الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اوهام متجددة

حيدر عوض الله

2007 / 6 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة أوهام سياسية يجري تداولها بين الفينة والأخرى، وبالتحديد كلما تعقدت القدرة على اكتشاف آفاق لحلول ملموسة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو حتى كلما زادت حدة ووتيرة الصراع الفلسطيني الداخلي على القيادة والوجهة. وهذه الأوهام لها جذورها في سياسة التوريط والتوتير التي أدارتها م-ت-ف في الأيام الخوالي وبظروف معينة كسلوك تكتيكي يضمن مناورة البقاء في خارطة الصراع الشرق أوسطية.
ولكن هذا السلوك السياسي تضخم اليوم بطريقة أكثر دراماتيكية وجذرية تحت عناوين متعددة مثل"حل السلطة"و"الدولة ثنائية القومية"،أي اعتماد خيار العودة إلى المربع الأول ،وكنس التضحيات الهائلة التي راكمها النضال الوطني، وتبديد طوعي لترسانة كبيرة من قرارات الشرعية الدولية بخفة الانتقال من هدف إلى هدف دون التمحيص بواقعية الهدف الجديد وقدرة الفلسطينيين على تحقيقه، اقصد هدف الدولة ثنائية القومية. وكلا الخيارين مع اختلاف مظهرهما، حل السلطة والدولة ثنائية القومية ،يؤديان إلى نتيجة واحدة: تدمير هدف النضال الوطني وتحطيم الكيانية السياسية الفلسطينية على هشاشتها، أي هزيمة المشروع الوطني برمته. فتطور البرنامج السياسي لمنظمة التحرير جاء تتويجا لنضج سياسي عمّدته التجربة والتضحيات والحاجة الماسة إلى تقديم هدف قابل للتحقيق وليس كما توهم البعض هدفا سهلا. انه بالتحديد هدف صعب، لكنه هدف واقعي يمكن للتضحيات مهما عظمت أن تثّمر فيه.
إن السلوك الانتحاري الفلسطيني الذي يعتقد بان حل السلطة يمكن أن يؤدي إلى إعادة الصراع الفلسطيني إلى معادلته الذهبية احتلال- تحرر وطني، يتجرد على أحسن تقدير من حسه بالتطورات والمتغيرات الكبيرة التي جرت وتجري على الاحتلال والمحتل ومدى قدرة الفلسطينيين بواقعهم الراهن ومحيطهم الاقليميي والدولي الزاخر بالأولويات الأخرى، على الاستفادة من حالة "الفوضى" التي قد تنجم عن حل السلطة ناهيك عن إدارة صراعهم السياسي وسط تفكك نموذجهم الحالي على علاته، وفيما إذا كانوا مؤهلين مجددا لبلورة كينونتهم السياسية في إطار المعادلة الدولية الجديدة أو ضمن متغير جديد على الصعيد الداخلي ، عنوانه الأبرز تفكك البنى المركزية القيادية وتشظي الحالة الفلسطينية إلى كتل متباينة الأهداف والمرجعيات. ثم لماذا الافتراض أن إسرائيل ستنزلق إلى إعادة احتلالها بالشكل والمضمون القديم وتعيد السيطرة على كتلة سكانية عظمى لها احتياجاتها ومتطلباتها تحت الاحتلال!!. إن في جعبة الاحتلال ترسانة كبيرة من السيناريوهات القادرة على تصفية القضية الفلسطينية كقضية سياسية، ولم تعد في عالم اليوم عدالة أي قضية وصفة مؤكدة لنجاحها، وليس من المستبعد أن تتحول القضية الفلسطينية إلى ما يشبه القضية الكردية، ضحية مباشرة لاعتبارات ومصالح إقليمية أولا ودولية ثانيا.
لقد توقف أصحاب الحناجر الثورية بين ظهرانينا منذ أمد طويل عن التفكير في مدلول العلاقة بين الأدوات والأهداف، وصارت أدوات الكفاح في محل أهدافه!. وكل من يتابع ملهاة الجري إلى ماراثون التهدئة العسكرية والمناشدة الأخلاقية بوقف "الصواريخ" على إسرائيل، يدرك مدى العطب الذي لحق بالإستراتيجية الفلسطينية التي حولت وسائلها إلى أهداف لا تقاس بحجم النتائج السياسية المترتبة على هذه الوسائل.لقد مرت واستمرت فترة طويلة تعامت فيها بعض مكونات الحالة الفلسطينية الراهنة عن حقيقة سياسية قاسية وظالمة ،لكنها واقعية، وهي انه كلما انشد الفلسطينيين إلى معادلة "قوة النيران" وانجروا إلى الدائرة الإسرائيلية السحرية، دائرة النزاع المسلح، كلما تعاظمت الخسائر الفلسطينية وبالتحديد الخسائر السياسية، وكل متتبع للتفاهمات والخطط السياسية التي أعقبت كل تصعيد- بدا خارجا عن "السيطرة"- يلحظ التآكل المستمر في سقف "الحلول" المطروحة لوقف التصعيد، وآخر مؤشر على ذلك بيان الرباعية الذي سلّم للإسرائيليين بالعدوان على قطاع غزة ردا على صواريخ القسام، مع الأخذ بعين الاعتبار حياة المدنيين الفلسطينيين؟!.إن استمرار هذا الحال بات يطرح تساؤلا جديا عن الأهداف الحقيقية وراء هذه السياسات، ولم يعد الأمر مجرد سوء إدارة للصراع أو اجتهاد في قراءة النتائج الممكن تحصيلها عبر هذه الأدوات. فالنتائج المترتبة على هذا السلوك باتت واضحة للقاصي والداني، ولن نفتئت على احد إذا ما بحثنا عن الإجابة خارج منطق المصلحة الفلسطينية الصرفة، أي البحث في الفضاء الإقليمي الذي يحرك هذا السلوك، وفيما إذا صار النظر للقضية الفلسطينية ليس كقضية وطنية ملموسة الأهداف، بل كورقة من أوراق القوى المتصارعة في المنطقة يمكن التضحية بها لصالح مشاريع "اكبر ".وهنا علينا الإقرار بان عبئا جديدا وحاسما انضاف إلى النضال الوطني وهو عبء داخلي يساهم في إضعاف الفلسطينيين في معركتهم التحررية ويشتت مرجعياتهم وأهدافهم الوطنية ، وآمل ألا يصبح التقدم باتجاه حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من الوجهة الفلسطينية غير متأتي إلا بحسم المعركة الداخلية على الأهداف المباشرة للكفاح الوطني الفلسطيني.
إن السلطة الفلسطينية، وبواقعها الأعرج الراهن، باتت وبدون أدنى مبالغة، خط الكيانية السياسية الوحيد الذي يمكن للفلسطينيين الاتكاء والبناء عليه، رغم كل مظاهر العجز والترهل وشح السيادة واستفحال الصراع عليها، فهي آخر البنى المركزية الفلسطينية التي تحظى، رغم كل شيء، بالشرعية الوطنية و الدولية اللازمة لمنع انهيار القضية الفلسطينية كقضية سياسية بامتياز.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية