوس النفط اللي إنهدرت .. وضلــــّت العالم لليوم عالحديـــــــده كَــــــاعده !؟
نسيتوا حال بيوتكم اللي عايشين بيهه .. نسيتوا حال درابينكم المليانة طين وسيان؟ نسيتوا الذبــــّان اللي مالي أحواشكم وأسواقكم ومدارس أطفالكم ؟ نسيتوا جهالكم المرضى و وجوههم التعبانة ؟ نسيتوا أولادكم وأخوتكم اللي راحو ضحايا الحروب والقتل الأهوج ؟
لاترضون .. ولا تسكتون بعــــد هيجي يوم .. خليّكــــم قبل كل شي إيــد وحده ! تره الخبزة تدبرْ .. والعيشة تدبرْ .. و ضيمكــــــــم ما راح ينتهي لو دنكَـتــــــوا الراس ! أبد ما راح ينتهي .. !
تركته يتساءل .. ويتساءل .. وأنا أصغي لكل آلامه هذه التي تنبض بالقهر و عوز السنين والحرمان والجور والتشرد الذي عاشه هو وأقرانه وأخوته من عمال النفط و غيرهم من أقرانه الذين يعانون لليوم نفس معاناته والذي لايريد لهم أن تـُهلك أجسادهم في صراعهم من أجل لقمة العيش لوحدها أو تسرق أيامهم وحياتهم ويصبحوا يومـــــاً ما على قارعة الطريق أو لاجئين كغيره يوماً ما في بلدان الشتات !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب وأساتذة بجامعة مانشستر يعتصمون للضغط على إدارتها لقطع ع


.. استمرار اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن




.. هو ده الاحتفال الحقيقي بعيد العمال .. خالد أبو بكر: الرئيس ا


.. كل الزوايا - عبد الوهاب خضر المتحدث باسم وزارة العمل يتحدث ع




.. الهند.. أكثر من 80 بالمائة من الشباب عاطلون عن العمل!!