الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جحيم الحرية والتباس الحقيقة الذاتية

فاضل سوداني

2007 / 6 / 17
الادب والفن


ضمن التلامس الحضاري وبتأثير ديناميكية الوعي الأسطوري والملحمي للحضارات العراقية القديمة توجه المؤلف المسرحي المبدع عادل كاظم إلى الأساطير والملاحم التي تخلق التفاعل المعاصر من أجل منح المسرح ذلك القلق الذي لا يؤثر على وعي المشاهد فحسب بل يخلق في داخله تلك الدهشة الضرورية لتحقيق الوعي الذي يفرضه مسرح برشت والمسرح المعاصر .
لذلك فان عادل كاظم ومن أجل أن يحقق مشاكسته الفكرية إزاء ظواهر وجودنا المعاصر ، أعني حرية الإنسان (كذات ) وعلاقته بالنظام التسلطي والاستغلالي متمثلا بجبرية الدكتاتور المنفذ للإستغلال الطبقي ، أومن أجل أن يخلق معادلة صيرورة (الذات ) القلقة المتفانية في صراعها مع ( الآخر ) كتب مسرحيته الأولى الطوفان مستغلا الجو والخصائص الدرامية لملحمة جلجامش القديمة ( وتعتبر المسرحية تفسيراً معاصراً للملحمة والتي أخرجها إبراهيم جلال بعدة رؤى إخراجية مختلفة وبوعي ملحمي بريشتي )
وبالرغم من أن المسرحية لم تخرج عن إطار الكتابة التقليدية المتقنة الصنع في بنائها ، إلا أن المؤلف بحساسيته الدرامية والفلسفية ولغته التي تهوم في فضاءات الشعرية والجدل الفلسفي ، إمتلك القدرة على صياغة الحدث والفعل الدرامي الذي يتأسس على التناقض الضدي في المفاهيم والأفكار أوحتى في الجملة الواحدة . لذا فإن لغته الدرامية في عموم مسرحياته تتجوهر وتتكثف بتعبيريتها ذات الطابع الفكري ، إضافة إلى توهجها الشعري ، فمن خلالها يعبر عن شيزوفرينية وتوهان الذات العراقية القلقة دائما والمستفزة بمشاكلها المعقدة التي هي جزء من مشاكل الإنسان العربي المعاصر .
فتحتل موضوعة علاقة الذات بغموض وتعقيد الظاهرات الاجتماعية والكونية والمشاكل المعقدة الأخرى ، جوهر مؤلفات عادل كاظم ، فهو دائما ـ وبعناد لامثيل له يضع بطله في زاوية ضيقة كأنها ثقب الابرة ويدفعه نحو المجهول بغية تحقيق عنفوان الذات البطولي الخادع أو علاقتها المحكومة بجحيمية الآخر ، مستهديا بقصوره في فهم واستيعاب العالم الضبابي المحيط به عندما يتجاسر للولوج فيه ، بالرغم من رحابة عقله ووعيه . من هذا المنطلق فأن بطل عادل كاظم يبدو في الكثير من الأحيان قَلِقاً ، مضطرباً ، ملتاثاً ، نتيجة لمحاولته الوصول إلى حصانة فكرية وهدوء نفسي أزاء العالم الاكثر جنوناً الذي يعيش فيه .
فالإنسان بالنسبة للمؤلف مختنق بمشاكل مادية وميتافيزيقية في الآن ذاته ، تشغله دائما حد القلق الوجودي ، بدون ان يجد مبرراً أو تفسيراً . لهذا فأنه يتخبط وسط شبكة الواقع المادي المعقد بمجانيته ، أو الميتافيزيقي الغامض نتيجة لإلتباساته . وضمن هذا المفهوم فان أبطاله يلامسون جذر وحقيقة المشكلة ، لكنهم لايحيطون بها كليا او يمتلكونها .
إن مشكلة الحرية هي مشكلة دائمة في طروحات المؤلف ، وتعتبر موضوعته الأساسية فتشكل هوسه الابداعي . ولكن عندما يبدأ أبطاله التفكير العملي والتجريبي بحريتهم أو الثورة على الواقع السلبي كونه وجوداً ملتبساً ، أوعندما يعمدون لملامسة الظاهرات ذات الطابع الفلسفي ، فأنهم ينكفئون على ذواتهم ، فتصبح مفاهيمهم حول الحرية والثورة والعلاقة بالآخر وغيرها ( والتي تشكل الوجود الذاتي للبطل ) مقولات وظاهرات معقدة وخالية من مضامينها وجوهرها وخاصة في مجتمع محكوم مسبقا بالحرمان منها ، وهذا يخلق التصادم بين البطل ومحيطه ، بين الذات كوجود في صيرورة الفعل وبين الوجود الآ خر ( الواقع أو الذات الأخرى ) وقد يؤدي هذا إلى السكونية والسلبية .
إن مثل هؤلاء الأبطال وعلى نطاق محاولة الخروج من أنانيتهم الفردية وسلبيتهم الوجودية يلجأون إلى قوة خارجية ليست ذاتية في تحقيق فعلهم الوجودي ، ولهذا السبب فانهم دائما عاجزون عن فعل التحقق الذاتي فتضج أرواحهم بصراخ لا يسمعه أحد غيرهم : " العالم أعطى .. والعالم أخذ" كما فعل بطل مسرحيه "تموز يقرع الناقوس "
إن عجزهم في تحقيق ذواتهم بعيداً عن الآخر يدفعهم إلى الانتماء إلى المجتمع من جديد ، لتحقيق فعلهم الحياتي للتكامل مع تلك النار المستعرة في دواخلهم أو ذلك الطموح لملامسة تلك الجوهرة الجحيمية المسماة الحرية والتي تظهر للبطل كشهاب ناري تغريه بشعاعها اللاهب فيتبعها بإصرار لا مثيل له ، ولكن بلا بصيرة أحيانا ، وبدون التأكد من قدراته الذاتية في مواجهة مصيره التراجيدي ، إنه مشتت ولاهٍ بالرغم من أنه ينحدر إلى الأعماق السحيقة لجحيم الخراب ، وإن بدا متشبثاً في كل شيء ، لكنه يترآى في غشاوة الوجود هامساً بفحيح مأساوي بعد أن يعي حجم خرابه الذاتي ، كما فعل البطل في المسرحية السابقة :
(ها أنذا أحمل حملا ثقيلا / متوجه نحو القمة / ويجب ألا أسقط )
وهنا يبدأ تأثير برشت فكريا وملحميا وتغريبيا ، حيث أن البطل يتخلى عن ذاتيته لينتمي إلى الآخر . وهذه هي الميزة التي اكتشفها إبراهيم جلال ـ المنتمي إلى برشت في معالجة المشاكل الاجتماعية على المسرح ـ في أبطال عادل كاظم وحاول دائما تطويرها من أجل أن يخلق العرض الشعبي المبني على إفهومة برشت في المتعة والتعليم وما يضفي عليها فكر عادل كاظم المهوس بالأساطير والمقولات الفلسفية ، وكذلك العقل المسرحي المفكر والرؤى الإخراجية لمفهوم ابراهيم جلال للمسرح المركب .
والجانب الاخر من روح وموقف بطل عادل كاظم الخارج من قدسية الأساطير والملاحم البابلية يلامس ذاتيته لكنه لا يستطيع تحقيقها إلا بالتخلي عن هذه الذاتية ، عندها يصبح هشاً وقناعاً غير معبر ، لأنه يجتاز منطقة الخطر وامتحان الذات اضطراراً ، فينحدر إلى هوة الهامشية والتماهي ، ليتحول إلى بطل بائس ، متكيف مع خراب روحه فيصبح جزءاً من التاريخ الإستثنائي قياسا لدوره في تغير ذاته وواقعه . وعادل كاظم عندما يقوم باستغلال التراث البابلي ، يحاول انتقاء تلك المقولات والأفكار التي لها علاقة بمشاكل عصرنا الراهنة ويبني عليها مفاهيمه المسرحية مما يضفي تفرداً لسمات ذلك المسرح الذي مازال يجهد ببنائه منذ الستينات من القرن الماضي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب